المقدم:- في هذه الحلقة مشاهدينا الكرام نقف وقفات مع قصة نبي ذلكم النبي طالما ذكر قومه بنعم الله –سبحانه وتعالى- قومه عندهم جودة في صنعة البناء وفن النحت ولازلت مساكنهم خاوية حتى الآن.
نسعد بالحديث حول هذا الموضوع مع فضيلة شيخنا ضيف البرنامج الدائم الدكتور خالد بن عبد الله المصلح فأهلًا ومرحبًا بكم دكتور خالد.
الشيخ:- أهلًا وسهلًا مرحبا بك الله يحييك.
المقدم:- كما يشاركنا الأخ مسلم السحيمي معلقًا ومشاركًا ومداخلًا أهلًا بك مسلم.
المعلق:- أهلا بك.
المقدم:- عودة إليك دكتور خالد بالحديث عن ذلكم النبي الكريم الذي أرسله الله إلى قومه وهو صالح عليه السلام جميل أن نبدأ حلقتنا بالتعريف بنبي الله صالح من حيث اسمه وأيضًا المكان الذي بعث فيه.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بك وبالإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات أسال الله تعالى أن يكون هذا اللقاء وهذا البرنامج نافعًا مفيدًا نبذل فيه قصارى جهدنا للوقوف على بعض قصص الله –جل وعلا- في محكم كتابه عن أنبيائه ورسله.
في هذه الحلقة سنتناول إن شاء الله تعالى قصة النبي الكريم صالح عليه السلام، وهو نبي من أنبياء الله ورسول من رسله الكرام بعثه الله تعالى إلى ثمود، وثمود قوم من العرب فهم العرب في ما يعرف بالعرب البائدة كما يقسم المؤرخون العرب البائدة والعرب المستعربة ويقصدون بالعرب البائدة العرب الذين أهلكوا وهم قوم هود وقوم صالح، عاد وثمود.
وكثيرًا ما يقترن ذكر هذين في كتاب الله تعالى، وذلك إما لتقارب الزمان أو لتقارب الحال أو لتقارب أوصاف القومين فكلاهما أقوام لهم حضارة ولهم قوة ولهم مكنة.
قوم هود انطمست معالم حضارتهم فلم يبقَ من حضارتهم شيء فيما نشاهده، وإن كان يقال إن هناك اكتشافات لحفريات ومدفونات تتعلق بحضارة قوم هود، لكن قوم صالح قوم لا تزال معالم حضارتهم قائمة وشهدها النبي –صلى الله عليه وسلم- ومازالت الأمة تشهدها فيما يعرف بمدائن صالح في شمال غرب الجزيرة العربية.
وقد امتازوا بما امتازوا به من القوة التي ذكرها الله تعالى عنهم في كتابه، والجنات فهم في منطقة جبلية فيها من الجنات والأنهار وسائر متع الدنيا ما أطغاهم وأخرجهم عن حد الاستقامة، طبعا هم قوم كانوا مشركين لم يكن عندهم توحيد لله تعالى، وقد امتازوا بقدرتهم وقوتهم على تشكيل بيوتهم من الجبال وهذه قوة زائدة على كونك تبني بيت، تقطع الحصى وتصنفه أي كونك تنحت، هذا نوع من القدرة والمكنة ذكره الله تعالى في كتابه للدلالة على قدرة هؤلاء على البناء وقدرتهم الحضارية التي وصلوا إليها يقول الله –جل وعلا-: ﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾الفجر: 9 جابوا أي قطعوه ونحتوه على صور وأشكال يتحقق بها مصالحهم، ولذلك قال –جل وعلا-: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾الشعراء: 149 أي للتمتع والرفاهية، ولا نشهد في أيامنا هذه مثل هذه القدرة رغم أن عند الناس اليوم من إمكانات وتسخير مادي لأنواع من الأدوات والآلات التي يتميزون بها لكن ليس عندهم قدرة على أن ينحتوا من الجبال بيوتًا، لم يصلوا إلى هذا القدر من التمكن كما كان في قوم صالح في قوم ثمود.
المقدم:- إذًا الله –سبحانه وتعالى- مكنهم وأعطاهم من القوة والبسطة في الجسم الشيء القوي كما هو مشاهد في منازلهم.
الشيخ:- يعني هو البسطة والقوة في الجسم إضافة إلى الحضارة فيما يظهر لي، لأنه لم تكن هذه فقط ناتجة عن قوتهم البدنية فقط، بل قوة بدن وقوة مادة مكنوا منها تمكنوا بها أن يصلوا إلى هذا الإبداع وهذه القدرة في نحت الجبال وجعلها على هذه الصورة مساكن يؤون إليها.
المقدم:- إذًا كان عندهم الشرك وكانوا يسكنون في هذه المنازل في الجبال، الآن هل أتى الآن في ذلك الوقت تحديدًا نبي الله صالح؟ وكيف بدأ معهم؟ وكيف بدأ يتعامل معهم في دعوته من الله –سبحانه وتعالى- وهل استجابوا لدعوة نبي الله صالح؟
الشيخ:- هم في الحقيقة يظهر أن من خلال سرد الله –جل وعلا- لأخبارهم أنهم كانوا يكذبون بالآخرة لم يكونوا مؤمنين بالآخرة إيمانًا جليًا ولذلك قال لهم صالح عليه السلام: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ﴾الشعراء: 146 يعني أظننتم أنكم ستخلدون في هذه المتع وهذه القدرات التي حباكم الله تعالى إياها وأعطاكم إياها ومكنكم منها، الآيات الكريمات في توصيف دعوة ثمود لقومه أنهم كانوا في غاية الصلف مع نبيهم، فلذلك ذكر الله تعالى تكذبيهم في جملة من المواضع ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾الشعراء: 141- 142 فلم يكن الكلام كلامًا صلفًا منه أو قاسيًا، بل كان كلامًا عذبًا سهلًا في تحضير أخوهم صالح ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾الشعراء: 142- 143 ثم لإظهار البراءة من كل رغبة أو مصلحة من هذه الدعوة ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾الشعراء: 145 ولاحظ أن هذه ترى المقولة جاءت في كلام نوح عليه السلام جاءت في كلام هود عليه السلام جاءت في كلام صالح، ذلك أنه أهم ما يكون في مقام الدعوة لإقناع المقابل أن تظهر أن هذه الدعوة لا تجري منها كسبًا شخصيًا أو فائدة ذاتية إنما أنت تقصد إنجاء هذا الشخص وإخراجه من الهلكة ثم جاءت بعد ذلك التذكير بالنعمة ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾الشعراء: 146- 149 عاد إلى بعد هذا التذكير ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾الشعراء: 150 اتقوا الله بتحقيق ما أمركم به من التوحيد وأطيعون أي امتثلوا ما أمركم به من عبادة الله وحده لا شريك له.
المقدم:- وهذا أسلوب دكتور خالد من الأساليب التي استخدمها نبي الله صالح واستخدمها نبي الله هود بتذكير القوم بنعم الله عليهم فسبحان الله الشخص عندما يريد أن يدعو آخر تجد أنه يبدأ يذكره بنعم ذلكم الشخص الآخر عليه فتجد الاستجابة والرغبة والإذعان والخضوع، لكن ما ذكر به نبي الله صالح قومه كان عكس ذلك، بل بالجحود والاستكبار والإنكار.
الشيخ:- نعم صالح عليه السلام لما جاء قومه بهذه الأنواع من التذكير أمده الله تعالى بمزيد عون بالآيات التي جاء بها لإقناع قومه بصحة ما يدعوهم إليه وبسلامة ما يدلهم عليه والله –جل وعلا- ذكر في محكم كتابه أنه أمدهم بأية عظيمة وهي الناقة لكنه ذكر في مقدمة ذلك أنهم مع ظهور هذه الآية ما حصل منهم الإيمان ولم يكن منهم الاستجابة، بل قال: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾الإسراء: 59 أي زجرًا عن التكذيب وزجرًا عن معصية الأنبياء، هذا التخويف بالآيات هل نفع قوم صالح؟ لا لم ينفعهم ولذلك قال –جل وعلا-: ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾الإسراء: 60 الله –جل وعلا- أمد قوم صالح بهذه الآية العظيمة الجلية الظاهرة وهي تلك الناقة التي كانت لهم أية يدركون بها صدق نوح عليه السلام، فإن صالح عليه السلام لم يأتي قومه بأمر لا دلائل له، ولا براهين على صحته، بل جاءهم بآيات بينات ظاهرات لكنهم أبوا، فكان من جملة ما جاءهم به خبر تلك الناقة التي قصها الله –جل وعلا- في محكم كتابه.
فجاءت هذه الناقة وصالح قال لقومه لكن يوم تشربون فيه ولها يوم تشربوا فيه، وأنتم في اليوم الذي لا تشربون فيه تكتفون بما يكون من درها وحليبها حيث كان لها من الدر ما يكفي هؤلاء كلهم ويغني القوم من أن يحتاجوا إلى الماء، لكنهم كذبوا ذلك وعملوا على الإيقاع بصالح عليه السلام فسعوا ابتداء في أن يهلكوا صالح عليه السلام، أن يقتلوه فتنادى جماعة من قوم صالح على قتله كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾النمل: 48- 49 فهؤلاء تمالئوا وائتمروا على قتل وتصفية صالح عليه السلام بعد أن جاءهم بالآيات البينات لكن الله –جل وعلا- من وراءهم محيط قال: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً﴾النمل: 50- 52 تلك البيوت والمشاهد التي لازلت قائمة وشاهدة على خبر أولئك القوم ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾النمل: 52 .
هذا فيما يتعلق بكيدهم بصالح ومحاولتهم تصفيته جسديًا لما عجزوا عن صده عن دعوته وقد جاءهم بالآيات البينات، لكنهم تسلطوا على الآية التي جاء بها وهي الناقة، فانبعث أشقاها كما قال الله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ﴾الشمس: 11- 13 انظر كيف قال ناقة الله تذكيرًا لهم بأن هذه أية من الله، فأضافها إلى الله إضافة تشريف، إضافة تكريم حتى ينزجر وينكف عن المساس بها والإيذاء، لكنهم أبوا واستكبروا فكان أن قتلوها ﴿إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾الشمس: 12- 14
المقدم:- نعم دكتور خالد عند هذه النقطة تحديدًا يبدو أن الأخ مسلم عنده مداخلة فيما يتعلق بهذه الآية أتفضل مسلم.
المعلق:- حقيقة مداخلتي قبل أن نصل إلى أية الناقة وهي السخرية والاستهزاء، نبي الله صالح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم يدعوهم إلى توحيد الله –عز وجل- وإلى عبادته وإلى طاعته، ومع ذلك يكون الجواب محطم لدرجة ﴿قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾هود: 62 بودي أسمع تعليقيك شيخ على ردود الفعل الغير متوقعة من المدعوين.
المقدم:- الله يعطيك العافية مسلم ومشكور أتفضل شيخ خالد.
الشيخ:- هو الحقيقة هؤلاء غرضهم واحد ومقصدهم هو إقعاد المرسل الرسول والداعية عن الحق بأي طريق وبأي وسيلة، سواء كان ذلك بتحقير ذاته أو الاستخفاف به أو بالطعن في دعوته، الغرض هو إيقافه عن هذه المسيرة المباركة ولذلك قوله: ﴿قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾هود: 62 هو نوع من الإغراء أنه أنت لو تركت هذه الدعوة وتركت هذه الرسالة فلها مكانة ومنزلة لا تضيعها باشتغالك بمثل هذه الأمور.
فينبغي لأهل الإيمان وأهل التقوى ألا ينظروا إلى مثل هذا، فالحق الذي يحملونه والهدى الذي يدعون إليه هو سبب رفعتهم ومخالفة أمر الله تعالى والتنكب عن هدي المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم.
نعود إلى ما كنا في سياق الحديث حول الناقة.
المقدم:- عندما كانوا أو أعطاهم نبي الله صالح الإذن أن يشربوا يومًا من الماء ويوما يكون للناقة.
الشيخ:- هو ذكر الله تعالى في محكم كتابه عن هذه الآية أنه قسم الماء بينهم وبينها وبين قوم صالح قسمة ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾الشعراء: 155 عقروها فذكرت ﴿إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾الشمس: 12- 14 .
هذه العقوبة حصلت لما كذبوا الرسل، لما كذبوا صالح وسعوا في إبطال رسالته وتعدوا الحد الذي جعله فاصلًا مظهرًا لعتوهم وكذبهم هو قتلهم للناقة فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم، وهذا ما ذكره الله جل في علاه عنهم أنهم عتوا أي تجاوزا الحد وقالوا: ﴿وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾الأعراف: 77 تحدي صارخ وقد قالوا أنت جئتنا بهذه الآية ونحن كذبناك وقتلنها وأنت تهددتنا بالعذاب ومع هذا إذا كنت صادق فآتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين كما قال في الآية الأخرى ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾هود: 65 .
جاء أمر الله وحاقت بهم العقوبات، فنزلت بهم عقوبة من نوع شبيه بقوم هود من نوع لا قبل لهم به، قد يقومون منه خيرًا كما كان من قوم هود ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾الأحقاف: 24 يعني استبشروا به على ما هم عليه من استكبار وتكذيب للرسول.
هؤلاء لما عقروا الناقة وتحدوا صالح عليه السلام قال لهم: ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾هود: 65 وجاءتهم العقوبة بالصاعقة والصاعقة كما يعرفها العلماء المعاصرون هي استفراخ كهربي ينتج عنه إهلاك وصوت وتدمير الله –جل وعلا- ذكر في قوم صالح الإهلاك بالصاعقة والإهلاك بالصيحة والإهلاك بالرجفة وكل هذه المعاني متفقة، فليس بين كلام الله تعالى تعارض ولا اختلاف لكنه توصيف للعقوبة من أوجه جاءت متفرقة في كتاب الله فمثلا قال الله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾الذاريات: 44 هذا في موضع، في موضع آخر قال –جل وعلا-: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾هود: 67 وقال: ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾الحاقة: 5 وقال –جل وعلا-: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾الأعراف: 78 فذكر الله تعالى أنواعًا من العقوبات وهي عقوبات متتابعة فكانت الصاعقة التي نتج عنها صيحة والتي أعقبتها رجفة فكان كما قال الله –جل وعلا- في الإهلاك الذي أصابهم ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾النمل: 52 أي بسبب ظلمهم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ والآية عبرة وعظة.
ولعلنا فيما بقي من الحلقة إذا أذنت تكلم عن تفعيل هذا في سيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾النمل: 52 كيف فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى الوادي إلى الحجر إلى مدائن صالح؟ كيف كان شأنه؟
أتاها النبي –صلى الله عليه وسلم- ومر بها ورأى تلك المساكن التي أخبر الله تعالى وقص فيها قص ما جرى فيها من أحداث عظيمة تجري لها قلوب المؤمنين فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري لأصحابه «لا تَدْخُلُوا علَى هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ إلَّا أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصَابَهُمْ.» صحيح البخاري (433)، ومسلم (2980) يعني خشية أن يصيبكم ما أصابهم.
هذا توجيه قولي ثم أتبع ذلك بتوجيه عملي، قنع رأسه –صلى الله عليه وسلم- أي ستر رأسه بعباءته أو بشيء من ثيابه –صلى الله عليه وسلم- ثم أسرع في مسيره خارجًا من هذا الوادي خشية أن يحيق به ما حاق بأولئك من العقوبة والعذاب، قد يقول قائل يعني الناس يروحون ويجيئون من زمان وما هناك عقوبات ما نشهد أن أحد راح إلى مدائن صالح وحلت به عقوبة سواء كان معتبرًا أو غير معتبر والإجابة على هذا فيما يظهر أن هذا التهديد هو بيان لاحتمالية وقوع هذا النوع من العذاب مرة أخرى لكن فيما يظهر لي والله أعلم أن هناك ملحظ قد لا يتنبه إليه كثيرون، وهو أن الإصابة لا يلزم أن تكون الإصابة بنزول العقوبة التي نزلت بقوم صالح، إنما أن يصيبكم ما أصابكم من الاستكبار أن يصيبكم ما أصابهم من الجحود، أن يصيبكم ما أصابهم من الكفر، فإن الإنسان يتأثر بالمحيط فإذا جاء إلى هذه الأماكن ولم يكن معتبرًا أو متعظًا يخشى أن يصيبه من أصابهم من جحود واستكبار وعلو يكون عاقبته أن تنزل به العقوبة، وإلا فإنه لا يلزم من قول أن يصيبكم ما أصابهم أن يصيبهم نفس العذاب لعل النقطة واضحة إن شاء الله.
المقدم:- واضحة ولعلنا بهذا البيان وهذا الإيضاح نصل وإياكم شيخنا الفاضل إلى نهاية هذه الحلقة.