المقدم:- شيخ خالد بالأمس تحدثنا عن خلق الله لآدم وموقف الملائكة من هذا المخلوق العظيم لكن يبدو أنه حدث أمر جسيم وخطب عظيم عندما جاء الشيطان واستكبر وعاند وحدثت مواقف في تلك اللحظة من ذلكم المخلوق الذي خلقه الله –سبحانه وتعالى- وهو آدم، لو صورتم وشخصتم الموقف.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
الله –جل وعلا- خلق الإنسان خلق آدم عليه السلام وأكرمه بما أكرمه به ومن جملة ما أكرمه به أن علمه وهذا التعليم هو من أبرز ما خص الله تعالى به الإنسان، ولذلك ذكره الله تعالى في أول هذه الرسالة التي افتتح الله تعالى بها الأمر بالقراءة لنبيه الكريم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ العلق: 1 فبعد نعمة الخلق جاءت نعمة التعليم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ العلق: 1- 4 منة من الله تعالى بها على بني آدم بعد خلقهم وإيجادهم هو العلم، والعلم به هو أشرف العلوم.
ولذلك قال –جل وعلا- بعد أن ذكر أوجه الإكرام: إكرام ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ العلق: 1- 4 وهو وسيلة التعلم وهو صلة الكتابة، فإكرام الله تعالى لهذا المخلوق من أوجه عديدة وشتى أوغر صدر إبليس، وإبليس خلق من خلق الله هو من الجن الذين ترقوا في العبودية والطاعة إلى أن أصبح من جملة الملائكة في العبودية لله تعالى، وإن كان مختلفًا عنهم من حيث الخلق فقد قال الله تعالى: ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ الكهف: 50 فأخبر الله تعالى عن أصله وأنه من الجن.
من العلماء من يقول: إن الجن هم فئة وطائفة من الملائكة، والذي عليه عامة أهل التفسير وكثير من أهل العلم أن الجن خلق مختلف عن الملائكة وأنه منهم إبليس وهو أبوهم حيث إنه ترقى في العبودية إلى أن بلغ منزلة الملائكة لكنه خذل نفسه ولم يكمل هذا المشوار بما وقع في قلبه من حسد، فحسد الإنسان على ما من الله تعالى به من أنواع المنن.
وهذا الحسد ابتدأ من أول تكوين الإنسان حيث أنه كان يطيف إبليس بخلق آدم قبل أن ينفخ فيه الروح ويتأمل هذا المخلوق وكأنه يجد في نفسه ضيقًا من هذا الخلق الحديث الجليل الذي احتفى الله تعالى به إخبارًا في أول الأمر ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ البقرة: 30 فشعر بنوع من الضيق والغيرة والحسد من هذا المخلوق، فكان يأتي يطيف به ويتعرف عليه قبل أن ينفخ فيه الروح.
ولذلك جاء في الحديث قوله –صلى الله عليه وسلم-: «فَلَمَّا رَآهُ أجْوَفَ» يعني ليس له في داخله شيء، إنما هو خالي الجوف قال: «لا يَتَمالَكُ» صحيح مسلم (2611) وهذا رصد لأول المداخل التي يدخل بها الشيطان على الإنسان قبل أن يخلق الله تعالى آدم خلقًا كاملًا سويًا بنفخ الروح.
هذه العداوة ظهرت وانكشفت عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود، فإن الله أمر الملائكة بالسجود وامتنع إبليس ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 30 بعد أن علمه ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ البقرة: 34 فسجدوا الملائكة كلهم أجمعين إلا إبليس، إبليس أبى أن يسجد وامتنع عن أن يمتثل أمر الله تعالى حيث أمره صريحًا –جل وعلا- مع الملائكة ثم ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ البقرة: 34 .
وقد قال له الله تعالى: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ الأعراف: 12 لأنه داخل في زمرة الملائكة ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ الأعراف: 12 هذه الحجة التي احتج بها في امتناع وعدم الامتثال ما وجه الأفضلية؟ ما دليل الخيرية؟ ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ الأعراف: 12 يعني بالنظر إلى أصل الخلقة وفي نظره أن النار أشرف من الطين قال الله –جل وعلا- له لما كان منه ما كان من الامتناع من أن يخلق قال: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ الأعراف: 13 وهذا الطرد والإبعاد كان في غاية المشقة على الشيطان، لأنه قال له: فاهبط منها وهي الجنة أخرجه الله تعالى من الجنة لما امتنع من العبادة أو اهبط منها على قول بعض أهل العلم من السماء فما يكون لك أن تتكبر فيها أي تعلو لأن الجنة ليست دار المتكبرين، بل هي دار المتواضعين الذليلين لله.
لهذا جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبرِ» صحيح مسلم (91)
لأن الكبر ينافي العبودية والله –عز وجل- يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ القصص: 83 الشيطان كبرت نفسه وعظمت فكان سبب هذا الكبر أو كانت عاقبة هذا الكبر هذا العلو الذي أثمر نتج عنه الحسد ونتجت عنه الغيرة ونتج عنه الإفساد فيما بعد الله ذلك أن قال له رب العالمين: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ الأعراف: 13 ثم أكد هذا ﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ الأعراف: 13 فهذا دليل عظيم على أن كل من تكبر صغر، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من تواضع لله رفعه» انظر سبحان الله العظيم كيف يجزى الإنسان بنقيض ما قام في نفسه من قضية الكبر، فإذا تكبر ذل وإذا تواضع شرف وعلا.
هذا أوقع في نفس الشيطان حسدًا على بني آدم، فطلب من الله تعالى الإمهال: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ ص: 79 فأمهله الله تعالى اشقاء له فمر في غيره ولم يستعتب ولم يتب ولو تاب تاب الله عليه ولكن مضى في استكباره ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ ص: 79
المقدم:- إلى يوم يبعثون شيخ خالد هنا في الأرض أم في السماء؟
الشيخ:- إلى يوم يبعثون لا في الأرض لأن الله أخبر الملائكة ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ البقرة: 30 الله أخبر بأن مآل هذا الآدمي أن يخرج إلى الأرض في الدار الأولى هي الجنة خلقًا خلق الله آدم في الجنة اختلف العلماء هل هي جنة عدن أم هي جنة أخرى؟ الله أعلم بذلك لكن هي جنة أخبر الله بها أكثر أهل العلم على أنها جنة الخلد.
ولذلك قال الله تعالى لآدم .. لعلنا نكمل وجه العداوة الأولى التي كيف تتابعت العداوة من الشيطان وأخذ على نفسه العهد في إغواء الإنسان قال: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ ص: 79- 80 لما أمهله الله تعالى قال: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ الأعراف: 16 هذا التعهد والتطفل ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ الأعراف: 16- 17 أي بعد هذا الحصار من كل جهة، من الإمام ومن الخلف ومن اليمين ومن اليسار، النتيجة ما هي؟ ﴿وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ يعني لا تجد أكثرهم عابدين، فالشكر في القرآن يطلب بمعنى العبادة، كما قال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ سبأ: 13 أي العابد المحقق للعبودية فقال: ﴿وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ أن يحقق العبودية بسبب هذا المكر الكبار والكيد العظيم.
المقدم:- وكما قال في أية أخرى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ﴾ النساء: 119 .
الشيخ:- نعم وهذه أوجه من أوجه الإضلال قال له الله تعالى: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الأعراف: 18 وهذا الخبر من رب العالمين يبين أن من بني آدم من سيطيع الشيطان، ومن سيتبع غوايته.
آدم عليه السلام كان في غفلة عن هذا الأمر، فلم يطلعه الله تعالى ابتداء على ما جرى، لكنه أخبره بحقيقة العداوة ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأعراف: 19 فالله تعالى أمر آدم بسكن الأرض وأخبره –جل وعلا- أن هذه السكنى سكنى مستمرة مادام أنه لأمر الله ممتثل كما قال في سورة البقرة: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ البقرة: 34 وقلنا: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأعراف: 19 ما قرت عينه ولا سكنت نفسه من هذا الوحي بل وجد في نفسه ضيقًا شديدًا إضافة للضيق الأول.
الله –عز وجل- من رحمته أن نبه آدم حيث أخبره بالعداوة، ففي سورة طه يقول الله –جل وعلا- الله تعالى لما أخبر بسكنى الجنة أخبر بالعداوة أمر آدم بسكنى الجنة أخبره بالعداوة ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ طه: 117 .
إذًا أخبر الله بمآل المعصية، وأنه شقاء ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى﴾ طه: 118- 119 لكن هذا التحذير مع طول العهد غاب وذهب، فأصغى آدم عليه السلام يوسوس في الشيطان ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى﴾ طه: 120 يعني لا يزول وانظر سبحان الله ابن آدم خلقه الله يرغب في الدوام والاستمرار.
ولذلك دخل عليه الشيطان من هذا المدخل، ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى﴾ طه: 120 إن أكلتها استمررت في الحياة ولم تنقطع حياتك الشيطان ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى﴾ طه: 120 أي لا يزول ولا يفني مع عظيم ما أعطاه الله تعالى فدله على الشجرة التي حرمها الله عليه ابتلاء واختبارًا فأكل منها آدم وحواء عليهما السلام ﴿فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ طه: 121 أي أول ما حصل من نتاج هذه المعصية انكشاف العورات وهذا يدل على أن الجنة قد كساهما الله ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى﴾ طه: 118 فأهل الجنة ليس من أهل العري ولا من أهل التكشف ويبدأ السوءات ولذلك كانت عقوبتهما أول ما بدا من العقوبة، بدت لهما سوآتهما أي عوراتهما بدت العورات فوجدا ضيقا من هذا ولذلك ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ طه: 112 انظر سبحان الله الفطرة وهي ستر العورات خلاف ما عليه كثير من الناس ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ طه: 112 هذا إجمال لذلك الموقف وهو أنه وقعت المعصية من آدم وزوجه فكانت نتيجة تلك المعصية الغواية.
الله –جل وعلا- بعد أن وقعت المعصية من آدم حصل منه ألم عليه الصلاة والسلام، وندم على ما جرى منه من معصية فتاب ولذلك قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ طه: 122 أي اصطفاه واختاره ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ طه: 122 فحصل له الاجتباء بعد المعصية التي أثمرت توبة واهتداء، لكن هذا لم يمنع من نفوذ ما قواه الله وقدره من نزول بني آدم إلى الأرض.
وهنا تأتي مرحلة الإهباط إلى الأرض بعد أن مكث في الجنة وأتاه الشيطان بأنواع يعني لم تأتي المسألة هكذا من أول ما جاءه إنما وسوس والوسوسة تدل على التعاقب، بل إنه زيادة على الوسوسة قال تعالى: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ الأعراف: 21- 22 أي استدرجهما بتغرير ووعود كاذبة حتى أوقعهما في الشرك، بعد ذلك وقعت المعصية ندم ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ البقرة: 37 هذا في الجنة قبل الإخراج منها الكلمات هي ﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الأعراف: 23 عند ذلك جاء أمر الله بالإنزال بنزول آدم هبوط آدم من الجنة إلى الأرض فغادر آدم عليه السلام الجنة الدار الأولى إلى الأرض.
قال الله تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ الأعراف: 24 الإهباط الأول إهباط من؟ الشيطان؛ فاهبط منها إنك رجيم ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ الأعراف: 13 هنا جاء إهباط آدم لما حصلت منه المعصية.
إبليس خرج من الجنة بمعصية، وآدم خرج من الجنة بمعصية، فمن أراد دخول الجنة فليتجنب ما من أجله أخرج آدم عليه السلام وذلك بكثرة التوبة والاستغفار كل ابن آدم خطاء لكن مع التوبة والاستغفار والاجتهاد في لزوم أمر الله تعالى تحصل الاستقامة خرج آدم عليه السلام هبط إلى الأرض أرض لا يعرفها وليس له بها عهد مكان جديد ومكان مختلف يعني الجنة ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى﴾ طه: 118- 119 فقد وفر له كل شيء الأرض ليست على هذا النحو هبط إلى الأرض وظل فيها يبحث عن زوجه حتى اجتمعا والتقيا في قيل في مكة، وقيل في عرفه وقيل في غير ذلك، المقصود أن استمرت هذه العداوة، العداوة لم تنقطع ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ الأعراف: 16- 17 استمرت هذه العداوة كما قال تعالى في محكم كتابه قال: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ طه: 123 فاستمرت هذه العداوة، هذه العداوة عداوة غير منقضية عداوة مستمرة دائمة تحتاج منا إلى يقظة حتى يتوقى الإنسان شرورها ولذلك قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ فاطر: 6 أي استحضروا عداوته وما يكون من كيده واستدراجه حتى تسلموا هذا ما يتصل بهذا المسلسل الذي كان قبل الإغواء وبعد الإغواء إلى أن اهبطا إلى الأرض.
المقدم:- العداوة شيخ خالد يبدو أنها استمرت يعني بدأت بضمير داخلي من الشيطان ثم استمرت شيئا فشيئًا حتى تحولت إلى عمل وفعل عندما نزل إلى هذه الحياة الدنيا ما الذي جرى بين آدم عليه السلام وهل استمرت عداوته أيضًا أم امتدت؟
الشيخ:- بلى هذا ما ذكرناه قبل قليل، إن العداوة لم تنقطع بل استمرت، بل الله تعالى ذكر من صور إغواء الشيطان ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ الأعراف: 17 هذا يدل على أنه.
المقدم:- هو يبدو أنها استمرت إلى يومنا هذا.
الشيخ:- ولم تنقطع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لأنه قال: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ ص: 79 فهذا الإنظار ممتد ومستمر على الشيطان فيه إغواء بني آدم ليس له مهام إلا أن يزلهم ويخرجهم عن الصراط المستقيم إلى أنواع من الضلالات والانحرافات.
المقدم:- جميل شيخ خالد الأخ مسلم عواد دائما بأطروحاته الجميلة والرائعة ماذا لديك مسلم من أطروحة في هذه الحلقة؟
المتصل:- شيخ خالد مادام أن إبليس تعهد بالغواية لبني آدم وطلب الإنظار إلى يوم يبعثون معانة هذا أن لديه أساليب متجددة وباذلًا جهد في الغاوية كيف النجاة منه وحماية النفس؟
الشيخ:- لاشك أن الشيطان عدو مرصد هو أخطر عدو تكفل بإغواء الإنسان وتعهد عن إزالته عن الصراط المستقيم من رحمة الله تعالى أن بين لنا طريق السلامة، طريق السلامة من كيد الشيطان يتحقق بتكميل العبودية للرحمن، ولهذا قال الله –جل وعلا-: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ الحجر: 42 .
إذًا الطريق القويم الواسع الذي يسلم به الإنسان من كيد الشيطان هو تحقيق العبودية لله –جل وعلا- العبودية الظاهرة والعبودية الباطنة، عبودية القلب وعبودية الجوارح بأن لا يحب إلا الله وأن لا يعظم إلا الله وأن يمتلئ قلبه محبة وتعظيمًا لله –جل وعلا- أن يمتلئ قلبه توكلًا على الله –سبحانه وبحمده- إقبالًا عليه جل في علاه، أن يبادر إلى كل طاعة لا يعني هذا أنه سيسلم للكلية من كيد الشيطان، الشيطان يسلم وأيضًا الخطأ ليس فقط سببه الشيطان.
هناك النفس الإمارة بالسوء، هناك الصحبة السيئة، لكن فيما يتعلق بهذا العدو على وجه الخصوص طريقة السلامة منه هو أن يلجأ الإنسان إلى الله تعالى بتحقيق العبودية.
الأمر الثاني أن يستعيذ بالله منه وبهذا قال الله –جل وعلا-: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ فصلت: 36 أي احتمي به واعتصم والتجأ إليه –جل وعلا- في طلب الوقاية من شره، لذلك كلما لجأ الإنسان إلى الله تعالى بصدق في طلب الحماية من الشيطان فاز بحصن حصين ووقاية كبرى تقيه كيد الشيطان وإضلاله.
من طرق السلامة من كيد الشيطان أن يتخذ الأسباب الشرعية ذكر الله –جل وعلا- أعظم ما يستدفع به الإنسان الشيطان، ولهذا الشيطان إذا أذن المؤذن فر وله صوت قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: له ضراط دليل على جبنه وعلى ضعفه والله تعالى قال: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ النساء: 76 فعظم كيده وشره إلا أن طريق الوقاية منه هو بالإلتجاء إلى الله، الأخذ بالأسباب الشرعية من الذكر، إقامة الصلاة، تحقيق العبودية لله تعالى كل هذه أسباب قبل أن ينجح الشيطان في كيده.
هل هناك وسائل أخرى؟ نعم هناك مرحلة أخرى إذا تورط الإنسان بنوع من المعصية كما وقع من أبينا آدم فما السبيل؟
السبيل أن يتوب إلى الله تعالى «كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطًّائينَ: التَّوَّابونَ» مسند أحمد (13049)، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف ,الله تعالى قال: ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ الأعراف: 201 فالتوبة هي طريق الرجوع من الخطأ إذا كان الخطأ قد وقع، فكيف نحاصر كيد الشيطان بعد الوقوع في الخطأ؟ ألا نستمر فيه بل أن نصدق قوله –صلى الله عليه وسلم-: «كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطًّائينَ: التَّوَّابونَ» نسأل الله أن نكون منهم.