المقدم:- دكتور خالد نعود إلى القصص والأخبار التي وردت في كتاب الله تعالى ونحن نسير ترتيبًا كما جاء في بعثة الأنبياء ورسلهم عليهم الصلاة والسلام، نتحدث في هذه الحلقة عن إبراهيم عليه السلام وحواراته التي وردت في كتاب الله تعالى بدءا بحوار إبراهيم مع أبيه عندما تكرر الحوار يا أبت يا أبت إلى آخر تلك الحوارات مع قومه ومع ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام، فلو ابتدأنا حديثنا بالحوار الذي دار بين إبراهيم عليه السلام مع والده.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فأسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يتبعنا سير الأنبياء الصالحين وأن يرزقنا ما فيه الرشد والخير.
القصة التي نتناولها في هذا اليوم هي قصة إبراهيم في حواراته ليس حواراته ليست قصة معينة إنما هو بيان لحال إبراهيم في محاجته على وجه العموم، إبراهيم عليه السلام مدرسة في الدعوة إلى التوحيد وبيان الحق بعثه الله تعالى داعيًا إلى الهدى بعثه إلى قوم مشركين كانت عندهم حضارة وكان عندهم تقدم وعندهم أنواع من زهرة الدنيا لكن كانوا مشركين، يسوون بالله تعالى غيره من المخلوقات.
فجاءهم وهم في أرض بابل كما قال أهل التواريخ وهي أرض في السواد بين دجلة والفرات في العراق وهي منشأ إبراهيم على ما ذكره كثير من المؤرخين وسلك معهم مسلك المحاجة والمناظرة والمحاورة والمناقشة لإقامة صحة ما يقول وإبطال ما كانوا عليه من شرك.
المقدم:- إذًا الشرك كان هو السمة العامة لأولئك القوم؟
الشيخ:- نعم ولذلك يقول الله –جل وعلا-: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً﴾الأنعام: 74 فكانت السمة العامة لقوم إبراهيم عليه السلام أنهم مشركون هم صابئة كانوا يعبدون الكواكب ويعبدون غير الله –جل وعلا-.
إبراهيم عليه السلام لم يترك مسلكًا للدعوة إلى الهدى والخير إلا سلكه، وكان من جملة من دعاهم ومن جملة من وجه إليه مناصحة والمحاورة للهداية إلى التوحيد كان من جملتهم أبوه آزر الذي ذكره الله تعالى في قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾الأنعام: 74 هذا إيجاز لما كان من كلام إبراهيم مع أبيه حول قضية التوحيد، وخطورة الشرك والتحذير منه.
لكن جاء هذا الإيجاز مبسوطًا مفصلًا وضح الله تعالى فيه ما كان عليه إبراهيم فيه مناقشته لأبيه يقول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾مريم: 41- 42 الله اكبر ما أروع هذا البيان! وما أروع هذا الإيضاح! وما ألين هذه الكلمات! وما أعذب هذا الحوار! الذي ابتدأه إبراهيم في خطاب والده بتلك الكلمة التي تلين القلوب وتسرق الأذهان وتجذب النفوس للقبول يا أبت ثم جاء بعد الاستفهام لما ما الذي يحملك؟ وما الذي يدعوك؟ ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾مريم: 42 فقد بدت عليه علامات النقص فلا يسمع وأنت تدعو من يسمع وتسأل من يحيط سمعه بكلامك ولا يبصر ما يدري لا يرى ولا يطلع ولا يرقب ولا يشهد ما أنت عليه ولا يغني عنك شيئًا أي لا يدفع عنك ولا يكفيك في شيء من الأشياء ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾مريم: 42 ثم يستمر عليه السلام في دعوته لأبيه بعد بيان سفاهة التوجه إلى تلك الأصنام في العبودية دون الله تعالى ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ﴾مريم: 43 وانظر كيف بدأ أولًا بالدليل العقلي قبل أن يخبر بأنه رسول ابتدأ أولًا بالعقل وإعمال الفكر ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾مريم: 42 هذا تمهيد لبيان بطلان هذه العبادة وخطأ هذا المسير طيب ممكن أن يقول يعني أنت الآن تقول هذا الكلام يا إبراهيم ما مستندك؟ يعني هل هذا شيء توصلت إليه بفكرك وعقلك وذهنك جاء البيان من إبراهيم عليه السلام إن هذا إضافة إلى كونه دلالة عقلية أنه هداية ربانية يقول: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾مريم: 43 أي ما لم يصلك وهو نور الرسالة وإشراق الوحي الذي من الله تعالى به على إبراهيم ﴿فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾مريم: 43 أي طريقًا واسعًا طريقًا مستقيمًا طريقًا يوصلك إلى سعادة الدنيا وفوز الآخرة إن إبراهيم عليه السلام بعد هذا الخبر الذي أخبر فيه بأنه يوحى إليه عاد إلى القضية الأساسية التي حولها يدور الحوار وهو عبادة الشيطان، عبادة غير الله تعالى فقال: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾مريم: 44 وهذا تكرار للقضية الأساسية التي ابتدأ بها في إبطال عبادتهم.
الآن صرح أن هذه العبادة التي تفعلونها ليست عبادة هذه الأصنام أو تلك الكواكب إنما هي عبادة لمن يأمر بها من هو؟ الشيطان لذلك يقول –جل وعلا-: ﴿لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾مريم: 44.
المقدم:- ويتضح التسلسل شيخ خالد في الدعوة.
الشيخ:- كذلك بين في هذه الآية أنه هذا الشيطان عاصي للرحمن ولذلك هو يأمركم أن تعبدوا غيره أتفضل يا أخي.
المقدم:- يتضح التسلسل في الحوار مع إبراهيم مع والده التسلسل في إقناع أبيه المشرك أيضًا التلطف والتودد والحلم والأنا من إبراهيم عليه السلام حال مخاطبته لوالده مع أنه مشرك بالله.
الشيخ:- صحيح ولهذا إذا تأملت سياق الحوار كما ذكرت قبل قليل أنه ابتدأ بالأدلة العقلية ثم أخبر بالرسالة وهو العلم الذي قال: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾مريم: 43 ثم بعد ذلك عاد إلى تقرير خطأ هذا المسلك وأن هذا هداية الوحي وهداية العقل عاد وذكر المصير والمآل للاستمرار على هذه الطريقة بعبادة غير الله فقال: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ عَذَابٌ مِنَ يَمَسَّكَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾مريم: 45.
أي إن استمررت على هذا المسار، وصرفت العبادة لغير الله تعالى فإنك ستخسر ولاية الرحمن وستفوز بولاية الشيطان بعد هذا الحوار.
المقدم:- وقبل أن نأخذ رد والد إبراهيم على إبراهيم نأخذ هذه المداخلة القصيرة من الأخ مسلم السحيمي.
الشيخ:- أخاف ينقلنا مسلم إلى قضية ثانية بعيدة.
المقدم:- لا أنا أعدك أن نواصل هذا المقطع.
المعلق:- حقيقة شيخنا الفاضل ملاحظتي أو تأملي في قصة حوار إبراهيم عليه السلام مع والده يتضح فيها أربعة ملاحظ؛
الملحظ الأول:- المباشرة والوضوح في النصيحة.
والملحظ الثاني:- الصدور عن علم ومعرفة.
والثالث:- التسبيب لهذه النصيحة والخطأ الذي رأى إبراهيم أباه عليه.
والرابع:- إظهار الشفقة والمودة لأبيه وأخيرًا بعد أن وجد إبراهيم هذا الاعتراض من أبيه والتهديد له قال له: ﴿قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ﴾مريم: 47 ثم خرج من النصيحة ابتدأها متوددًا متلطفًا.
المقدم:- الأخ مسلم يؤكد على ما ذكرته شيخ خالد في ثنايا حديثك فجاء الرد الآن من الوالد إلى إبراهيم عليه السلام.
الشيخ:- يقول الله –جل وعلا- في حكاية وقص خبر رد والد إبراهيم بعد هذا الإيضاح والتجلية والتلطف قال: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ﴾مريم: 46 هذا استفهام استنكار هو يعلم من خلال السياق أنه ليس على ملته ولا على طريقته ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي﴾مريم: 46 أي أتارك ما أتعبد به وأتقرب إليه بالتأكيد هو كذلك.
ولذلك انتقل بعد الاستفهام الاستنكاري لهذا الفعل من إبراهيم بالتهديد، حيث قال له: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾مريم: 46 فجمع له عقوبتين؛ العقوبة الأولى عقوبة بدنية، والعقوبة الثانية عقوبة نفسية، العقوبة البدنية هو الرجم وهذا يؤلم واختار الرجم لأنه يعم جميع البدن ليس الألم فيه في موضع من البدن بل في جميع البدن.
ولما كان العذاب البدني شاملًا أيضًا اختار نوع من العذاب النفسي الذي لا يفارقه ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾مريم: 46 براءة ابعد عني اهجرني اغرب عن وجهي ليس بيني وبينك صلة، هذا عذاب نفسي على الولد كبير لاسيما في مثل مقام إبراهيم مع والده حيث أبدى من الشفقة والحنو والرغبة في إنقاذ والده ما تأكد الوالد تمام صفو المودة التي في قلبه أي في قلب إبراهيم في قلب الابن لأبيه.
المقدم:- إذًا هذه الآن عقوبتين اجتمعتا من والد إبراهيم على إبراهيم عليه السلام وتهديد ووعيد كما ذكرت بدني ونفسي فماذا هو موقف الأنبياء كعادتهم في التعامل مع من أشرك بالله –سبحانه وتعالى-؟
الشيخ:- كان الرد في غاية السمو وفي منتهى العلو والخروج عن حدود النفس ﴿قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ﴾مريم: 47 أي أنت سالم من كل ما تخشاه ومن كل ما تخافه من المؤذيات التي ممكن أن تأتيك من قبلي، فلن أسعى في أي نوع من أنواع المضرة لك، ولن يصلك أي نوع من أنواع الأذى وإن استمر في مسلكه قال: ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾مريم: 47 وعد بأنه سأستمر في طلب المغفرة من ربي الذي اعبده دون آلهتكم أن يغفر لك وأن يخرجك من هذه الظلمة لأنه لا يمكن أن يغفر له وهو في ظلمة الشرك ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾النساء: 48 ثم قال في ختم ذلك مبشرًا إنه هذا قريب أن يجاب ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾مريم: 47 لم يقل إبراهيم لأبيه إن ربي كان بي حفيًا لبيان فضله ومنزلته، إنما لترغيبه في أن يستجيب لدعوته أنا لي صلة بالله –عز وجل- حسنة يتقبل دعائي لا لأني أريد أن أعلو بهذا عليك، إنما تطميعًا لأبيه في أن يستجيب لدعوته.
هذه صورة من صور الحوارات التي ذكرها الله تعالى في كتابه لإبراهيم، وقد ذكر الله جملة من الحوارات.
المقدم:- هذا هو الحوار الأول بين إبراهيم مع أبيه ننتقل إلى الحوار الآخر الذي ورد أيضًا في كتاب الله بين إبراهيم عليه السلام مع قومه.
الشيخ:- إبراهيم في حواره لقومه الحقيقة إن إبراهيم عليه السلام اعتمد الاستدلال العقلي في تصديق ما جاء به من رسالة وهذا من توفيق الله له، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾الأنعام: 83.
إبراهيم عليه السلام ميزه الله تعالى بالمحاجة الهادئة، وتأمل تلك المحاجة لقومه حيث أنه عرض لهم صورة من معبوداتهم حيث كانوا يتعلقون بالآفاق وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾الأنعام: 75 أي ليثبت اليقين في قلبه اليقين هو أعلى درجات الإيمان وهو من يقن الشيء إذا ثبت وقر فاليقين هو ثبات الإيمان، ثبات التصديق ثبات التوحيد يكون من الموقنين كيف ذلك؟ بتلك الخبر أو بذلك الخبر الذي فيه تقديم إبراهيم عليه الصلاة والسلام النظر فيما كان يعبد قومه ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾الأنعام: 76 قال بعض أهل العلم أنه قال هذا تمثيل وبعضهم قال أن هذا قبل أن يهدى للتوحيد، والذي يظهر أنه قاله على وجه المحاجة أنا أسلم أن هذا ربي
المقدم:- دليل عقلي لقوم إبراهيم عليه السلام.
الشيخ:- في إبطال ما كانوا يعبدونه من دون الله ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾الأنعام: 76 أنتم تقولون الكواكب أرباب هذا ربي فلما أفل غاب ﴿قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾الأنعام: 76 لأن الأفول والغياب هو نوع من النقص الذي يتنزه عنه الرب الذي هو على كل شيء شهيد وهو على كل شيء رقيب –سبحانه وبحمده- فما من حركة ولا سكون في الكون إلا بإطلاعه وبأمره ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾القمر: 49 يقول الله تعالى بعد ذلك في سياق هذه القصة فلما رأى القمر الآن قفل كوكب وطلع ما هو أكبر منه وهو القمر ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾الأنعام: 77.
إذًا أيضًا بطلت عبادة القمر لأنه قفل تكرر فيما تكرر في الكوكب فعند ذلك قال: هذا لا يصلح وهذا لا يصلح إله فهنا افتقر إلى الله –عز وجل- في أن يخرجه من هذه الظلمة، وهو إشارة إلى قومه إلى أنهم يحتاجون أن تلجاؤا إلى الله ليخرجكم من هذه الظلمات، فالهداية بيديه –جل وعلا- -سبحانه وبحمده- يهبها من يشاء قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء قال –صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ»صحيح مسلم (2654) بعد ذلك رأى ما هو أكبر من القمر وهو الشمس يقول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي﴾الأنعام: 78 ما فقط رب لكن هذا رب فيه سبب أيضًا ميزه عن غيره ﴿هَذَا أَكْبَرُ﴾الأنعام: 78 مما تقدم قال: ﴿فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾الأنعام: 78 أيقنت أن ما تتوجهون إليه بالعبودية غير صحيح برئ والبراءة هي الخلص التام والنجاة الكاملة من الشيء.
المقدم:- وهنا انتقل من الدعوة العقلية إلى الدعوة العملية.
الشيخ:- نعم قال بعد ذلك: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾الأنعام: 79 هنا أشرقت أنوار التوحيد وتبددت كل ظلمات الشرك لما قال: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا﴾الأنعام: 79 هو المستحق للعبادة الذي خلق الشمس والقمر والكواكب والنجوم هو الذي يستحق أن يتوجه إليه في العبادة وحاجه قومه أي استمر رغم قيام الأدلة الظاهرة على صدق توحيد الله تعالى استمروا في المحاجة.
قال: ﴿قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ﴾الأنعام: 80 كيف تجرؤون على أن تحاجوني وتتكلمون معي بعد قيام الأدلة على صحة ما أعبد وتطلبون مني أن أشرك وأن أميل إلى إلهتكم ثم يقول: ﴿وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾الأنعام: 80 واستمرت الآيات واستمر السرد القرآني في ذكر ما قاله إبراهيم عليه السلام لقومه وختمت بشهادة الله.
فقال جل في علاه: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾الأنعام: 83 –سبحانه وبحمده-.
المقدم:- الآن هذا حوار إبراهيم مع قومه لعلنا نختم حلقتنا هذه بشيء من الحوار الذي دار بين إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليه السلام.
الشيخ:- لعلنا نرجئ هذا إلى حلقة قادمة فيما يتصل بإسماعيل ونأخذ حوار إبراهيم مع النمرود الملك الله تعالى قص ذلك في كتابه حيث قال –جل وعلا-: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾البقرة: 258 هذه المحاجة بين ملك ذو قوة وسلطان وذي حجة وذي سطوة وبسطة في الملك يحاج من إبراهيم عليه السلام الذي ليس له قوة إلا حجة البرهان وسطوع ألوان البيان التي يسرها الله تعالى له.
الآية ماذا قال فيها تعالى؟ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾البقرة: 258 يعني سبب اغتراره أن الله تعالى آتاه الملك، فاغتر بهذا الملك عن أن يحقق التوحيد ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْك َإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾البقرة: 258 هنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ترفع عن أن يحاجه في مسألة قد لا تقنعه لأن هو لما قال لإبراهيم ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾البقرة: 258 قال: كيف أتى باثنين؟ حكم عليه بحكم قال: اقتلوا هذا وهذا أبقوه، فظن أن هذا إحياء وهذا إماتة.
إبراهيم عليه السلام ترك هذا لأنه الآن تبين أنه لن يقتنع وأنه سيكابر فانتقل إلى ما لا يمكنه رده، ماذا قال له؟ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾البقرة: 258 أي عجز عن أن يأتي بجواب أو أن يحير صوابًا لأن هذا لا يمكن أن يقدر عليه إلا الخالق الذي بيده ملكوت كل شيء –سبحانه وبحمده-.
فتبين من هذا أنه إبراهيم عليه السلام كان في حواراته لا يدخل في تفاصيل، بل إذا لم يقتنع أحد بحجة تركها إلى ما هو أظهر منها ليقنع بصدق دعوته، لأنه ليست المسألة مغالبة في صحة حجة معينة، وإنما المسألة هو الوصول إلى الهدى والبيان وإقامة البرهان على صحة عبادة الملك الديان –سبحانه وبحمده-.