المقدم: دكتور خالد حفظك الله لعلنا في مستهل هذه الحلقة، نقف مع حديثٍ عظيم، مع قوله: -صلى الله عليه وسلم-: «مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ«[صحيح البخاري(1521)] حفظكم الله.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى أله وأصحابه أجمعين، أما بعد؛ فأسال الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يرزقني وإياكم اغتنام هذه الأيام المباركة وشغلها بما ينفع ويفيد، فهي خير أيام الزمان، وهي أفضل أيام العام، وهي أحب الأيام إلى الله ـ عز وجل ـ «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ »[أخرجه أحمد في مسنده(5446)، وقال الهيثمي في المجمع:وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.]، هكذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في المسند من حديث مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما.
من أفضل الاعمال التي تملأ بها هذه الأيام: قصد البيت الحرام تعظيماً لله ـ عز وجل ـ وامتثالا لأمره، وهذا البيت العظيم المبارك، عظيمٌ بتعظيم الله ـ عز وجل ـ كما أن حرمته بتحريم الله ـ عز وجل ـ وقد أشاد الله ـ تعالى ـ به وعظَّمه وجعله مثابة للناس وأمناً، وجعل قصده فرضاً على الناس، فقال -جلّ وعل: -﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ ] آل عمران:97ا[، وهذا الحج فيه من الفوائد والخيرات والهِبات والعطايا، قصد هذه البقعه بحج أو عمره، فيه خير عظيموعطاء جزيل، فجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ)[سبق]، وهذا بيان أن قصد هذه البقعه المباركه تعبدًا لله -عز وجل- وامتثالاً لأمره، والتزاماً بشرعه، يفيد المؤمن حط الذنوب والخطايا، ورجوع الإنسان كيوم ولدته أمه، ورجوعه كيوم ولدته أمه معناها أنه لا سيئة عليه، وليس كيوم ولدته أمه لا حسنة له، ف«الحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»[صحيح البخاري:(1773)، ومسلم(1349/437)]، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ إنما هذا التعبير «رجع كيوم ولدته أُمُّه» يشير إلى أنه رجع لا خطيئة عليه، قد حُطت عنه خطياه وزالت عنه سيئاته، وهذا الفضل العظيم والمنحه الكبرى يدركها المؤمن بهذا العمل، إذا حقَّق أوصاف الحج الذي يرضي الله تعالى عنه، بأن يكون حجًّا خالياً من الرفث والفسوق، والرفث: هو كل ما يتعلق بمحظورات الإحرام، وعلى رأسها ما يتعلق بالجماع، الذي يُفسد الحج، ويفسد النسُك، حجًّا كان أو عمره، «ولم يفسق» يشمل كل معصيه يُعصى بها الله ـ عز وجل ـ فيما يتعلق بالحج، وفيما يتعلق بما نهى الله ـ تعالى ـ عنه عموماً، أيضاً فيما يتعلق بترك ما أمر الله ـ تعالى ـ به في الحج خصوصاً، وفي الحياة عموماً، فالذي يحج ولا يصلي هذا فسق، والذي يحج ويؤذي الناس هذا فسق، والذي يحج ويخالف ما عليه المؤمن من إخلاص لله ـ عز وجل ـ هذا فسق، وبالتالي لا يفوز بهذا إلا من حقق الحج الذي يخلو من هذين، من يحج «فلم يرفث»، فامتنع مما يمتنع منه الحاج من المحظورات، «ولم يفسق»، امتنع عن كل سيئة وخطيئة، بإمتثال أمر الله وترك ما نهى الله عنه، «رجع كيوم ولدته أُمُّه» من الذنوب والخطايا، وقد بيّن هذا المعنى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه مسلم من حديث عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه في إسلامه جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "يا محمد! ابسط يدك لأبايعك" يعني على الإسلام، فبسط النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يده، فأمسك عمرو يده، فقال: «ما بالك؟» فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأله، ما الذي جعلك تمسك يدي؟ قال: "أريد أن أشترط"، يعني أن أبسط يدي وأبايعك بشرط، قال« ما تشترط؟» قال: :"أن يُغفر لي ما تقدم من ذنبي"، فقال النبي ـ صلى الله عليه سلم ـ مبشراً ومبيناً: «ألم تعلم يا عمرو، أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجره تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله»[صحيح مسلم(121/192)]، وهذا موضع الشاهد، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعمرو ـ رضي الله عنه ـ في دخول الإسلام، الحج يهدم ما كان قبله، ولك أن تطلق لخيالك العنان في التصوير لبناءٍ عظيم، كبير، من الخطايا والسيئات، تراكم عبر الليالي والأيام، وتوالى بناءه عبر السنين والأعوام، كل ذلك البناء الشامخ الكبير من السيئات الذي سيحمله كاهلك وسيُثقل ظهرك يتبدَّد ويزول بالحج المبرور، فالحج يهدم ما كان قبله، هذا البناء يسقط ويزول وكأنه لم يكن بسبب الحج الذي قال فيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الحج يهدم ما كان قبله، إذاً ينبغي للحاج أن يحرص على هذه الفضيلة، وهو أن يحقق في الحج مرضات الله ـ عز وجل ـ قصداً، بأن لا يقصد إلا الله ـ عز وجل ـ وعملاً بأن يكون مهتدياً بسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما كان لله خالصاً وللنبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ متبعاً كان ذلك عند الله ـ تعالى ـ مرضيًّا مقبولاً، ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا﴾]الكهف: 110[.
فضائل عظيمة وخيراتٍ كثيرة يدركها المؤمن بأنواع من الأعمال، وهذا منها، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبلغنا وإياكم هذه المنازل، وأن يسلك بنا هذا السبيل، وأن يعيننا على الطاعة والإحسان، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
المقدم: أحسن الله إليك يا شيخ، وجزاكم خيراً.