المقدم:- دكتور خالد نتحدث في هذه الحلقة ونقف مواقف عودتمونا عليها أخذ العبرة والعظة من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي هذه الحلقة تحديدًا نقف مع نبي الله هود عليه السلام، فجميل أن نبدأ بالتعريف بنبي الله هود من حيث اسمه وزمانه ومكانه.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
المؤمن عندما يطيف في هذا الكتاب الكريم، فينظر إلى تلك البذور النيرة والسير العطرة لأولياء الله الصالحين وسادات الخلق أجمعين الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم رب العالمين، فجعلهم أئمة يهدون الخلق ويدلون على الرب جل في علاه –سبحانه وبحمده- يجب من سيرهم ما تنشرح به الصدور وتنشط به النفوس ويعرف به الترجمة العملية لما كان عليه أولئك من تحقيق العبودية لله –عز وجل- ليس فقط في الأقوال والدعوة والتنظير، إنما في ترجمتها عمليًا وواقعًا ملموسًا في تفاصيل حياتهم وشئون أيامهم ولياليهم.
هود عليه السلام ذكره الله –جل وعلا- في مواضع عديدة من كتابه، وذكر قومه بل أمر رسوله –صلى الله عليه وسلم- أن يذكر قومه على وجه الخصوص لعظيم ما تميز به أولئك القوم من هبات وعطايا وتمكين في الأرض وقوة لكنها لم تسخر في طاعة الله تعالى ولم تستجب للغاية من الخلق، وهو تحقيق العبودية لله تعالى فكانت وبالًا على أهلها يقول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ﴾الأحقاف: 21 أخا عاد أي صاحبهم وأخوهم نسبًا وهو هود عليه السلام.
فقد بعثه الله تعالى لقوم مكنوا في الأرض وأوتوا من القوة والقدرة ما عجَّب الله تعالى من شأنهم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾الفجر: 6- 7 وهو دلالة على ما كانوا عليه من قوة وبناء وصروح شامخة كما قال تعالى: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾الشعراء: 128- 129 فكانوا أصحاب حضارة وعمد قوية وبناء مشيد افتخروا به وظهروا به واغتروا به في الحقيقة.
الأحقاف: جمع حقف وهي الرمال.
وقد اختلف العلماء في تحديد هذا الموضع أين هو؟ فمنهم من قال: أنهم في اليمن، ومنهم من قال: إنهم في الجزيرة العربية على وجه الإجمال وقيل غير ذلك من الأقوال، والأقرب أنهم في الجزيرة العربية.
فإن هودا نبي أرسل إلى العرب البائدة وسموا بالعرب البائدة لأن الله تعالى أهلك عادًا الأولى، وهم العرب البائدة هم وثمود قوم صالح فهؤلاء جاءهم هود عليه السلام عرفنا أنه نبي لهؤلاء وأنهم كانوا في الجزيرة العربية، أما الزمان فهم بعد نوح عليه السلام بالتأكيد لأنه لم يبعث رسول قبل نوح فهو أول الرسل وجاء قومه منذرًا لهم عن الشرك والكفر وقد قص الله تعالى خبر هود مع قومه في آيات عديدة وذكر من استكبارهم وصلفهم وعدم قبولهم للحق ما ميزهم في الأقوام وفي أخبارهم.
يقول الله تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾فصلت: 15
المقدم:- هذا قمة التكبر.
الشيخ:- والعلو والاغترار بالقدرة على شئون الحياة وتصريفها ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾فصلت: 15 أي أحد أشد منا قوة فجاءهم التذكير الذي يردهم إلى حجمهم الطبيعي ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾فصلت: 15 وهذا في غاية البرهان والحجة، يعني أنت الذي استكبرت فرأيت أن انجازاتك هذه تبلغ بك من القوة ما تتجاوز بك الحدود، وترى أنه ليس أحد أقوى منك لا يوجد أحد أقدر منك قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾فصلت: 15 وبالتالي فكل قدراتكم وكل انجازاتكم هي من خلق الله تعالى ومن تقديره –جل وعلا- لأنك أنت مخلوق فما يكون منك هو خلق لله تعالى.
المقدم:- إذًا الخلل شيخ خالد الذي كان عند قوم هود هو الشرك؟
الشيخ:- نعم هم كانوا يعبدون غير الله تعالى، كانوا يشركون أنواعًا من الشرك، ولذلك ما ذكره الله تعالى في خبر قوم عاد يتبين أنهم لم يكونوا من أهل التوحيد، بل كانوا من أهل الكفر، فلم تكن معصيتهم في جانب من جوانب العمل أو الاقتصاد أو الاجتماع أو ما إلى ذلك، بل كانت في أصل وجود الكون وهو ما يتعلق بالعبودية فلم يكونوا محققين لها، بل كانوا مشركين ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾الشعراء: 123- 126 .
وما ذكره الله –جل وعلا- من استكبارهم وكيدهم يبين أنهم ما كانوا على توحيد وعلى هداية وعلى معرفة بالله تعالى، ولذلك كان يدعوهم إلى أن يستغفروا الله تعالى وأن يرجعوا إليه وأن يؤمنوا به، لكنهم كانوا مستكبرين.
المقدم:- إذًا يبدو أن السمة التي كانت عند قوم هود هم العلو والاستكبار والتطاول كما ذكرتم والتحدي والإعجاز في ما قد بنوه وشيدوه من حضارة ومن بناء.
الشيخ:- نعم هذا واضح جدا ولذلك تجد أنهم مارسوا نوع من الاستخفاف بالنبي هود عليه السلام يعني يقص الله على سبيل المثال في سورة الأعراف شيئًا من خبرهم ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾الأعراف: 65- 66 فجمعوا له سوءتين؛ السفاهة يعني ضد الرشد كيف تأمرنا أن نعبد الله وحده ونحن على هذه القوة والقدرة وتأتي تغلطنا نحن بلغنا هذا المجد وهذا العلو بقوتنا وقدرتنا وقوة أذهاننا فكيف تأتي تقول لا تعبدون هذا واعبدوا إلهًا واحدًا! ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾الأعراف: 66 ثم إضافة للسفاهة قلة العقل وضعف البصيرة ﴿وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾الأعراف: 66 تكذيب على الله تعالى في كونه أرسلك وأنك رسول منه ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ﴾الأعراف: 67
المقدم:- إذًا هي الأساليب التي جاء بها نبي الله هود في محاجة قومه.
الشيخ:- نعم وصبره عليهم من أبرز ما يكون ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾الأعراف: 67 وظيفتي ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾الأعراف: 68- 69 كل هذا التذكير وهذا الحنو واللطف في دفع التهمة التي اتهمه بها حيث قالوا: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾الأعراف: 66 فقال: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾الأعراف: 67 وأيضًا نفي لتهمة التكذيب ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي ﴾الأعراف: 68 لكن المشكلة أن عقولكم قصرت ولن تبلغ من القدرة أن تستوعب أن الله يوحي إلى رسول ينذركم ويبلغكم ثم انتقل إن كيف تكذبون رسول وأنتم تقرون بنوح وأنه كان رسول من الله تعالى، فنوح رجل جاء إلى قومه ليدعوهم إلى ما أدعوكم إليه، فنوح كان يدعوكم وأنا أدعوكم إلى التوحيد.
المقدم:- كانوا يقرون يا شيخ؟
الشيخ:- يقرون ولذلك هو قال لهم: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾الأعراف: 69 ثم قالوا له: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا﴾الأعراف: 70 وانظر الصمم والعمى على قلوبهم ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾الأعراف: 70 استكبار وفي غاية الإبلاغ ويبين أنهم إنما كانوا على شرك، وأنه يحتج في صواب أعمالهم بماذا احتجوا؟
احتجوا على طريقة آبائهم ثم في غاية استكبارهم ما كان عندهم حجة، أصلا لا يمكن أن يقيم أحد حجة على صحة عبادته لغير الله تعالى، لذلك لما طلبوا حجة لصحة فعلهم ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾الأعراف: 70 تحدي ليس عندهم إلا هذه الحجة.
إذًا إذا كانت هذه الحجة ليست مقنعة لك، ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا﴾الأعراف: 70- 71 يعني وقوعكم في الشرك هو رجس وهو خذلان من الله تعالى يستوجب العقوبة، ولذلك قال لهم: ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾الأعراف: 71 .
إذًا تبين من هذا أن نوحا جاء لمعالجة قضية تتعلق بالتوحيد، أيضًا تتعلق بالاستكبار الذي كانوا عليه وتذكير بأن ما مكنوا به من القوة والقدرة، ليس مسوغًا للخروج عن طريق الهداية والوقوع في هذه اللوثات والاحتجاج بصحة ما هم عليه، فإن القوة والقدرة وتمكن المادي من أسباب لا يدل بأي نوع من الدلالة على صحة الاعتقاد.
هذا ما يمكن أن يكون بارزًا مفيدًا، فنشاهده على سبيل المثال من هذه المدنية التي ضربت بأطنابها في الأرض، وأنجزت إنجازات كبرى على جميع المستويات لا تدل على صحة اعتقاد أصحابها لأن هذا يتعلق بأسباب أخذت فأنتجت، فمن أخذ هذه الأسباب سواء كان مؤمنًا أو كان كافرًا، موحدًا أو مشركًا فإنها تنتج النتيجة المطلوبة، لأن الله قد قارن الأشياء بأسبابها لكن هذا لا يدل على صحة الاعتقاد، ولهذا الذي يستدل بهذا النوع من التقدم المادي عند الحضارة المعاصرة على صحة أفكارها ومبادئها هذا يخطأ في الاستدلال كما أن قوم هود أخطئوا في الاستدلال بصحة ما هم عليه أنهم مكنوا وعندهم قوة ومن أشد منا قوة، واستدلوا بالآباء وما كانوا عليه، كان ذلك خطأ موجبًا للعقوبة والمحق فكذلك كل من يستدل بالتقدم المادي على صحة المتقدم هذا خطأ.
نحن نقول التقدم المادي دليل على أن أصحابه أخذوا بالأسباب المادية وسلكوا الطرق المؤدية للنتائج ففازوا، والله –جل وعلا- لا يظلم الناس شيئًا، فمن زرع حصد، ومن بذل وصل، لكن ينبغي أن نفرق بين هذا وذاك.
المقدم:- شيخ خالد أنا استأذنك بالانتقال إلى الأخ مسلم السحيمي مضيفًا بفائدة تفضل مسلم.
المتصل:- شكرًا لك أحمد وقفتنا في قصة هود عليه السلام مع قول الله –عز وجل-: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾هود: 56 بعد أن دعا قومه وهددوه وسخروا منه فأعلن التجاءه إلى الله –عز وجل- وحري بنا نحن مقصرين أو خلفاء الرسل أن نحذو حذو الأنبياء في التعلق بالله –عز وجل- والالتجاء إليه والتوكل عليه والاعتصام به وطلب الاهتداء أتمنه من شيخنا أن نطل إطلالة على مقام التوكل وحاجة المسلمين له.
الشيخ:- هو من المواقف البارزة في سيرة هود عليه السلام أنه لم يأتي قومه فيما ذكره الله وقص بأية بارزة كعصا موسى وسفينة نوح وما أشبه ذلك من الآيات التي ذكرها الله من الأنبياء، حتى قيل أنه لم يأتيهم بأية لكن هذا ليس بصحيح فما من نبي إلا أتى قومه بآيات تدل على صدقه، وقد قال قومه: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾هود: 53- 54 هكذا قالوا له في تكذيب ما جاء به، لكنه أتاهم مباشرة بأية فاصلة تدل على صدقه وهو ثبات جنانه ورسوخ قدمه في مقابلة آلهتهم وما يأتي دون به ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾هود: 54 ، ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾الأنعام: 79 فطلب منهم إنزال العقوبات وأخبر بأنه برئ من عبادتهم لغير الله –جل وعلا- برئ من تخويفهم ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾هود: 56 توكلت على الله اعتمدت عليه والتجاءت إليه في رد كل ما تسعون أن توقعه بي من أنواع الضلال وأنواع الهلاك الذي تعيدوني به فنجاه الله تعالى.
المقدم:- وماذا كانت النتيجة فيما حل بقومه؟
الشيخ:- حل بقومه ما ذكره الله تعالى من العقوبات ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى﴾الحاقة: 6- 7 أصحاب تلك الحضارة الذين قالوا: من أشد منا قوة كان مآلهم أن كانوا ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾الحاقة: 7 ليس فيها ما ينفع ولا ما يفيد ولا ما يطلب وهذا هو مصير تلك القرى التي تكذب بالله –عز وجل- وتعاند رسله لابد أن تحل بها أنواع العقوبات.
الله –جل وعلا- في قوم هود وهم عاد أهلكهم مع عظيم قوتهم وشدة ما مكنوا منه نزل بهم عذاب من حيث لا يشعرون يعني الريح تلك اللطيفة المخلوق الذي له من القوة والقدرة ما يخوف في ذاته، إنما هو ريح نسمة خفية جعل الله تعالى إهلاكهم بأهون ما كانوا يستهينون به
المقدم:- وانظر إلى المنازل والبيوت التي كانوا يسكنونها مقابل هذا الريح.
الشيخ:- مع أنهم يتخذون مصانع ويبنون بكل ريع آية أي دليل على قوتهم وتمكنهم مع هذا أهلكوا بريح صرصر أي لها صوت شديدة الهبوب عاتية وقد قال الله –جل وعلا- ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾الذاريات: 41- 42 فأهلك الله تعالى هؤلاء بهذه الريح التي فيها من العبرة والعظة ما يحيي القلوب وينير البصائر ويلهم النفوس أنه مهما كانت القوى البشرية على قدرة فإنه إذا جاء أمر الله ذهبت كل القوى وتبددت تلك القدرات لأنها لا تقف أمام قدر الله النافذ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المقدم:- ونحن على مشارف نهاية حياتنا أن تبرزوا جوانب القدوة العملية في قصة نبي الله هود عليه السلام لنستفيد ونتعظ ونعتبر من هذه القصة التي قصها الله –سبحانه وتعالى-.
الشيخ:- هود عليه السلام يظهر منه عليه أفضل الصلاة والسلام كثير من النواحي التي تتعلق بالصبر والأنات وعدم الاستجابة للمستفزات فكان عليه الصلاة والسلام في غاية رباطة الجأش يقابل الحجة بالحجة يقابل القول بالقول ولم يكن في غضب وانفعال مع قومه، بل حتى لما وصفوه بما ذكره الله تعالى من الكذب والسفاهة كان في غاية الهدوء ﴿لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾الأعراف: 67 قوة في الدعوة إلى الحق ثبات جنان وثبات قدم في مقابلة تلك الكلمات القاسية أيضًا جانب مضيء بارز في سيرة هود عليه السلام مع قومه وهي توكله على الله تعالى، التوكل أعظم ما يعمر العبد به قلبه وهو ثمرة التوحيد فمن علم بالله تعالى كمال العلم علم بإلهيته بربوبيته بأسمائه وصفاته إن قدح في قلبه تمام الثقة بربه فلا يلتجأ إلى غيره، ولا يسأل سواه ولا يرقب الخير إلا منه ويعلم أن كل نفع إنما يأتي من قبل ربه، وكل ضر إذا لم يقدر الله تعالى فلن يوقعه أحد بالعبد «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»سنن الترمذي (2516)، وقال: حسن صحيح .
وبالتالي نستفيد من هذا تحقيق التوكل عمليًا بأن نستند إلى الله تعالى ونعتمد عليه ونصدق بالرغبة فيما عنده بذلك نفوز وننجو.