×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الحج عبادة وسلوك / الحلقة(2) الحج تطهير للنفس وتزكية للسلوك

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

... أما بعد.

فالحج فرضه الله تعالى على أهل الإيمان في العمر مرة واحدة، إلا أن هذا الفرض له من الأثر ما ليس لغيره من الأعمال، فإنه زكاء للنفوس، وصلاح للقلوب، ورفعة للدرجات، وحط للسيئات، فيه خير عظيم: «فمن حج فلم يرفث، ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه»+++ أخرجه البخاري(1521)، ومسلم(1350)---

وقد جاء قول النبي -صلى الله وعليه وسلم-: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»+++ أخرجه أحمد(2/246)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين---

وهذا الأجر العظيم، وذلك الجزاء الكبير، من حط السيئات، ومن رفعة الدرجات، ومن الفوز بالجنان، إنما هو فرع ما فيه من الثمار، فرع ما فيه من الخير المحقق للعبد، فرع ما فيه من الزكاء والصفاء، فالله طيب لا يقبل إلا طيبا.

فالحج سلوك يدخل إلى كل تكوين الإنسان، فيسلك ويدخل قلبه بالتزكية والتطهير.

فالحج يتجرد فيه القلب من كل الرغبات، يخرج معظما الله -جل وعلا- محبا له جل في علاه، يقصد وجهه لا يقصد سواه، ولذلك قال في بيان أثر الحج في وحدة القصد، وإفراد الله بالعبادة، قال:﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا﴾+++سورة آل عمران:97---

فليس للمؤمن في غير الله قصد، بل قصده الله وحده، امتثالا لأمره، حيث قال: ﴿ولله على الناس حج البيت﴾+++سورة آل عمران:97---، فذكر المقصد والغاية، ذكر الهدف والوجهة قبل أن يذكر العمل، هو لله ليس لسواه.

وفي هذا من تطهير النفس وتزكية السلوك وتقويم الإنسان ما يشهد خيره في كل أفعاله، فإذا زكا القلب صلح سائر الجسد، كما قال  -صلى الله وعليه وسلم-: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله»+++ أخرجه البخاري (52)، ومسلم(1599).---

 

ولتكميل ذلك جاءت الشريعة بهداية الناس إلى أقوم العمل الذي يحقق التزكية، فبعد خلوص القلب، وصفاء القصد، جاء وجوب المتابعة لخير الخلق صلى الله وعليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر﴾+++سورة الأحزاب:21---

فالأسوة والإمام في العمل والأفعال هو خير الأنام صلى الله وعليه وسلم.

وقد قال في بيان وجوب ذلك، وتأكيد اتباع هديه: «لتأخذوا عني مناسككم، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا»+++ أخرجه مسلم (1297)---

وهديه وسلوكه، وعمله وفعله -صلى الله وعليه وسلم- أكمل الهدي، إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله وعليه وسلم .

فلا هدي أكمل من هديه، ولا خير في سلوك طريق غيره صلى الله وعليه وسلم.

ولذلك كانت العبادة في الحج وفي سائر العبادات توقيفية، على ما كان عليه عمل خير البرية صلى الله وعليه وسلم.

يقول جابر -رضي الله عنهما- في وصفه لحجة -النبي صلى الله وعليه وسلم-: "رأيت النبي صلى الله وعليه وسلم يرمي الجمار على راحلته يوم النحر يقول: «لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»+++ تقدم تخريجه---

حرص بأبي وأمي -صلى الله وعليه وسلم- على أن يتلقى الناس منه اليسرى، والعمل لكمال عمله، وأنه العمل الذي يقرب العبادة إلى  الله جل  وعلا.

فإذا اكتمل هذان الأمران، اكتمل صفاء القلوب بسلامة القصد، والإسلام لله رب العالمين، وكمال الإخلاص له.

وانضاف إلى هذا الكمال كمال آخر، وهو صدق المتابعة للنبي صلى الله وعليه وسلم، فلا يخرج عن هديه، ولا يحيد عن طريقه، بل يستمسك بغرزه -صلى الله وعليه وسلم- وما كان عليه عمله.

إن هذين الأمرين يثمران توازنا في حياة الإنسان، فتجده متوازنا في عمله، بين إصلاح دينه، وإصلاح دنياه، كما قال الله -جل وعلا-: ﴿ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾+++سورة الحج:28---

هذا التوازن إنما هو ثمرة اتباع خير الأنام صلى الله وعليه وسلم، الذي قال الله تعالى في محكم كتابه في وصف ما أمر به عباده: ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾+++سورة القصص:77---

الحج ينعكس على السلوك في إسقاط كل أوجه الفروق بين الناس في المظاهر والأشكال، الحجاج كلهم على صورة واحدة في أشكالهم ومناظرهم، في هيئاتهم وألبستهم، فكل على نحو واحد، إزار ورداء أبيضان دون سائر أوجه اللباس الذي يتميز به الناس بعضهم عن بعض.

إن هذه المساواة، وهذا الاشتراك في المظهر ينعكس على القلب خلوصا من كل أسباب العلو على الخلق، فإن العلو على الخلق فساد الدنيا وفساد الآخرة، ولا يدرك الآخرة إلا من خلص من هذه السيئة، ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين﴾+++سورة القصص:88---

إن النبي -صلى الله وعليه وسلم- أكد هذا المعنى في حجته، ففي حديث أبي نضرة، قال  -صلى الله وعليه وسلم- في أيام التشريق: «إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى»+++أخرجه أحمد(5/411)، وقال الهيثمي:رجاله رجال الصحيح(المجمع:ح5622)---، فهي التي يتفاضل بها الناس.

والحج مناخ، الحج مكان، الحج موسم، للتزود بخير زاد، لذا قال رب العباد:﴿وتزودوا فإن خير الزاد التقوى﴾+++سورة البقرة:197---

الحج يؤثر على السلوك في قرب العبد من ربه جل في علاه، فإنه يخرج من دنياه لله وحده لا شريك له، فيستلذ بترك كل شيء لله، وفي هذا من التربية ما فيه، من كمال الانخلاع من الدنيا رغبة فيما عند  الله جل  وعلا، فيزكو السلوك وتطيب الأخلاق، ويصلح العمل، لأنه قد خرج عن كل ذلك لله، لا يرجو سواه سبحانه وبحمده.

فمنذ شروع الحاج في بداية الحج بلبس ملابس الإحرام، وهو يؤكد في نفسه صلته بالله وحده، ومرجعه إليه، وأن لا معبود سواه يعبد بحق، فله يصرف جميع العبادات، وإليه يتقرب بكل الطاعات.

إن الحج يحقق التعاون والتعارف والاجتماع، إنه يحقق قول الله تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾+++سورة الحجرات:10---

فهذا النسيج المختلف في ألسنته، المختلف في طبقات، المختلف في جهاته، المختلف في أصوله، ينسجم بلباس واحد، ويشترك في وحدة اللسان: "لبيك اللهم لبيك"، فالكل يجأر ويجهر بهذه الكلمات.

يشترك في وحدة القصد، فإنهم يقصدون بقاعا واحدة، ومكانا واحدا.

يشترك في وحدة العمل والفعل، إنه يحقق وحدة الأمة، وائتلافها، واجتماعها، وتفاوتها، إنما يكون بمدى قربها من ربها: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾+++سورة الحجرات:13---

هذا لا يتبين، التقوى لا يدركها الناس بأعينها، حتى ولو صلحت الأعمال.

التقوى إنما تدرك بما يكون في القلوب من عظيم المحبة الله جل وعلا، وكبير الخوف منه والإجلال له سبحانه وبحمده.

الحج يغرس صفات حميدة فإنه يهذب الإنسان من كل الرذائل، ويحليه بكل الفضائل، لذلك قال ربنا:﴿الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾+++سورة البقرة:197---

وهذا فيه الندب إلى كل ما فيه فضيلة بفعلها، وإلى كل ما فيه رذيلة بتركها، طلبا لله جل وعلا، ورغبة فيما عنده جل وعلا.

الحج يربي النفوس على النظام، وعلى مراعاة الأحوال، فهم ينتقلون في أوقات محددة، وينزلون منازل محددة، ويسيرون مسيرا محددا، كل ذلك طاعة الله جل وعلا.

هذه بعض الملامح التي يظهر فيها أثر الحج على السلوك ظاهرا وباطنا، على الأخلاق في القلوب، وعلى الأخلاق في الأعمال، فنسأل الله أن يبلغنا وإياكم الكمال.

 

المشاهدات:2980

... أما بعد.

فالحج فرضَه الله تعالى على أهل الإيمان في العمر مرةً واحدة، إلا أن هذا الفرض له من الأثر ما ليس لغيره من الأعمال، فإنه زكاء للنفوس، وصلاحٌ للقلوب، ورفعةٌ للدرجات، وحطٌّ للسيئات، فيه خير عظيم: «فمن حجَّ فلم يرفث، ولم يفسق ، رجع كيومَ ولدتْهُ أمُّه» أخرجه البخاري(1521)، ومسلم(1350)

وقد جاء قول النبي -صلى الله وعليه وسلم-: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» أخرجه أحمد(2/246)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين

وهذا الأجر العظيم، وذلك الجزاء الكبير، مِن حطِّ السيئات، ومِن رفعةِ الدرجات، ومن الفوز بالجنان، إنما هو فَرعُ ما فيه من الثمار، فرعُ ما فيه من الخير المحقَّق للعبد، فرعُ ما فيه من الزكاء والصفاء، فالله طَيِّب لا يقبل إلا طيباً.

فالحج سلوك يدخل إلى كل تكوين الإنسان، فيسلُك ويدخل قلبَه بالتزكية والتطهير.

فالحج يتجرَّد فيه القلب من كل الرغبات، يخرج معظِّماً الله -جل وعلا- محبًّا له جل في علاه، يقصد وجهه لا يقصد سواه، ولذلك قال في بيان أثر الحج في وحدةِ القصد، وإفرادِ الله بالعبادة، قال:﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًاسورة آل عمران:97

فليس للمؤمن في غير الله قصدٌ، بل قصده الله وحده، امتثالاً لأمره، حيث قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِسورة آل عمران:97، فذَكَر المقصدَ والغايةَ، ذكر الهدفَ والوِجْهةَ قبل أن يذكر العملَ، هو لله ليس لسواه.

وفي هذا من تطهير النفس وتزكية السلوك وتقويم الإنسان ما يشهد خيرَه في كل أفعاله، فإذا زكا القلب صلح سائر الجسد، كما قال  -صلى الله وعليه وسلم-: «ألا إن في الجسد مُضغةً إذا صَلَحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه» أخرجه البخاري (52)، ومسلم(1599).

 

ولتكميل ذلك جاءت الشريعة بهداية الناس إلى أقوم العمل الذي يحقِّق التزكيةَ، فبعد خلوصِ القلب، وصفاء القصدِ، جاء وجوبُ المتابعة لخير الخلق صلى الله وعليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَسورة الأحزاب:21

فالأُسوة والإِمام في العمل والأفعال هو خيرُ الأنام صلى الله وعليه وسلم.

وقد قال في بيان وجوب ذلك، وتأكيد اتباع هديِهِ: «لِتأخذوا عني مناسكَكُم، لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا» أخرجه مسلم (1297)

وهديه وسلوكه، وعمله وفعله -صلى الله وعليه وسلم- أكمل ُالهدي، إنَّ أصدَقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله وعليه وسلم .

فلا هدي أكملَ من هديه، ولا خيرَ في سلوك طريقِ غيرِه صلى الله وعليه وسلم.

ولذلك كانت العبادة في الحج وفي سائر العبادات توقيفيَّةً، على ما كان عليه عمل خير البرية صلى الله وعليه وسلم.

يقول جابر -رضي الله عنهما- في وصفه لحجة -النبي صلى الله وعليه وسلم-: "رأيت النبي صلى الله وعليه وسلم يرمي الجمارَ على راحِلَتِه يوم النحر يقول: «لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» تقدم تخريجه

حرص بأبي وأمي -صلى الله وعليه وسلم- على أن يتلقَّى الناسُ منه اليسرى، والعمل لكمال عمله، وأنه العمل الذي يقرب العبادة إلى  الله جل  وعلا.

فإذا اكتمل هذان الأمران، اكتمل صفاءُ القلوب بسلامة القصد، والإسلام لله رب العالمين، وكمال الإخلاص له.

وانضاف إلى هذا الكمال كمالٌ آخر، وهو صدق المتابعة للنبي صلى الله وعليه وسلم، فلا يخرج عن هديه، ولا يحيدُ عن طريقه، بل يستمسِكُ بِغَرزِه -صلى الله وعليه وسلم- وما كان عليه عمله.

إن هذين الأمرين يثمران توازناً في حياة الإنسان، فتجده متوازناً في عمله، بين إصلاح دينه، وإصلاح دنياه، كما قال الله -جل وعلا-: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍسورة الحج:28

هذا التوازن إنما هو ثمرةُ اتباعِ خيرِ الأنام صلى الله وعليه وسلم، الذي قال الله تعالى في مُحكم كتابِه في وصف ما أمر به عباده: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَاسورة القصص:77

الحج ينعكس على السلوك في إسقاط كل أوجه الفروق بين الناس في المظاهر والأشكال، الحُجَّاج كلهم على صورة واحدة في أشكالهم ومناظرهم، في هيئاتهم وألبستِهم، فكلٌّ على نحوٍ واحد، إزار ورداء أبيضان دون سائر أوجه اللباس الذي يتميز به الناس بعضهم عن بعض.

إن هذه المساواة، وهذا الاشتراك في المظهر ينعكس على القلب خلوصاً من كل أسباب العلوِّ على الخلق، فإن العلوَّ على الخلق فسادُ الدنيا وفساد الآخرة، ولا يدرِكُ الآخرةَ إلا من خلُص من هذه السيئة، ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَسورة القصص:88

إن النبي -صلى الله وعليه وسلم- أكَّد هذا المعنى في حَجَّتِه، ففي حديث أبي نضرة، قال  -صلى الله وعليه وسلم- في أيام التشريق: «إن أباكم واحد، ألا لا فَضلَ لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمرَ على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى»أخرجه أحمد(5/411)، وقال الهيثمي:رجاله رجال الصحيح(المجمع:ح5622)، فهي التي يتفاضل بها الناس.

والحج مناخ، الحج مكان، الحج موسم، للتزود بخير زاد، لذا قال رب العباد:﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىسورة البقرة:197

الحج يؤثِّر على السلوك في قرب العبد من ربه جل في علاه، فإنه يخرج من دنياه لله وحده لا شريك له، فيستلذُّ بترك كل شيء لله، وفي هذا من التربية ما فيه، من كمال الانخلاع من الدنيا رغبة فيما عند  الله جل  وعلا، فيزكو السلوك وتطيب الأخلاق، ويصلح العمل، لأنه قد خرج عن كل ذلك لله، لا يرجو سواه سبحانه وبحمده.

فمنذ شروع الحاج في بداية الحج بلبس ملابس الإحرام، وهو يؤكِّد في نفسه صِلَتَه بالله وحده، ومرجعه إليه، وأن لا معبود سواه يُعبَد بحقٍّ، فله يصرف جميعَ العبادات، وإليه يتقرب بكل الطاعات.

إن الحج يحقق التعاون والتعارف والاجتماع، إنه يحقق قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌسورة الحجرات:10

فهذا النسيج المختلف في ألسنته، المختلف في طبقات، المختلف في جهاته، المختلفُ في أصولِه، ينسجم بلباسٍ واحد، ويشترك في وحدة اللسان: "لبيك اللهم لبيك"، فالكل يجأر ويجهر بهذه الكلمات.

يشترك في وحدة القصد، فإنهم يقصدون بقاعاً واحدة، ومكاناً واحداً.

يشترك في وحدة العمل والفعل، إنه يحقق وحدة الأمة، وائتلافها، واجتماعها، وتفاوتها، إنما يكون بمدى قربها من ربها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌسورة الحجرات:13

هذا لا يتبين، التقوى لا يدركها الناس بأعينها، حتى ولو صلحت الأعمال.

التقوى إنما تدرك بما يكون في القلوب من عظيم المحبة الله جل وعلا، وكبير الخوف منه والإجلال له سبحانه وبحمده.

الحج يغرس صفاتٍ حميدةً فإنه يهذِّب الإنسان من كل الرذائل، ويحلِّيه بكلِّ الفضائل، لذلك قال ربنا:﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّسورة البقرة:197

وهذا فيه الندب إلى كل ما فيه فضيلة بفعلها، وإلى كل ما فيه رذيلةٌ بتركها، طلباً لله جل وعلا، ورغبة فيما عنده جل وعلا.

الحج يربِّي النفوس على النظام، وعلى مراعاة الأحوال، فهم ينتقلون في أوقات محدَّدة، وينزلون منازل محدَّدة، ويسيرون مسيراً محدداً، كل ذلك طاعة الله جل وعلا.

هذه بعض الملامح التي يظهر فيها أثرُ الحجِّ على السلوك ظاهراً وباطناً، على الأخلاق في القلوب، وعلى الأخلاق في الأعمال، فنسأل الله أن يبلغنا وإياكم الكمال.

 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : الخوف من الله تعالى ( عدد المشاهدات41611 )
3. خطبة : الحسد ( عدد المشاهدات28604 )
4. خطبة: يوم الجمعة سيد الأيام ( عدد المشاهدات23024 )
5. خطبة : الأعمال بالخواتيم ( عدد المشاهدات21271 )
6. خطبة : احرص على ما ينفعك ( عدد المشاهدات18874 )
7. حكم الإيجار المنتهي بالتمليك ( عدد المشاهدات18103 )
8. خطبة : الخلاف شر ( عدد المشاهدات14986 )
9. خطبة: يا ليتنا أطعناه ( عدد المشاهدات11525 )
10. خطبة : يتقارب الزمان ( عدد المشاهدات11343 )
11. خطبة : بماذا تتقي النار. ( عدد المشاهدات10357 )
12. خطبة: أثر الربا ( عدد المشاهدات10137 )
14. خطبة : أحوال المحتضرين ( عدد المشاهدات9959 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف