المقدم:- عودة إليك دكتور خالد نحن بإذن الله تعالى في هذه الحلقة نتحدث عن نبي ورسول من أنبياء الله ورسله وهو (نوح عليه السلام) فلو تعرفنا بداية على اسمه وأيضًا مكان بعثته.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
الملاحظ في أسماء الأنبياء أن الله تعالى عندما ذكرهم لم يحتف بذكر أنسابهم إلا في عيسى عليه السلام فإنه ذكر نسبه، لتميزه عن سائر الأنبياء أنه نسب إلى أمه لأنه جاء من أم بلا أب عليه الصلاة والسلام.
ولذلك نوح، إبراهيم، موسى، أما البقية فلم يذكر لهم نسب، وهذا يشير في جملة ما يشير إليه أن هؤلاء لم يكتسبوا تلك الفضائل لأنساب ولا لأصول إنما اكتسبوها لأعمال وخصائص ميزهم الله تعالى بها لا تتعلق بأنسابهم وسلاسلهم التي يتصلون بها بآبائهم وأجدادهم.
نوح عليه السلام هو أول رسول أرسله الله تعالى لأهل الأرض، هو من أولي العزم من الرسل، يقول الله –جل وعلا-: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾النساء: 163 وقد أخذ جماعة من أهل العلم أن نوحًا من أوائل من أوحى الله إليهم، طبعا أوحى الله تعالى لآدم عليه السلام، لكن نوحًا هو أول من أوحي إليه من بعد آدم عليه السلام إذ إن آدم عليه السلام كان على التوحيد واستمرت ذريته على هذا النسق، إلى أن حصل الانحراف في مسير البشرية وعبادتها فصرفت العبادة لغير الله عندما وقع هذا الخلل احتاج الناس إلى أن تقوم مسيرتهم وأن تعاد بهم الأمور إلى الجادة، فكان أول من بعث وأرسل نوح عليه السلام فهو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض.
لهذا يوم القيامة كما جاء في الصحيح من أحاديث عديدة، يأتي الناس إلى نوح بعد أن يذهبوا إلى آدم فيحولهم إلى نوح يقولون له أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرضهو حديث الشفاعة في صحيح البخاري (3340)، ومسلم (194) ، فهذه من الميز التي امتاز بها نوح عليه السلام.
نوح جاء إلى قوم وقد انحرفت مسيرتهم فهذه طبيعة قومه أن انحرفوا من سيرتهم ليس لخلل عملي يتعلق بمعصية أو خطيئة دون الشرك إنما كانت خطيئتهم في أصل ما خلق الله تعالى العبادة له وهو إفراده بالعبادة التوحيد ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾الذاريات: 56 هؤلاء لم يكونوا يعبدون الله –جل وعلا- وحده لا شريك له إنما كانوا يصيبون العبادة لأصناف من الناس من المخلوقات، وهم قوم صالحون صرفوا العبادة لهم.
إذًا نوح عليه السلام هو نبي من أولوا العزم من الرسل، بعثه الله وكان أول رسول إلى أهل الأرض أيضًا هو أولوا العزم من الرسل كما دل عليه قول الله –جل وعلا-: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾النساء: 163 وكما قال أيضًا: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾الشورى: 13 وهذه أوضح في الدلالة على خاصيته بأنه من أولوا العزم من الرسل أيضًا كونه من الذين يؤتى إليهم سادات الدنيا في ذلك المحشر وذلك الموقف، فهم يذهبون إلى آدم لكونه أبا البشر ثم يأتون إلى أولو العزم من الرسل الخمسة نوح، إبراهيم، عيسى، موسى، محمد –صلى الله عليه وعليهم جميعًا وسلم تسليمًا كثيرًا.
المقدم:- لكن ترد بعض الأخبار أن هناك أنبياء بين آدم ونوح.
الشيخ:- نعم هناك من يقول إن إدريس عليه السلام كان بين نوح وبين آدم وقيل: شيث وهو من أبناء آدم كان نبيًا ولكن الذي يظهر أن أول رسول أرسل إلى الناس هو نوح وهؤلاء لو صح أنهم جاءوا قبل نوح فهم أنبياء وليسوا رسلا، على أن إدريس فيما يظهر من سياقات القرآن أنه من أنبياء بني إسرائيل، لأن الله يذكره غالبًا في سياق ذكر أنبياء بني إسرائيل، وسيأتي إن شاء الله تعالى الحديث عن إدريس في حلقة مستقلة.
فالذي يظهر أن أول الرسل بعد آدم عليه السلام هو نوح وأنه لم يكن هناك رسول ولا نبي بين نوح وبين آدم، ولذلك قال الله –جل وعلا-: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾البقرة: 213 أي على دين واحد لا خلاف بينهم ولا افتراق، ثم وقع الاختلاف والافتراق بين الناس فاحتاج الناس إلى أن يبعث الرسل وأن يؤتى بهم فبعث الله تعالى الرسل مبشرين ومنذرين.
هذه الآيات تدل على أنه لم يكن هناك شيء يظهر بين آدم وبين نوح عليه السلام، لأن البعثة كانت تبعًا للحاجة وهي وقوع الاختلاف، الاختلاف كان في أصل العبودية وليس فقط اختلافًا في مفردات وتفاصيل العمل إنما كان في أصل العبودية، ما الانحراف الذي حصل وطرأ على البشرية حتى جاء نوح عليه السلام ليصححه ويعدل المسار؟
الانحراف كان أن قوم نوح جاءوا إلى رجال صالحين كانوا على هدى وبصيرة، حصل أن مات هؤلاء الصالحون فجاء الشيطان إلى أقوامهم وقال لهم: لو نصبتم عند قبورهم أنصابًا تذكرون عبادتهم فيكون هذا عونًا لكم على النشاط والطاعة والعبادة والتقرب إلى الله تعالى ففعلوا نصبوا أنصابًا وقيل: أنهم صوروا تصاوير ثم لما امتد الأمر وتعاقب الناس ونسخ العلم أو نسي العلم عبد قوم نوح هؤلاء المقبورين وهؤلاء الصالحين من دون الله تعالى.
ولهذا يقول ابن عباس في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر قال: هؤلاء أقوام أسماء رجال صالحين من قوم نوح هلكوا فأتوا الشيطان إلى أقوامهم فقال: انصبوا إلى قبورهم أنصابًا تذكرهم حتى إذا هلك أولئك يعني الذين ابتدءوا هذه العملية وهو أنهم حطوا الأنصاب بتذكر العبادة ونسي العلم عبدت من دون الله، فاتخذوهم آلهة.
ولذلك نوح لما دعا قومه قالوا له ماذا؟ ﴿لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾نوح: 23 فهذه آلهة عبدت من دون الله فجاء نوح لتصحيح المسار وكان أن عاني من قومه ما لم يعانيه نبي من حيث طول المدة ومن حيث تنوع الدعوة والرسالة والخطاب ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾نوح: 5- 8 تنوع في وقت في الزمان ليلًا ونهارًا في هنا أساليب الدعوة جهارًا ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾نوح: 9 هذا الذي قصه الله تعالى من خبر نوح ليس في يوم ولا في يومين، إنما في مدة متطاولة تصل إلى ألف إلا خمسين عامًا يدعوهم وهو صابر على ما هم عليه من صلف، ما هم عليه من تكذيب، ما هم عليه من جحود، ما هم عليه من أنواع من الانحرافات التي كانوا عليها، ومع هذا استمر في طريقه يدعوهم إلى الله تعالى يحذرهم الشرك يجادلهم، يبين لهم خطأ ما هم عليه ماذا كانت نتيجة تلك الدعوة التي دعا بها نوح عليه السلام؟ هل استجاب قومه لدعوته؟
الجواب لا لم يستجيبوا إلا نفرًا قليل من قومه استجابوا لدعوته عليه السلام، أما أكثر قومه فقد كذبوه وعاندوه وردوا ما كان يدعوهم إليه.
المقدم:- هذا طوال فترة بعثته دكتور خالد؟
الشيخ:- طوال فترة بعثته عليه السلام لم يستجب له إلا نفر قليل، وكانت الاستجابة من قوم لم يكونوا من المنزلة والمكانة بمكان جليل يأباه له ويفرح به، بل قال له قومه: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾هود: 27 هذا من حيث المنزلة بادئًا رأي يعني الذين ليس لهم فكر ولا عقل ولا نظر ولا لهم ثقل لا اجتماعي ولا مالي ولا فكري وبالتالي هم سفههم تسفيهًا جعل ذلك صادًا لكثير منهم أن يقبل على هذا الدين الذي ما قبل به إلا هؤلاء الضعفاء في عقولهم كما يزعمون، والذين ليس لهم مكانة ولا منزلة في أقوامهم.
المقدم:- وهذا هو شعار المتكبرين دائمًا يتهمون غيرهم بالجنون أو بعض الأوصاف الناقصة والدنيئة.
الشيخ:- نعم هكذا هم على مر العصور يصفون أتباع الرسل بهذه الأوصاف لينفروهم عن طاعة الله تعالى ويزودوا الناس في سلوك هذا السبيل، والشأن هو صحة الطريق لا من سلكها بالطريق، فهذا الطريق إذا سلكه شريف فذاك فضل الله عليه وإن تنكب عنه أشراف القوم وعليتهم فإن هذا لا ينقص طريق حقه في السمو والارتفاع وأن من سلك هذا الطريق سما وارتفع ومن تنكب عنه فإنه لن يصيب نجاحًا ولن يدرك فلاحًا.
قوم نوح قص الله تعالى علينا نماذج من محاورة نوح لهم من صبره عليهم الله تعالى يقول لنبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- في محكم كتابه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ﴾يونس: 71 هكذا نوح عليه السلام يجابه قومه في كونه يطلب منهم إذا كانوا قد ضاقوا به وبلغ بهم الضيق من دعوته أن يوقع به ضر يطلب منهم أن يوقعوا به الضر، إذا كانوا يستطيعون ذلك من دون الله تعالى، كذبوه وعاندوه واستصغروا أتباعه، وسفهوه عليه الصلاة والسلام.
ومع هذا كله كان صابرًا محتسبًا لما يلقاه، نوح عليه السلام مدرسة في الصبر، مدرسة في الدعوة إلى الله تعالى والمحاجة والمناظرة، فكان ذا لسان فصيح وصبر ثابت لا يتزحزح ويقين راسخ، ولذلك قال لقومه في مقام المحاجة ﴿فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ﴾يونس: 71 لا تنتظرون يعني إني لا أطلب منكم استمهال، ولا أطلب منكم فرصة، انزلوا بما تهددون الآن قبل غدًا.
المقدم:- أستأذنكم دكتور خالد في تساؤل من الأخ مسلم، تفضل مسلم.
المتصل:- بسم الله شيخنا يقول الله –عز وجل- عن نوح عليه السلام: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾الإسراء: 3 مقام العبودية والشكر لأتباع الرسل.
الشيخ:- نوح عليه السلام مع هذا الامتداد الطويل في دعوته لقومه وصبره على ما لاقاه منهم من أنواع الأذى وصنوف التسفيه وألوان التكذيب، كان في غاية الثبات على ما هو عليه من الحق، ولذلك بلغ هذه المنزلة أن كان من أولي العزم من الرسل، وقد وصفه الله تعالى بهذين الوصفين أنه كان عبدًا شكورًا، فذكر الله تعالى له هذين الوصفين عبدًا شكورًا، والشكر في القرآن عادة يطلق ويراد به العبودية كما قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾سبأ: 13 يعني اعملوا بالعبادة فقليل هم العابدون من خلق الله، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾الأنعام: 116 ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾الشعراء: 8 فالشكر هو الإيمان والعبودية لله تعالى الذي امتاز به نوح هنا الله ذكر العبادة والشكر، وهنا الشكر ليس العبادة بمعناها العام إنما هو معنى خاص، وهو الثناء على الله تعالى بالقلب والجوارح واللسان على ما أنعم به من الظهور حيث إن الله أظهره على خصومه ظهورًا شهدت به البشرية إلى يومنا هذا.
فإن نوحًا عليه السلام ظهر على قومه ظهورًا بديعًا بالطوفان الذي غطا الأرض، وسنتكلم عنه إن شاء الله تعالى في حلقة قادمة، لكن هذا الظهور استوجب شكرًا وهو الثناء على الله تعالى، لأن الشكر هو في ابتدائه يكون في القلب إقرارًا بالنعمة والفضل والإحسان ويكون باللسان ثناء على المتفضل المنعم ويكون بالجوارح امتثالًا وطاعة لمن أنعم وتفضل أفادتكم النعماء مني ثلاث؛ يدي، ولساني، والضمير المحجم فنوح عليه السلام وصفه الله بهذين المقامين وهما مقامان متلازمان، مقام العبودية ومقام الشكر فإن العبودية لا تكون إلا بتمام الشكر لله تعالى على إحسانه وإنعامه والله تعالى لا ينفك العباد منه في نعمة، بل نعمه تطري ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾النحل: 53 .
هذا مجمل ما يتحقق للعبد في هذه الآية التي وصف الله تعالى بها نوح، وقد جمعت الخير بأطرافه في وصف نوح حيث ذكرت العبودية التي هي عبودية القلب والجوارح وأيضًا استحضار المنة والنعمة التي أنعم الله بها على نوح وهو أنه أنجاه وأظهره على خصومه الذين على طوال هذه المدة تسعمائة وخمسون عامًا وهم يستهزئون به وينزلون به ألوان الاستهزاء والضحك.
هذا ما يتعلق بهذين المقامين والحديث ذو شجون.
المقدم:- دكتور خالد عفوًا وأنا أتأمل في قصة نوح عليه السلام والأخبار والقصة التي قصها الله فيما يتعلق به يعني سبحان الله المدخل الذي دخل به الشيطان على نبي الله نوح أو على قوم نوح مدخل العبادة يعني عندما جاء الشيطان فبدأ يصور لهم وبدأ يدعوهم شيئًا فشيئًا حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه إذا كان من كلمة أو إلماحه نختم بها.
الشيخ:- هو ما في شك أن الشيطان أخبر الله تعالى بعداوته للإنسان منذ أوائل خلقه لما أمر الله تعالى الملائكة أن تسجد أبى واستكبر وقال: اسجد لمن خلقت طينا وسعى في إضلال الإنسان أعظم إضلال يفوز به الشيطان هو أن يخرج الناس عن دائرة العبودية بأن يصف العبودية لغير الله، هذا ما تحقق للشيطان إلا بعد عشرة قرون من نزول الناس إلى الأرض كل تسلط الشيطان الذي كان طوال هذه المدة وهو في المعاصي والسيئات، وذلك أن التوحيد مستقر في قلوب الناس تشربت به أفئدتهم فلما طال الزمان دخل الشيطان على البشرية من هذه الناحية وهو الغلو في الصالحين.
فجاء إلى هؤلاء القوم وقال لهم أنتم تريدون الخير وتريدون تنشط العبادة، هؤلاء عباد وفضلاء وأصحاب مقامات عالية في العبادة تأملوا أحوالهم تذكروهم حتى تتقربوا إلى الله –جل وعلا- دخل عليهم مدخل عبادي حيث قال ما قال اعبدوهم ابتداء إنما قال: تذكروا بهم حق الله تقربوا بذلك إلى الله تعالى أن تجتهدوا في العبادة وكان هذا المدخل في أول الأمر، ثم لما طال العاد ونسي العلم هنا يؤكد على أن العلم من أعظم ما يحارب به الشرك ويحاصر به الخروج عن التوحيد نشر العلم بين الناس بأنه قال ابن عباس حتى إذا مات أولئك ونسي العلم أي غاب عبدوا من دون الله فنقول: الشيطان دخل على الإنسان من طريق العبادة فيستذله بما يزينه له من أساليب العبادة عن الطاعة والإحسان إلى أنواع من الانحراف والشر، هذا يجب على المؤمن أن يكون ذا بصر نافذ، وعقل راجح في مثل هذه المقامات التي تذل بها الأقدام وتضل بها الأفهام لا سبيل للخروج إلا بالاعتصام بالملك الديان وأن يحقق الإنسان العبودية لله تعالى من خلال ما أمر الله به ورسوله، وأن يحذر أن يشتط بما له ما عنده مشكلة أن يخرجك يمنة أو يسرة سواء أوقعك في غلو أو أوقعك في إفراط المهم أن تخرج عن الصراط المستقيم.
فلهذا يجب أن نحافظ على الصراط المستقيم، وأن نعلم أن العبادة لها قاعدة لا تزيغ عنها مسألة ولا تنفرد شعيرة وهي ما ذكره الله تعالى في محكم كتابه أنهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله وجاء ذلك نصًا في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «من أحدَث في أمرِنا – أو دينِنا – هذا ما ليس فيه فهو رَدٌّ»صحيح البخاري (2697)، ومسلم (1718) .
لذلك يجب الحذر من البدع لاسيما فيما يتصل بقضايا التوحيد لأن خطرها كبير خطرها الوقوع في أعظم الظلمات والظلم وهو الشرك إن الشرك لظلم عظيم.