...أما بعد.
فالله تعالى أمر المؤمنين بأن يكونوا متعاونين على البر والتقوى، فقال -جل وعلا-: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾سورة المائدة : 2
والحج من الأعمال المباركة التي تحصل بإعانة الله تعالى للمؤمن في أن يقوم بما فرضه الله تعالى عليه، ويكمل هذا الحج بتعاون الجميع، تعاون المسلمين بين بعضهم البعض، لتحقيق الغرض من هذا المجيء.
الله تعالى يقول لخليله إبراهيم -عليه السلام- :﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾سورة الحج:27
وبهذا يتبين أن الحجَّ عبادة جماعية، عبادة ليست من فرد، بل من جماعة، حيث قال:﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾سورة الحج:27، أي على أقدامهم ماشين، ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾سورة الحج:27،أي على مراكب من الإبل أو الخيل، أو غير ذلك مما جدَّ من المراكب الحديثة، طائرات، وسفن، ومراكب سائرة على الأرض من السيارات والباصات، وما أشبه ذلك، كل هؤلاء يجتمعون، ﴿يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.سورة الحج:27
لن ينجح هذا إلا بتعاونهم، لن ينجح هذا الاجتماع إلا بائتلافهم، لن ينجح هذا الاجتماع إلا بتحقيق معنى الأخوة الإيمانية، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾سورة الحجرات:10
فإذا تحقق هذا حقَّق لهم الله تعالى ما ذكره من الغاية والمقصد حيث قال:﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ سورة الحج:28
يقول الله في الإشارة إلى ضرورة التعاون والائتلاف والاجتماع، وأن يكون المؤمن عونًا لأخيه في تحقيق الخير والكفاية من الحاجات، ﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾سورة الحج:28.
يقول:﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾، هذا لحظ النفس، ﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾سورة الحج:28، هذا إعانة لكل ذي حاجة، فمنافع الآخرة، ومنافع الدنيا لا تدرك إلا بالتعاون والائتلاف والاجتماع.
الحج مؤتمر إسلامي كبير، بل مؤتمر عالميُّ كبير، فيه يتحقق الاجتماع والتعارف والتآلف، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالتعاون.
إن الحج تجمُّع اقتصادي، وكل تجمع اقتصادي لا يمكن أن يؤتي غرضَه، ولا أن يحقق مقصودَه إلا بأن يتعاون الأطراف وأن يتآلفوا في تحقيق الغاية والمقصود.
ولذلك حثَّ الله تعالى المؤمنين على التعاون بتذكيرهم بالتقوى، فقال:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾سورة المائدة : 2، ثم قال -جل وعلا-:﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾سورة المائدة : 2.
وإن النبي -صلى الله وعليه وسلم- أكَّد على معاني يتحقق بها التآلف بين المؤمنين، والاجتماع على الخير، والتعاون على البر، فأمر بإشاعة السلام، فقال:«يا أيها الناس! أفشوا السلام»، وأمر بإطعام الطعام، فقال: «وأطعموا الطعام»، ثم قال: «وصلُّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» أخرجه الترمذي(2485)، وابن ماجة(1334)، وقال الترمذي :"حديث صحيح"
فكل هذه الخصال مما يتحقق به للمؤمنين المقصود من هذا العمل.
الحجُّ اجتماع يتحقق فيه ذلك الذي ذكره في وصف المؤمنين، قال:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾التوبة 71، يرحم بعضهم بعضاً، وينصر بعضهم بعضاً، ينصر الظالم والمظلوم.
المظلوم بالإنصاف له، والظالم بكفِّه عن ظلمه.
﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ سورة التوبة:71
الحج يتعاون فيه المؤمنون على إذابة كلِّ الفروق التي يمكن أن تكون بينهم، من فروق مالية، أو فروق عِرقيَّة، أو فروق لسان، أو فروق صورة، كل هذه الفروق تذوب وتنتهي وقد قال النبي -صلى الله وعليه وسلم-: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى في ذمَّتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على مَن سواهم» أخرجه أبو داود(2751)، وابن ماجه(2685)، وصححه الألباني
هكذا يبين النبي -صلى الله وعليه وسلم- الخلالَ والخصال التي يتحقق بها الائتلاف لهذه الأمة.
وإن الأمة إنما تسمو وتعلو وترتفع وتسبق إذا ائتلف أهلُها واجتمعوا، فالاجتماع رحمة.
وقد قال الله -جل وعلا-:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾سورة آل عمران:103
وقال النبي -صلى الله وعليه وسلم- :«مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم تعاطفِهم، كمَثَل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحُمَّى والسَّهَر» أخرجه مسلم (2585)
إن النبي -صلى الله وعليه وسلم- أكَّد الالتحام، والاتفاق، والتعاون بين المؤمنين، فقال -صلى الله وعليه وسلم- :«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضُه بعضاً» أخرجه البخاري(481)، ومسلم(2585)
وهذا يبين أن المؤمن يُعينُ أخاه المؤمن.
أنا أدعو حجاجَ بيت الله الحرام أن يحقِّقوا هذه الخصلة في كل أحوالهم، من خروجهم من بلادهم إلى عودهم، فإن المؤمن يبلغ بإعانته لإخوانه أجراً عظيماً وفضلاً كبيراً سواء كان ذلك بسقايتهم، أو كان ذلك بإعانتهم في أموالهم، إذا احتاجوا إلى مال، أو كان ذلك بالإعانة في البدن إذا احتاجوا إلى الإعانة في أبدانهم، وأعظم ذلك كلِّه أن يعينَهم بدلالتهم على الخير، وإرشادهم إلى إتمام نُسُكِهم على الوجه الذي يرضاه الله جل وعلا.
كل ذلك من أعمال الخير والبر التي ينبغي للمؤمنين أن يتعاهدوها، وأن يتعاونوا عليها، وأن يَرفُقَ بعضهم ببعض.
أدعوا إخواني إلى إشاعة السلام بينهم، إلى إفشاء الابتسامة، فقد قال النبي -صلى الله وعليه وسلم-: «لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلق» أخرجه مسلم (2626)
إعانة المسلمين بالرحمة فيما بينهم فإن النبي -صلى الله وعليه وسلم- نهى عن التزاحم طلباً للائتلاف والرحمة والشفقة، وأمر بالسكينة في الدفع، وهو وقت التزاحم لأجل ألا يضُرَّ بعضهم بعضاً.
وأذن للضعفاء بالانصراف من مُزدَلِفة ليلاً إعانة لهم على إتمام النسك على وجه يندفع به عنهم الضرر.
فالرحمة والسكينة واليُسر والتيسير، وافعل ولا حَرَج، كل ذلك مما يحصل به إعانة المؤمنين بعضهم لبعض الذي يتحقق به قول النبي -صلى الله وعليه وسلم-: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً».[سبق]