المقدم:- نبي الله نوح عليه السلام لبث في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا وقد واجه العناد من شدة ما لاقاه من قومه وفي الأخير لم يؤمن معه إلا نفر قليل يسير جدًا لو تحدثنا وإياكم دكتور خالد عن نبي الله نوح والطوفان الذي حل بقومه.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين أحمده جل في علاه سبقت رحمته غضبه، له الحمد كله أوله وآخره ظاهره وباطنه، لا أحصي ثناء عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..
فخبر أولئك القوم وما قص الله تعالى في محكم كتابه من أخبار سادت الرسل مع أقوامهم وأئمة الخلق مع من بعثوا إليهم فيه من العبرة والعظة والتذكرة ما ينبغي للمؤمن بل لكل قارئ أن يعتبر وأن يتعظ لاسيما أهل الإيمان الذين يؤثروا عليهم القرآن هداية وذكاء ويصدقون أخباره ويقفون عند عجائبه ويحركون به القلوب مثل هذه الأخبار التي قصها الله تعالى توجب العبرة والعظة.
ولهذا كرر الله –جل وعلا- ذكر أخبار الأقوام الذين بعثت فيهم الرسل وما كان منهم، وكيف كانت مصائرهم وانتهت مآلاتهم؟ عبرة وعظة لكل من يتعظ ويعتبر فيقف مع نفسه لئلا يكرر ما وقع فيه غيره من أنواع الرداء والشر، وقد قيل: السعيد من وعظ بغيره. فلذلك من المهم ومن الضروري أن ننظر إلى هذا القصص وما ذكره الله تعالى من هذه الناحية، الله تعالى ذكر في كتابه الحكيم مهلكات وقعت للأقوام السابقة ونوازل ومثُلات حلت بأقوام مضت، هذه المثُلات وتلك الأخبار ليست قصصًا وأساطير لا حقيقة لها بل هي وقائع ووقعت وقد أقام الله –جل وعلا- شواهد ذلك فيما يراه الناس، فقضية الطوفان على سبيل المثال أجمعت الأمم على اختلاف أديانها وعلى اختلاف أفكارها على أن الماء قد غمر الأرض كلها يومًا من الدهر، وهذا هو طوفان نوح عليه السلام.
فلا خلاف حتى على مستوى اللادينيين الذين لا يؤمنون بالرسالات لا خلاف في أن الأرض مر عليها مرحلة وفترة طمي الماء على الأرض كلها فغطاها فلم يبقى شيء فيها يابس إنه الحدث كبير الذي حصل لأبي البشرية الثاني نوح عليه السلام، فهو أبو البشر فنحن جميعًا ذرية نوح عليه السلام، فنوح لما جاء إلى قومه دعاهم إلى الحق والهدى وذكر من أسباب الهداية ما تلين له القلوب وتستجيب له الأفئدة، لكنه جاء إلى قوم غلفت قلوبهم بالعناد وطمست بصائرهم، فكانوا في غاية السوء مع نوح عليه السلام رغم أنه سلك في دعوتهم كل سبيل وطرق كل طريق على مدى عمر ممتد، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا.
طلبوا منه أن ينزل بهم العقوبات، وكان يستأن بهم ويصبر عليهم، ويقول لهم ﴿لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ هود: 29 كان يستهزئون بمن يتبع ويقولون: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ هود: 27 يقولون: اطردهم ونحن نتبعك فكان يقول لهم: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ هود: 29 .
المقدم:- وهذا دكتور خالد الملاحظ من جميع الأقوام الذين بعث إليهم الأنبياء، تجد أن النبي يأتيهم بالتودد باللين بالرحمة بدءًا وتجد العناد والاستكبار وعدم الاستجابة لكلام النبي، فسبحان الله تكون قد قامت الحجة وأقامها ذلكم النبي على ذلكم القوم.
الشيخ:- بالتأكيد ومحاجة الأنبياء تلمس فيها نفس العبودية لله –عز وجل- والرحمة بالخلق، انظر لما قالوا له في سياق مناقشتهم له يعني اطرد هؤلاء قال: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ هود: 29 ثم يقول لهم في غاية التذلل يعني لو كان الأمر إليه، لنظرت لكن الأمر ليس إلي فيقول لهم: ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ﴾ هود: 30 من ينجيني من عذاب الله أنا لست داعية ومنجيًا لفئة أنا رسول للجميع، فالجميع ينبغي أن يقبل ما جئت به ولن أطرد من ترونه ضعيفًا لأجل أن يقبل ذلك الكبير والشريف فهذا دين رب العالمين يستوي فيه الصغير والكبير، والشريف والوضيع، لا فرق بين الناس في ذلك.
وقد طلبوا منه معجزات وطلبوا منه أشياء لا لأجل أن يصدقوه، بل لأجل أن يعجزوه فكان يقول لهم: ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ هود: 31 يعني أنا لا أقول إني جئت من شيء خارق لعوائد الناس وأحوالهم من كل وجه، أنا عبد مرسل أدعوكم إلى عبادة الله وحده.
ولذلك يقول لهم: ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ هود: 31 لما وصلوا إلى مرحلة أو حد أغلق عليهم وأقيمت عليهم الحجة من كل وجه قالوا: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ هود: 32 يعني إحنا تعبنا معك من كثر هذه المحاورة والأخذ والعطاء والمناقشات يعني إلى متى سنستمر؟ كأنهم يقولون إلى متى أن تهددنا ولم تنزل بنا العقوبة؟ ﴿قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ هود: 32 وهذا في غاية الاستهتار.
الرسول لا يملك مفاتيح خزائن السموات والأرض، هو عبد مرسل يمتثل أمر الله تعالى فيصبر ويكابد ولذلك لما قالوا له هذه المحاجة التي في ظاهرها أنهم غلبوه وانتصروا عليه وأفحموه قال: ﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ هود: 33 لست أنا الذي آتيكم بالعقوبات، ولا أنا الذي أنزل بكم المثُلات إنما يأتيكم به الله هو الذي يأتي به، وهذا فيه خروج عن كل نوع من الارتفاع والعلو على الخلق، وهو عبدٌ رسولٌ ﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ هود: 33 ابتداء وتحديدًا للتوقيت يأتي به الله متى شاء.
فلذلك قال: ﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ هود: 33- 34 بعد كل هذا الاستكبار والإباء وطول الرسالة ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ هود: 36 .
طبعا هذا شاق على الرسول الذي أمضى هذه المدة الكبيرة الطويلة في دعوة الخلق وهدايته ثم يؤمن به نفر قليل نفر تحملهم سفينة تصور كم عددهم؟ كم يكونون في ذلك الوقت الذي ليس فيه ما نحن فيه من ثورة صناعية سفن كأنها مدن؟ لا سفن يعني ذات ألواح ودثر: مسمار وألواح بسيطة كم سيكون في هذه السفينة؟ إنهم ليسوا شيئًا كثير لن يكونوا كثير، لاسيما وأنه حمل معه في هذه السفينة طائفة من الحيوان كما جاء في جملة من الأخبار.
إذًا هناك قلة قليلة آمنت بنوح عليه السلام رغم طول المدة التي بذلها في دعوته، وأمضى فيها رسالته لذلك من لطف الله بعبده ورسوله نوح عليه السلام، عزاه وسلاه قال له: ﴿فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ هود: 36 أي لا يصيبك البأس والحزن والضيق لأجل عدم امتثاله وعدم قبوله ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ يونس: 108 .
ما المرحلة القادمة؟ بعد هذا الإخبار الإلهي ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ هود: 36 ؟ اصنع الفلك جاءت بشائر وأوائل النذر والعقوبات استعجلوا العقوبة فجاءت بشائرها اصنع الفلك ولقد كان في صنع الفلك من الابتلاء لإبراهيم وقومه ما أخبر به جل في علاه ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه يضحكون عليه لم يكونوا يعرفون السفن كما قال بعض أهل التفسير.
ما كانت صناعة السفن معروفة، ثم إنه كان في منطقة ليس حوله بحر، فكانت صناعة السفينة أمر خارق للعادة ولذلك وصفوه بأنه مجنون وأنه لا عقل له ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ هود: 37 .
إذًا هو صناعة برعاية رب العالمين وأمر الله –جل وعلا- ﴿وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ هود: 37 لا تخاطبني يبين أن نوح عليه السلام كان يستأن بقومه، ويطلب من الله تعالى أن يمهلهم وأن يهديهم ولذلك قال: لا تخاطبني فهذا نهي من الله –جل وعلا- لهذا النبي الكريم أن يشفع فيهم وقد استوجبوا نزول العقوبات.
المقدم:- يعني بعد هذه السنوات الطويلة يقول: ﴿وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ هود: 37
الشيخ:- وهذا يبين أن الرسل ملئت قلوبهم شفقة على أقوامهم ورحمة بهم، رغم أن نوح دعا على قومه لكنه كان يخاطب ربه –جل وعلا- فيهم ويستأن بهم ويصنع الفلك كما ذكر جل في علاه وكلما قال: ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ هود: 38 لكن شتان بين الوقتين طبعا متى كان يسخر منهم؟
يسخر منهم الآن وقت الصناعة وهذا لشدة تصديقه وعظيم إيمانه لخبر ربه، أنه يرى الذي يضحك عليه ويستهزأ به في صنع السفينة هو المستحق لماذا؟
مستحق للسخرية لماذا؟ لأنه لم يحقق امتثال ما أمر الله تعالى، فالله تعالى قال: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ هود: 37 فهو وحي برعاية الله تعالى واطلاعه –جل وعلا-.
المقدم:- لكن المقصود بالسخرية شيخ خالد؟
الشيخ:- السخرية الاستهزاء والاستخفاف ووصفه بالجنون وما أشبه ذلك كان يقول: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ هود: 38 بين السخرتين؛ سخرية قوم نوح به آنية في لحظة، لكن سخرية ومن أمن به في الحال والمآل وهذا شتان بين الحالين كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ المطففين: 29- 30 لكن من يضحك أخيرًا هو الفائز.
ولذلك فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون في الخواتيم، ولهذا قال لهم نوح: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ هود: 39- 40 انتهى الأمر وحل ما وعد الله تعالى به من العقوبات فار التنور أي فارت الأرض كما قال الله –جل وعلا-: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا﴾ القمر: 11- 12 تصور ماء نازل غزير من السماء والأرض تنبع بمياه تفيض كثيرة، ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ القمر: 12 هكذا قدره رب العالمين يقول –جل وعلا-: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ هود: 40 أي من الخلق سائر الخلق اثنين ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ هود: 40 ، ﴿وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ هود: 37 .
هذا في الآية الأخرى وفي الآية الأخرى قال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ هود: 40- 41 بسم الله نبتدئ سير هذه السفينة، باسمه تبرك، وباسمه اصطحاب، وباسمه سيرا فلا نجاة ﴿لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ هود: 43
المقدم:- من القائل يا شيخ ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ هود: 41
الشيخ:- قيل: أنه الله –جل وعلا- وقيل أنه نوح لما قال لقومه قال اركبوا فيها باسم الله مجراها أي باسمه –جل وعلا- تجري وباسمه ترسو وهذا فيه الإشارة إلى أن اسم الله تعالى عندما يقال في بداية الأعمال لا يقال فقط كعادة ينبغي أن يستحضر أنه استعانة وأنه طلب توفيق وتسديد وأنه طلب بركة هذه الأسماء المباركة ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ الرحمن: 78 –سبحانه وبحمده-.
فهذه الأسماء لها بركة تؤثر على الإنسان في سيره وفي كل عمله، نوح عليه السلام قال لقومه: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا﴾ هود: 41 نوح عليه السلام لما ركب ورأى هذه الأمواج تتلاطم جاءت قصة ابنه وموقفه مع ابنه وعتاب الله تعالى له، لكن صارت السفينة حتى انتهى المسير وهلك من في الأرض من الكفار ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ نوح: 26 فهلك كل من كفر ولم يبقى إلا نوح والفئة القليلة المؤمنة معه ﴿وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ هود: 40 ثم بعد ذلك قال اهبطوا فيها الله –عز وجل- أمر نوح عليه السلام أن ينزل ومن معه ﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيم﴾ هود: 48 .
المقدم:- ولي وقفة دكتور خالد مع هذه الآية تحديدًا لكن بعد مداخلة من الأخ مسلم السحيمي تفضل مسلم.
المتصل:- شكرًا وقفتي ستكون مع قول الله –عز وجل- بعد أن أهلك قوم نوح ﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ هود: 44 خسارًا وهلاكًا لهم وفي هذه الآية أن الظلم موجب للهلاك وأعظم أنواع الظلم هو الشرك بالله –عز وجل- ألا ترى لقول الرجل الصالح لقمان وهو يوصي ابنه ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ لقمان: 13 والظلم أنواع ودرجات وصوره متعددة في هذه الحياة وفي وقتنا المعاصر ظلم الإنسان لنفسه أن يحملها ما لا تطيق، ظلم الإنسان بتعديه على أموال الآخرين أو أعراضهم أو حقوقهم والصور غير متناهية في الظلم ولعل من الظلم الصحي والظلم الاجتماعي صور غير متناهية، ولعل الشيخ خالد يعطينا بعض الصور من الظلم المعاصر التي يمارسها الإنسان على نفسه.
الشيخ:- صلة ما ذكر الأخ مسلم فيما يتعلق بالظلم، الظلم في الجملة هو ينقسم لظلم الإنسان لنفسه وظلم الإنسان لغيره، ومن ظلمه لنفسه ما يتعلق ببخسه حق الله –جل وعلا- في التوحيد وهذا لاشك أن أصل الظلم ومبدأه وهو الذي أشار إليه قوله –جل وعلا-: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ لقمان: 13 ، وقوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ البقرة: 254 .
فكل من كفروا كل من أشرك فقد ظلم وإن كان يعدل في مسائل المعاش وحقوق الناس، لكن هو ظلم ظلما لا ينجبر معه حال ولا يصلح معه مآل وهو أنه ظلم في حق الرب الذي يجب أن يكون العدل في معاملته بأن يعطى حقه سبحانه الذي به نسعد ونستقر، هو ليس محتاجًا إلينا بل هو الغني عنا وعن عباداتنا –سبحانه وبحمده-.
أما صور الظلم الأخرى فكلها تندرج تحت هذا، لكن أخطر الظلم هو هذا النوع من الظلم الذي يفقد الأمن والاهتداء كما قال –جل وعلا-: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ الأنعام: 82 فمناط الهداية والأمن في الدنيا وفي الآخرة أن يحقق الإنسان العدل في صلته بربه والعدل في صلته بالخلق، لكن لو حقق الصلة في صلته بالناس، فإنه هذا يضمن له نوع من الاستقرار في حياته، ولذلك قال شيخ الإسلام: إن الله لا يقيم الدولة الكافرة وهي العادلة ويهلك الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة.
فالعدل قامت به السموات والأرض، لكن عدل تصلح به الدنيا، وعدل تصلح به الدنيا والآخرة، وهذا ما ننشده وهذا ما دعت إليه الرسل وهو العدل الذي تصلح به الدارين الله تعالى لما قال لنوح: ﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا﴾ هود: 48 سلام ما هو السلام؟
السلام هو النجاة من كل آفة، فبشره الله تعالى بأن هبوطه على الأرض ملازم لكل سلامة من كل آفة يخشاها سلامته من خصومه وأعدائه الذين طالما استهزءوا به وأذوه صلوات الله وسلامه عليه سلامته من أهل بيته الذين كانوا يضرونه ويدخلون عليه الضيق من زوجة وابن، سلامته من آفات الأرض ومهلكاتها فقد سلمها الله تعالى من كل سبب لم يبقى إلا أهل إيمان وتقوى هم الذين يفتح الله تعالى لهم من أبواب السموات وبركات الأرض ما جعله الله تعالى نصيبًا للمتقين ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ الأعراف: 96 هذا والسلام الذي وعد الله تعالى به نوح عليه السلام في قوله: ﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ﴾ هود: 48 بركات سببها ماذا؟
سببها الطاعة والإحسان والإيمان والاستقامة والعدل وتحقيق العبودية لله –جل وعلا- ﴿عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ هود: 48 الأمم من آمنوا معه ومن ركب في السفينة حتى من الأزواج التي أركبها أمر بأركبها في السفينة كانوا بسلام لم يصبهم ضرر، لكن هذا السلام هل هو ممتد؟
أخبرت الآية الحكيمة أن هذا ليس ممتدًا ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيم﴾ هود: 48 بسبب المخالفة والوقوع في الشرك والخروج عن هدي الرسالات، ولذلك تتابع الرسل.
المقصود أن كل هذا السلام الذي وعده الله تعالى لنوح هو ليس للأشخاص إنما هو لمن حقق ما من أجله سلم الله نوحا عليه السلام.
السفينة أين هي؟ الله أعلم بها هل هي موجودة؟ لأن بعض الناس يقول: إن السفينة موجودة في المكان الفلاني، وأن الجود هو الجبل الفلاني ويحدد أماكن، كل هذه الأمور أولًا القرآن لم يحتفي بها ولا السنة اعتنت بها لأنه ليس العبرة بالأماكن ولا بالتحديدات الزمنية الدقيقة والمكانية الدقيقة، إنما العبرة بمجمل ما ذكره الله تعالى من خبر وقصة فهذا هو موضع العبرة.
وأما لو وجدنا سفينة نوح كان ماذا؟ ما الذي سيكون فيما يتعلق بصلتنا بالله تعالى، لاشك أن مثل هذه الأشياء إذا رآها الإنسان قد يعتبر ويتعظ، لكن ليس هناك دلائل ولا براهين على أن هذه هي سفينة نوح أو أن هذا الجبل هو الذي رسا عليه نوح، نحن نحتاج إلى أن نرتسم منهج نوح عليه السلام لننجو لا أن نعرف أين نزل وأين رست السفينة، فنحن نرسو على سفينة النجاة أو على مواقع النجاة إذا سلكنا مسالك الرسل والنبيين في تحقيق العبودية لله والعدل في صلتنا به وفي صلتنا بالخلق.