الحمد لله رب العالمين، أحمده جل في علاه وأثني عليه الخير كله، لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، الرحمن الرحيم.
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً فحقه أن نصلي عليه، فصلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فمرحباً وأهلاً وسهلاً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذا اللقاء المتجدد من برنامج "أحكام".
وهو أحد البرامج التي تقدمها وتنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لتبصير المسلمين من حجاج بيت الله تعالى، بما ينفعهم وما يعود عليهم بالخير في دينهم ودنياهم، فجزى الله القائمين على هذا البرنامج خير الجزاء، وأسأل الله تعالى أن يبارك في الجهود، وأن يسدد الجميع لما فيه خير الدنيا والآخرة.
حلقتنا في هذه الليلة هو موضوع مهم وقضية ذات بال لاسيما عند أولئك الذين شدوا رحالهم، قاصدين البيت الحرام يرجون فضلاً من الله تعالى ورضواناً.
* الحج وأنواعه:
إن الأنساك التي يقصدها الحجاج ويأتون بها إلى هذه البقعة المباركة متنوعة فمنها حج التمتع، ومنها حج القِران، ومنها حج الإفراد.
وهذه أسماء تطرق أسماع الحجاج كثيراً، لكن كثيراً منهم قد يخفى عليه ما الذي تعنيه هذه الأسماء.
* ما هو حج التمتع:
قال الله ـ تعالى ـ في محكم كتابه:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}جزء من الآية رقم (196) من سورة البقرة.
من هذه الآية المباركة نفهم منها أن التمتع جمع بين عملين، وبين نسكين:
العمل الأول: العمرة ، والعمل الثاني: الحج.
هذا العمل الذي سيقوم به الحاج، وهو الجمع بين عمرة وحج في سفر واحد هو في الحقيقة التمتع، لأنه تمتع بجمع نسكين وعملين في سفر واحد.
هكذا قال بعض أهل العلم في بيان معنى التمتع، وأن الحاج يتمتع بما أحل الله ـ تعالى ـ له من المباحات بين عمرته وحجه خلافاً للأنواع الأخرى التي لا يتحلل فيها الحاج من عمله إلا بعد فراغه من كل أنساكه، سواء كان حجاً وعمرة أو كان حجاً منفرداً.
إذاً المتعة حقيقتها هي الجمع بين نسكين في سفر واحد ، والترخص فيما يباح للإنسان على وجه العموم في غير الحج.
هذا ما يتصل بحقيقة المتعة.
وبهذا يتبين لنا أن المتعة حقيقتها جمع بين عملين، وبينهما تحلل، والتحلل هو أن يعود الإنسان حلالاً كما كان قبل إحرامه، فيباح له كل ما كان مباحاً له قبل أن يدخل في النسك.
والمتعة رخص الله ـ تعالى ـ فيها للمسلمين أن يجمعوا بين نسكين في سفر واحد، وأن يتمتعوا بما أحل الله لهم من المباحات، كل هذا من التيسير الذي يسره الله ـ تعالى ـ على الحجاج.
* متى تبتدأ مدة المتعة.
تبتدأ المتعة من أشهر الحج في قول عامة الفقهاءالإجماع لابن المنذر ص (56).
ومن قالينظر المحلى لابن حزم (5/113).: إن المتعة هي الإحرام بعمرة في رمضان ثم الحج فهذا ليس بصحيح، لأن أشهر الحج ثلاثة، ما هي؟
شوال وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، وفي مذهب الإمام مالك وشهر الحج كاملاً.
الإحرام في أشهر الحج بعمرة، ثم التحلل منها، ثم الإحرام من عامة بالحج، هذا متعة بالاتفاق.
ومن العلماء من يقول : لابد أن ينوي المتعة لأجل أن يتحقق له التمتع.
ومنهم من يقول : مجرد اجتماع هذين الفعلين في سفر واحد في عام واحد هو متعة ، نوى أو لم ينوي.
وهذا القول أقرب إلى الصواب؛ لأنه قد تحققت فيه الصور التي ذكرها الله ـ تعالى ـ في قوله {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}جزء من الآية رقم (196) من سورة البقرة.
إذاً: - يا أخواني ويا أخواتي الكريمات- المتعة هي في الحقيقة اشتغال بأعمال العمرة أولاً بأن يحرم من الميقات، أو من محله إذا كان دون الميقات بعمرة ، فيقول " لبيك عمرة "، ويذهب ويطوف ويسعى، ويتحلل، بالتقصير أو بالحلاق، ثم ينتظر حتى يأتي وقت الحج في يوم الثامن من أيام الحج وهو يوم التروية، ويحرم بالحج، ويبتدأ أعمال الحج منفصلاً عن أعمال العمرة.
بمعنى أن أعمال العمرة مستقلة، وأعمال الحج مستقلة ليس بينهما تداخل من حيث الأعمال، بل للعمرة أعمالها كاملة، وللحج أعماله كاملاً، ويجب عليه هدي.
وقد سمعنا بعض إخواننا في التقرير يقول " وعليه فدية".
الحقيقة أن تصور بعض الناس أن هناك فدية، والفدية هي افتكاك ، لما تقول افتديت يعني أن تفتك من إشكالية بهذه الفدية التي تذبحها.
الذي يتقرب به المتمتع ليس فدية إنما هو هدي، لذلك قال الله ـ تعالى ـ:{ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، ولم يقل " فما استيسر من الفدية، أو الفدى"، إنما هو هدي يتقرب به.
وهذا هدي نسك يحصل به مزيد أجر وثواب وفضل وقربة إلى الله جل وعلا.
فلذلك ليس هذا فدية، لأن الفدية لا تكون إلا في حالين: إما ترك واجب، وإما ارتكاب محظور.
أما في حال التمتع، وهي الجمع بين العمرة والحج، ليس هناك ارتكاب لمحظور، وبالتالي فإن الحاج ليس عليه فدية في متعته إنما عليه نسك قربة وطاعة لله ـ تعالى ـ وهو الهدي.
إذا عجز المتمتع عن الهدي ما الذي يجب عليه؟
إذا عجز عن الهدي فإن الواجب عليه ما بينه الله ـ تعالى ـ في كتاب فقال:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}جزء من الآية رقم (196) من سورة البقرة.، وهنا يشمل عدم الوجود أمرين:
الأمر الأول: عدم القدرة المادية، ما عنده مال، ما عنده فلوس يشتري به هدياً.
أو لا يجد هدياً متيسراً ، يبحث عن الهدي فلا يجد، ولا يجد من يوكله ليشتري له هدياً.
في هاتين الصورتين، وفي هاتين الحالين، يقول الله ـ تعالى ـ:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}، هكذا بيَّن الله ـ تعالى ـ ما يجب، {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
سنقف مع هذه بعد قليل، لكن الذي يهمنا الآن أن الله ـ تعالى ـ جعل عوضاً عن الهدي الذي يعجز عنه الحاج؛ لاشتغاله أو لعدم قدرته أو عدم وجود ما يتقرب به هدياً، فإنه يجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج.
ما معنى صيام ثلاثة أيام في الحج؟
يعني في أيام الحج، وفي اشتغاله بالحج، وهذا في قول جماعة من العلماء المبسوط للسرخسي (4/327), والمغني لابن قدامة (3/417). يبتدأ من إحرامه بالعمرة، ولو كان ذلك في أول شوال, فإنه يصوم ثلاثة أيام.
ثم بعد ذلك يصوم سبعة أيام {إِذَا رَجَعْتُمْ }، يعني إذا رجعتم بعد الحج سواء إن كان هذا في مكة أو إذا رجع إلى بلده، لا فرق في هذا المقصود أن يصوم ثلاثة أيام في حجه، وله أن يصومها من إحرامه بالعمرة.
ولكن إذا لم يصم فإنها تتعين عليه في ثلاثة أيام، هي أيام التشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر.
فإن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لم يرخص في الصيام في هذه الأيام إلا لمن لم يجد الهدي.
وبالتالي هي أيام يجب صيامها في الحج، والمقصود في أيام الحج فليس له أن يقدمها قبل ذلك، لكن ينبغي أن تكون قبل عوده من أيام الحج، وهي الثلاثة أيام التشريق, فإذا أخَّر فإنه يصوم هذه الثلاثة أيام قضاءً, ولا يسقط الصيام عنه.
وأما السبعة فإذا رجع سواء كان في مكة أو في بلده ، وهذا عوض عن الهدي.
غير حاضري المسجد الحرام لقول الله ـ تعالى ـ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} جزء من الآية رقم (196) من سورة البقرة.
هل أهل مكة لهم متعة؟
الجواب:نعم، لهم متعة كغيرهم، والذي يميزهم عن غيرهم أنهم لا يجب عليهم هدي، هذا الذي يميز أهل مكة عن غيرهم.
إن المتعة هي أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج، ثم يتحلل منها، ثم يحرم بالحج من عامه.
وهذا محل اتفاق على وصف هذا الفعل بأنه متعة, كما نقل عن جماعة من أهل العلم منهم ابن عبد البر التمهيد لابن عبد البر (8/342).
بقي عندنا نوعان من أنواع النسك، الإفراد.
والإفراد:هو أن يحرم بالحج فقط، في أي وقت من أشهر الحج؛ سواء أكان ذلك في يوم التروية أو قبل ذلك، فمن أحرم بالحج في أشهره سواء في واحد شوال أو في ثلاثين شوال، أو في واحد ذي القعدة، أو في يوم التروية، كله حج إفراد ما دام أنه قال :" لبيك حجاً" لم يذكر فيه العمرة, ولم يأت لها نية في قلبه، إنما أراد بذلك الحج فقط.
وهذا الحج لا يشرك فيه شيئاً من أعمال العمرة بعض الفقهاء يذكر "ثم يعتمر من عامه بعد حجه".
وهذا في الحقيقة ليس له دخل في صفات الحج، يعني الحج يتم بالفراغ من أعماله بعد الإحرام به.
وأما العمرة الثانية فهذه ليست داخلة في الحج إنما هي عمرة مستقلة، وإنما يذكرها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ لأن الزمن السابق كان المجيء إلى هذه البقاع المباركة يتطلب جهداً، ولذلك كانوا يستغلون الوقت، حتى الذي كان يأتي بحج مفرد كان يضم إليه عمرة بعد فراغه من أعمال الحج.
هذا ما يتصل بالإفراد، الإفراد ليس فيه سوى أعمال الحج ولا يجب فيه نسك التقرب إلى الله ـ تعالى ـ بهدي، لا يجب فيه هدي.
ولو أن الإنسان ذبح هدياً, فإن هذا هدي مستحب مسنون وليس واجباً.
إذاً: الذي يتميز به الإفراد أنه حج مستقل ليس معه شيء آخر، ولا يجب فيه هدي.
انتبه.. قلنا لا يجب فيه هدي؛ لئلا يقول قائل: والذي يريد أن يتقرب إلى الله بالهدي، نقول "هذا باب مفتوح ، هذا هدي تطوع وليس واجباً".
النوع الثاني الذي سمعنا كلام إخواننا حوله، هو ما يتصل بالقِران.
القِران - يا إخواني ويا أخواتي - هو الجمع، مستفاد من اشتقاق اللغة، وكلمة قِران في اللغة تدل على الجمع بين شيئين.
إذاً: القِران هو جمع بين عمرة وحج، لكن ما الفرق بين التمتع والقران؟.
لأنه تقدم لنا قبل قليل في بيان معنى المتعة، أنها عمرة يتحلل منها ثم يحرم بالحج من عامه.
والقِران:هو كالحج المتمتع، أي كالتمتع؛ لكنه يختلف عنه في أنه لا يتحلل بين الحج والعمرة، بل أعمال الحج والعمرة تتداخل تداخلاً كاملاً ، فتكون أعمال التي يقوم بها من طواف ومن سعي تجزئه كما قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لعائشة ـ رضي الله عنها ـ: «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ»أخرجه مسلم (1211).
فالطواف يكفي للحج والعمرة، وكذلك السعي يكفي للحج والعمرة ولا يجوز أن يتحلل بينهما، بل لا يتحلل إلا بعد أن يفرغ.
ويسن للحاج القارن أن يسوق هدياً كما فعل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حيث ساق الهدي معه.
ويسن له أن يتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بسوق الهدي من خارج الحرم، ولو اشتراه من داخل الحرم كان ذلك مجزئاً، لكن يجب أن يهدي، أي أنه يجب عليه أن يتقرب بالهدي.
هذا ما يتصل بصفة القِران وكيف يفعل فيه، وعرفنا أنه يتفق مع التمتع في كونه عمرة وحج وأيضاً في كونه يجب به هدي.
ما يتصل بالنقطة التي أثارها بعض إخواننا "أي الأنساك أفضل"؟ كل هذه الأنساك جائزة في قول عامة فقهاء الأمةتبيين الحقائق (2/ 40), والكافي في فقه أهل المدينة (1/ 381), والمجموع للإمام النووي (7/151) والمغني لابن قُدامة (3/260).
بمعنى أنه لو حج متمتعاً، حج مفرداً ، حج قارناً، فإنه يكون بذلك قد أتى بما فرض الله ـ تعالى ـ عليه من الحج.
لكن أيها أفضل؟ الأفضل فيه خلاف بين العلماء.
منهم: من يقول المغني لابن قُدامة (3/260), وينظر المجموع للإمام النووي (7/150). "الأفضل التمتع"، ويذكر لذلك مسوغات، وأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوها عمرة وأن يتحللوا، وقال :« لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» أخرجه البخاري (1651).
ومنهمبدائع الصنائع (2/174).: من يقول: إن الأفضل القِران ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قارناً.
ومنهممواهب الجليل (3/49), وينظر المجموع للإمام النووي (7/150).: من يرى أن الأفضل الإفراد لكونه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ابتدأ حجه مفرداً.
وكذا وصف حجه جماعة من الصحابة ، لاختلاف وصف الصحابة في صفة حج النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وقع الاختلاف بين أهل العلم في أي الأنساك أفضل.
والأقرب إلى الصواب والمسألة اجتهادية أن التمتع أفضل هذه الأنساك لكونه أكثر عملاً ولأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أمر به، والأمر في هذا سهل وقريب، وكيفما حج الإنسان يدرك الفضيلة إن شاء الله تعالى .
هل هذه الأنساك مشروعة لأهل مكة كغيرهم؟
الجواب:نعم هي مشروعة لأهل مكة كغيرهم، وينالون بها الفضل، لكن لا يجب عليهم هدي كما قال الله ـ تعالى ـ: {ذَلِكَ} أي ما يتعلق بالهدي أو ما يتعلق ببدله في حال العجز عنه {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}جزء من الآية رقم (196) من سورة البقرة.
هذه جملة من الكلمات حول أنواع الأنساك ، وبه نعلم التنوع في ما يفعله الحجاج.
هنا مسألة: لو أن الإنسان أراد أن ينتقل من نوع إلى نوع هل يجزئ أو لا يجزئ؟
الجواب:إذا كان قد أحرم على سبيل المثال بإفراد، هل له أن ينتقل إلى متعة؟ نعم له أن يتحلل من هذا الحج بعمرة، ثم يحرم بالحج في وقته.
ومثله أيضاً لو أنه لم يسق الهدي ونوى عمرة وحجاً فله أن يتحلل من عمرته، وهذا إذا لم يسق الهدي وهو قارن له أن يتحلل من قِرانه بعمرة ، ثم يحرم بالحج في وقته.
يعني عندنا الآن، له أن ينتقل من الإفراد إلى التمتع، ومن القِران إلى التمتع، له أن يفعل ذلك بشرط أن لا يكون قد ساق الهدي، فإن كان قد ساق الهدي فليس له أن يتحول من نسك إلى نسك، بل عليه أن يلتزم النسك الذي أحرم به حتى يتحلل منه بعد فراغه من أعمال الحج.
مسألة:أحرمت امرأة بالعمرة ثم جاءها العذر الشرعي، الحيض، جاءها يوم عرفة وهي لم تتمكن من الانتهاء من أعمال العمرة؟
هنا تدخل أعمال الحج على العمرة فتكون قارنة كما وجه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ حيث أنها حاضت بسرف فدخل عليها النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وهي تبكي فقال:«إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم» وأمرها أن تنقض شعرها، وأن تنقض عمرتها وأن تلبي بالحج، فتكون حاجة قارنة، لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ»أخرجه البخاري (305)، ومسلم (1211)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
ولقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ»صحيح الإمام مسلم (1211).
وبهذا يتبين لنا أن الانتقال في هذه الحالة من المتعة إلى القِران إنما يكون ذلك لعذر.
أما إذا لم يكن عذر, فإنه لا يسوغ الانتقال من المتعة إلى القِران إلا في حال عدم الشروع في الطواف.
فإن لم يشرع في الطواف فله أن يدخل الحج على العمرة فيكون بذلك قارناً.
وهذا ما يتصل بهذه الأنواع، وهذه الأنساك، وهي المشهورة المعروفة: الإفراد، والقِران والتمتع.
وما يتصل ببيان حقيقة كل واحد منها، والفروق بينها ، والانتقال من نسك إلى نسك، وأيها أفضل، كل هذا حاولنا أن نقربه وأن نبسطه، وأن نجعله بيِّناً لإخواننا وأخواتنا في كلمات موجزة، أسأل الله ـ تعالى ـ أن يكون ما ذكرناه وما قلناه جلياً واضحاً.
وأذكركم بأن هذا البرنامج " برنامج أحكام" يأتيكم ضمن البرامج المباركة التي تقدمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في جهدها المبارك المبرور في بيان أحكام الحج والعمرة والتنبيهات المتصلة بحجاج بيت الله ضمن التوعية الإسلامية في الحج.
أسأل الله أن يبارك في هذه الوزارة وفي الدولة المباركة التي سخرت جميع إمكانياتها في خدمة ضيوف بيت الله تعالى وحجاج بيته الحرام.
وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.