الإحرام مأخوذ لغةً من حرم الشيء إذا مُنع، فالحرم هو الشيء الممنوع، المصون المحفوظ، ولذلك يُقال ـ مثلا ـ: مكة الحرام؛ لأنها محرمة ممنوعة، ويقال: الأشهر الحرم؛ لأنها محفوظة ممنوعة، ويقال: الحرم الجامعي، والمقصود الحدود التي تشمل الجامعة وملحقاتها.
وأما الإحرام فهو: نية الدخول في النُسك، هكذا قال: جماعة من أهل العلم، ومعنى (نية الدخول في النُسك) نية التزام أحكام الإحرام.
وقال آخرون: الإحرام هو: الدخول في النُسك، وليس النية فقط، بل هو الدخول العملي في النُسك؛ وذلك أن الإنسان إذا جاء من أيّ بلد يريد الحج، قبل أن يصل إلى الميقات هو ناوي العمرة أو الحج، لكنه لم يلتزم بأحكام الحج والعمرة، ولذلك ليس محرما، إنما يُحرم إذا التزم أحكام الحج والعمرة.
ولذلك الصحيح في تعريف الإحرام بأنه: الدخول في النُسك، وليس مجرد النية، ولذلك من العلماء من يقول: نية مقرونة بقول أو عمل، وليس النية فقط.
والعمل المتعلق بالإحرام، هو التزام الواجبات، والامتناع عن المحظورات، أو أما القول، فكأن يقول: لبيك عمرة، أو لبيك حجا، فهنا نية اقترنت بقول.
وكثير من الناس عندهم لبس واشتباه في موضوع الإحرام، من حيث إنهم يظنون أن الإحرام لبس الإزار والرداء الإزار ما يغطى به أسفل البدن، والرداء ما يغطى به أعلى البدن.، وهذا خطأ؛ لأن هذا اللباس كان شائعا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من لباس الناس المعتاد، ولم يكن شيئًا يختص الحج والعمرة، ولازال الناس في بعض البلاد ـ كإخواننا في اليمن ـ يلبسون الأزر، وهي لباس معتاد عندهم، فهل يكون بمجرد لبس الإزار إحراما؟ الجواب: لا؛ لأن اللباس لا يغير الحكم، فأنا أستطيع أن ألبس إزارا وأُمارس أيّ نوع من النشاط، ولا أكون محرمًا إلا بعقد النية في القلب، مع التزام بالأحكام، أو تلبية، كما ذكرنا قبل قليل.
فلو قلت من مكاني الذي أنا فيه الآن: لبيك عمرة، مع نيتي الدخول في النسك، أكون محرما، حتى لو لم يكن عليّ إزار ورداء، لكن يجب علي فورًا أن أتخلى عن محظورات الإحرام؛ كاللباس وما إلى ذلك مما يُمنع منه المحرم.
إذًا فلا بد من فك الارتباط بين صورة لبس الإزار والرداء، وبين الإحرام، ومثال آخر: شخص في الطائرة نسي ملابس الإحرام، هل يمكن أن يحرم؟ نعم، يمكن أن يحرم، فيقول: لبيك عمرة، ويتخلى عن كل شيء يمكن أن يتخلى عنه من لباسه، طبعا لا يمكن أن يخلع السراويلات، وهذا قد قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يجد إزارًا فليبس السراويل) رواه البخاري (1841)، ومسلم (1178) عن ابن عباس رضي الله عنهما.، فيخلع غطاء الرأس، ويخلع الثياب إذا كان يمكنه ذلك، ولو أحرم وقال: أنا أستحي أن أخلع ثيابي أمام الناس، فنقول: لا بأس، وعليك الفدية؛ لأنك ما خلعت ما يجب خلعه.
وكثير من الحجاج يتصور أنه ما يمكن أن يحرم إلا بإزار ورداء، وبالتالي تجده يتجاوز الميقات؛ لأنه ما عنده إزار ورداء، وبعضهم يقول: أحرم من جدة، وهذا غلط، لأنه إذا فعل هذا يكون قد تجاوز الميقات، فيجب عليه دم، في حين لو أحرم بثيابه المعتادة، لم يلزمه دم، وغاية ما هنالك إذا كان يستطيع أن يتخلى عن هذه الثياب، ولم يفعل، فعليه الفدية، وهي على التخيير: إما صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة، أما إذا تعدى الميقات فيجب عليه دم بدون خيار.