.... أما بعد.
فالحج يبتدأ بالنية، فإن الحج أصله القصد، والقصد توجُّه، وهذا التوجُّه لا يكون إلا بنيةٍ تعمُر القلب فتبعثه على العمل، وتبعث البدن على السير إلى الجهات التي يريد.
الحج قَوامه النية لله -جل وعلا- بأن يكون متوجهاً إليه، طالباً ما عنده جل في علاه.
هذه هي الخطوة الأولى لمن يريد الحج، فإذا أراد الحج ما الذي ينبغي أن يحرص عليه المؤمن؟.
ينبغي على المؤمن أن يحرص على المال الحلالِ الطيبِ، وأن يحرص على الصحبة التي تُعينه على الخير وتدلُّه عليه، وتسهِّل له القيام به، يحرص على أن يكون متبعًا لما رُتِّب من أنظمة الحج حتى لا يعرِّض نفسه للمسائل، أو الرد، أو التوقُّف.
كل هذه أمور ينبغي أن يحرص عليها المؤمن، كما أنه لا يلزمه أن يكلِّف نفسه ما لا يُطيق، فالحج فرضه الله تعالى على المستطيع كما قال -جل وعلا-:﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾سورة آل عمران:97
فينبغي أن يَتَحقَّق من استطاعته، فإذا كان غيرَ مستطيع بماله، أو غيرَ مستطيع ببدنه فإن الله لم يفرض عليه الحجَّ إلا أن يكون مستطيعاً.
إن الحج نُسُك من الأنساك، وعبادة من العبادات الجليلة، التي يحصل بها للمرء حطُّ السيئات والأوزار، فــ«من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجع كيوم ولَدَتْه أمُّه»كما جاء في "الصحيح" من حديث أبي هريرةصحيح البخاري:ح1521
وهو أيضاً رفعةٌ في الدرجات، وبلوغٌ للمنازل العاليات كما جاء ذلك في "الصحيح" من حديث أبي هريرة أيضاً أن النبي -صلى الله وعليه وسلم- قال: «والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة» صحيح البخاري:ح1773
فضل الله واسع وعطاؤه جزيل، فينبغي للمؤمن أن يتهيأ بهذا العمل، بالتعلُّم ومعرفةِ أعمال الحج وأنساكِه وشروطه وواجباته، حتى يحقِّق تلك الفضائل العظيمة، ويدرِك تلك الأجور الكبيرة المرتَّبة على هذا العمل اليسير في أيام معدودات، كما قال تعالى:﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ سورة البقرة:203
فما هي إلا أيام، ثم ينقضي هذا النسك.
فينبغي للمؤمن أن يحرص على معرفة ما هي أعمال الحج حتى يستطيع أن يأتي به على الوجه الذي يرضاه الله تعالى .
الحج ثلاثة أنواع: إِفرادٌ، وقِران، وتمتُّع.
وهذا ما يعرف بأنواع النسك.
والناس منهم من لا يعرف هذا ويحج على وجه من الأوجه، دون أن يعيِّن أن هذا نسكُ تمتُّعٍ، أو أن هذا نسكُ الإفراد، أو أن هذا نسك القِران، لا إشكال في هذا، المقصود أن يأتي بالحج على الوجه المشروع ولو لم يدرك ما اسم هذا النسك الذي حج به.
لكن التمتع بإيجاز: هو أن يجمع بين العمرة والحج في سفر واحد، فيأتي في أشهر الحرم محرماً بالعمرة، ويتحلَّل منها، يعود حلالا كما كان قبل إحرامه، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن، ويقضي أعمال الحج.
فيكون قد أتى بعمرة مستقلَّةٍ، وحجٍّ مستقل، هذا التمتع.
وأما القِران فهو : يأتي بحج وعمرة مقترنين، يبتدأ بهما جميعاً ويفرغ منهما جميعاً، فلا يخصُّ العمرةَ بعمل، والحجَّ بعمل، بل دَخَلَت العمرة في الحج، كما قال النبي -صلى الله وعليه وسلم- وشبَّك بين أصابعه.[صحيح مسلم:ح1218/147]
هذا هو القِران.
أما الإفراد فهو أن يأتي بالحج مفرَداً لا ينوي معه عمرةً، لا عمرة مستقلة، ولا عمرة مقترنة.
لا عمرة مستقلة كما في التمتع، ولا عمرة مقترنة كما هو في القِران.
بل لا يأتي إلا بالحج فقط، دون أن ينوي العمرة.
هذه هي الأنواع الثلاثة التي يدخل فيها الحجاج إلى هذا النسك.
مما ينبغي أن يعلَمه المؤمن في حجه أن الحج ستةُ أيام، يبتدأ في اليوم الثامن وهو يوم التروية، ثم يأتي يوم عرفة، وهو الركن الأعظم من أركان الحج كما قال النبي -صلى الله وعليه وسلم- :«الحجُّ عَرَفَة» أخرجه أبو داود(1949)، والترمذي(889)، والنسائي(3016)، وابن ماجه(3015)، وصححه الألباني في صحيح الجامع:ح3172
ثم يأتي بعد ذلك يوم النحر، وهو من أعظم الأيام وأجلِّها عند الله جل وعلا، ففيه عيد المسلمين، وفيه يُكمِل الحجَّاجُ أنساكَهم، ويفرغون من أعمال أكثر أنساك الحج.
ثم بعد ذلك يأتي يوم الحادي عشر، وهو يوم القرِّ الذي يقر الحجاج فيه في منى، ويمكثون فيها تعبُّدا لله جل وعلا.
اليوم الخامس هو يوم الثاني عشر، وهو يوم النَّفْر الأول الذي ينفر فيه المتعجِّلون من الحجاج، كما قال تعالى:﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾سورة البقرة:203
ثم بعد ذلك اليوم الأخير من أيام الحج وهو يوم الثالث عشر، وهو يوم النفر الأخير، هذا اليوم ينتهي به أعمال الحج.
وبهذا يتبين أن أيام الحج ستة أيام تبتدأ باليوم الثامن، وتنتهي بيوم الثالث عشر.
* أما أركان الحج فأركانه:
الإحرام، وهو الدخول في النسك بعقد القلب وقصدِه ونيَّته.
ثم بعد ذلك من الأركان الوقوف بعرفة، وقد قال الله تعالى:﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾سورة البقرة:198
وقد قال النبي -صلى الله وعليه وسلم- في حديث عبد الرحمن بن يعمر: «الحجُّ عرفة» تقدم تخريجه
بعد ذلك الركن الثالث من أركان الحج: الطواف بالبيت، وهو طواف الإفاضة الذي قال الله فيه:﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾سورة الحج:29
الركن الرابع من أركان الحج: السعي بين الصفا والمروة وقد قال بذلك جماعة من أهل العلم[مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة]، وقال جماعة آخرون أن السعي واجب وليس ركناً[مذهب الأحناف، والثوري]، والجمهور على أنه ركن، لقول الله تعالى:﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾سورة البقرة:156
هذه أركان الحج التي عليها يدور، وعليها بناؤه.
أما واجبات الحج: فواجبات الحج كثيرة، وينبغي للمؤمن أن يحرص على تعلم ذلك لمعرفة صفة حج النبي -صلى الله وعليه وسلم- من الإحرام من الميقات، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، وطواف الوداع، كل هذه مما يندرج في واجبات الحج، والوقوف بعرفة إلى مغيب الشمس إذا كان قد وقف نهاراً، الحلق والتقصير، المبيت بمزدلفة، رمي الجمار، كل تلك الأعمال مصنفة ضمن واجبات الحج.
والمؤمن إذا حرص على التعلم واجتهد في معرفة هدي النبي -صلى الله وعليه وسلم- فإنه سيوفَّق إلى إتقان عمله، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله وعليه وسلم.
وصيَّتي للحجَّاج أن يحرصوا على التعلم، ومعرفة النسك قبل أن يقدموا عليه، معرفة أعمال الحج قبل أن يدخلوا فيه.
ثم بعد ذلك ما أشكل عليهم فليسألوا عنه، فإن الله تعالى قال:﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ سورة النحل:43
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقني وإياكم القبول.