*قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وذلك أن أحدهم)):
بعد ما ورد في صدر الحديث، من بيان فضل صلاة الجماعة في المسجد، على صلاة المرء في بيته وسوقه، يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بذكر مسوِّغات ذلك، أي الأسباب التي جعلت صلاة الرجل في المسجد تفضل صلاته في بيته وفي سوقه، سواءً كان منفرداً أو كان في جماعة.
فلذا قال: ((وذلك أنَّ أحدهم))، أي: وبيان ذلك، ((أن أحدهم))، وفي روايةٍ: ((أنَّ أحدكم)) وفي روايةٍ أخرى: ((أنَّه))، أي الرجل المذكور في صدر الحديث.
فيتبيّن من ذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، يريد ذكر هذه الأسباب، من خلال تمثيلها بحال رجلٍ منهم، حتى يكون ذلك أكثر تأثيراً في النفوس.
*قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة)):
-قوله: ((إذا توضأ فأحسن الوضوء)) أي إذا أتى بالوضوء سابغاً كاملاً، على الوجه الذي يُرضي الله تعالى، وكما توضّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون قد حقّق بذلك أول الأسباب التي تحصل بها المضاعفة.
-وقوله: ((ثم أتى المسجد لا يُنهِزه إلا الصَّلاة)) أي لا يدفعه إلى الخروج من بيته شيء يطمع في نيله وانتهازه، إلا الصلاة، فالنُّهزة (كالفُرصة وزناً ومعنى، وانتهزها اغتنمها) مختار الصحاح: ص (682). فالصّلاةُ وما ينشده فيها من الرّاحة والسّكينة ومناجاة ربّه، هي التي تدفعه نحو المسجد، و(النَّهز: الدفع، يُقال: نهزت الرجل أنهزه) النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 136) .
-وقوله: ((لا يُريد إلا الصَّلاة)) أي: ليس له غرض ولا مقصود في مجيئه إلى المسجد إلا الصلاة، ومعلوم أن الناس قد يأتون إلى المساجد لمقاصد عديدة، لحاجة أو لموعد أو لإصلاح شيء في المسجد أو لكونه لم يجد مكاناً يأوي إليه إلا المسجد، وغير ذلك من الأسباب، فالمضاعفة لا تحصل إلا لمن أتى إلى المسجد يريد الصّلاة فقط، وهذا هو السبب الثاني من أسباب المضاعفة.
*قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فلم يخط خُطوةً إلا رفع له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد)):
وفي ذلك بيانُ ما في الخطى إلى المساجد من الفضل العظيم، فكلُّ خطوة يخطوها الإنسان إلى المسجد، يرفعه الله تعالى بها درجةً، ويضع عنه بها خطيئة، أي يمحو بها ذنباً من الذنوب التّي اقترفها، وذلك من لحظة خروجه من بيته، إلى لحظة دخوله المسجد، وهذا هو السبب الثَّالث من أسباب المضاعفة.
*قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا دخل المسجد كان في الصلاة، ما كانت الصلاة هي تحبسه)):
أي أنّ أجر الصَّلاة وثوابها، يبدأ احتسابُه من لحظة دخوله إلى المسجد، وإلى أن تُقام الصلاة، وذلك بشرط أن يكون بقاؤه في المسجد وانتظارُه فيه، هو لأجل الصَّلاة، فتكون الصلاة هي التي تحبسه داخل المسجد، فينال عطاء الله عزّ وجلّ للمصلّين وحفظه ورعايته لهم، ولو كان جالساً، ولو كان يقرأ القرآن، أو يُسبّح ويستغفر، فهو في صلاةٍ مادام ينتظر الصلاة، فهذا هو السبب الرابع من أسباب مضاعفة أجر صلاة الرجل في المسجد، مع جماعة المسلمين.
*قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والملائكة يُصلُّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلَّى فيه، يقولون:
اللهمَّ ارحمه، اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ تب عليه! ما لم يؤذِ فيه، ما لم يُحدثْ فيه)):
أي: والملائكة يدعون لمن يبقى في المسجد بعد الصَّلاة، ما دام باقياً في مكان صلاته، وقيّد بعض العلماء هذه الفضيلة بالموضع المحدّد الّذي صلّى فيه الرجل، فلا ينبغي أن يتحوّل عنه لينالها، والأقرب أن كل دائرة المسجد داخلة في هذه الفضيلة، فلو انتقل الإمام أو المأموم من مكان إلى مكان، لكون ذلك أنشط أو أكثر إعانةً له على العبادة، فلا تذهب بذلك فضيلة دعاء الملائكة له.
ويقول الملائكة في دعائهم للمصلّي: ((اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه)) ثلاث دعوات بها تجتمع الخيرات.
((اللهم ارحمه)) والرحمة هي إيصال البرِّ والإحسان والفضل للمدعوِّ له.
((اللهم اغفر له)) والمغفرة هي: حطُّ السيئات.
وهذان الشرطان: مغفرة الذنوب، ورحمة رب العالمين: لا يدخل أحد الجنة إلا بهما، ولذلك دعا بهما الملائكة، لأنهما الموجبتان لدخول الجنة.
((اللهم تب عليه)) أي حُطَّ عنه ما كان من السيئات، وأعِنه على الإقلاع عنها والتوبة منها، فدعاء الملائكة: ((اللهم تب عليه)) أي: تقبَّل ما كان من توبته التي يتوبها من سيئاته وذنوبه.
فهذه الثلاث دعوات، تدعو بها الملائكة لمن يبقى في مجلسه بعد الصلاة!
إلى متى تدعو الملائكة لمن يبقى في المسجد بعد الصَّلاة؟
تظلّ تدعو له مادام في مجلسه بشرطين:
1- (ما لم يؤذِ): أي ما لم يحصل منه أذية، سواء للناس أو للملائكة:
يؤذي الناس، برفع صوته بالقرآن على نحوٍ يُشوّش على التّالين أو المصلّين، أو بالكلام البذيء، أو بالغيبة أو بأيِّ ضرب من ضروب الأذى.
ويؤذي الملائكة بالرائحة الكريهة، كمن أكل بصلاً أو ثوماً أو تناول ما هو أشدُّ منهما أذية برائحته وضرره، وعموماً ((فإنَّ الملائكة تتأذَّى مما يتأذى منه بنو آدم)) صحيح مسلم (564)، من رواية جابر بن عبد الله.
2- (ما لم يحدث) : أي ما لم يقع منه حدث ناقض للوضوء، من صوتٍ أو ريح.
من فوائد الحديث:
- بيان المضاعفة لصلاة الجماعة في المساجد على غيرها من الأماكن سواء البيوت أو الأسواق سواءً كانت فرادى أو جماعات .ثم بين صلى الله عليه وسلم أسباب تلك المضاعفة .
من يأتي راكباً كيف تحسب خطواته؟
تحسب خطواته قال بعض أهل العلم بإدارة العجل كل إدارة للعجل هي خطوة وهذا قول شيخنا محمد العثيمين رحمه الله ، وقال آخرون تحسب الخطوات بتقدير أنه أتى ماشياً فكم يأخذ منه خطى في سيره والله تعالى عليم بذلك ، وسواء كان هذا أو هذا فهو خير كثير.
والله أعلم
السبب الأول : إحسان الوضوء .
السبب الثاني : إتيان المسجد لا يخرجه إليه إلا الصلاة .
السبب الثالث : الخطى .
السبب الرابع : انتظار الصلاة. حيث قال صلى الله عليه وسلم : فإذا دخل المسجد (كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه ) أي ما كانت الصلاة هي التي أبقته
- ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبباً خامساً للمضاعفة وهو دعاء الملائكة