المقدم: شيخ خالد نريد أن نعرف صفات الحج المبرور، الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة، ما صفات هذا الحج؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...
فقبل أن نتطرق إلى ما ذكرت من موضوع أِكرك على تذكيرنا بالتكبير، السنة الغائبة التي هي من السنن الثابتة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فأبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ كانا يخرجان في أيام العشر إلى الأسواق فيكبران فيكبر الناس بتكبيرهما، فتكبيرك يذكرنا بالتكبير ويذكر الإخوة والأخوات المشاهدات بذلك، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يعظمه ويذكره في هذه الأيام، فهي أفضل الأيام وأفضل ما يكون فيها هو الذكر، يعني هذه الأيام هي أفضل الأيام، وأفضل ما يكون فيها هو ذكر الله ـ تعالى ـ ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾[البقرة:203]، ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾[الحج:28]نسأل الله أن يرزقنا وإياكم ذكره وشكره وحسن عبادته.
وهذا الذكر في كل حال قاعد، وقائم، وفي البيت، وفي الأستوديو، وفي كل مكان.
المقدم: هو ما بدعة الذكر الآن بالأستوديو ما هو ببدعة يا شيخ إن شاء الله؟
الشيخ: لا، لا. أما بالنسبة للحج المبرور، الحج معروف ما هو، وهو قصد البيت الحرام تعظيمًا لله ـ تعالى ـ وإتباعًا لهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا معروف، المبرور، كيف يكون مبرورًا؟
المبرور مأخوذ من البر، والبر يُطلق على السعة، وذلك أن الإنسان إذا اشتغل بالصالحات توسعت له السبل، وتيسرت له الأمور، ولهذا يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾[البقرة:177]يعني ليس السعة، وأيضًا قول الله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ﴾[آل عمران:92]يعني السعة، ﴿حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾[آل عمران:92]، ولذلك سمي البر برًا لسعته وعظيم الفساح فيه، كل هذه المعاني تتصل بهذا اللفظ بر، الباء والراء، مادة الباء والراء، فما هو الحج المبرور؟
الحج المبرور هو الحج الصالح الذي خلا من كل محظور، كيف يتحقق الحج المبرور؟
إذًا الحج المبرور هو ما كان على هدي خالصًا لله، وعلى هدي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كيف نحققه؟
الحج المبرور يتحقق بأعمال، أو بأمور:
- الأمر الأول أن يكون خالصًا لله ـ تعالى ـ وهذا لا غرو فيه ولا عجب؛ لأن الله ـ تعالى ـ فرض الحج وابتدأه ببيان لمن الحج، فقال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[آل عمران:97]، معنى هذا أنه لابد أن يكون القصد في هذا السعي، هذا الذهاب والمجيء والانتقال هو الله ـ جل وعلا ـ ليس هناك قصد سواه، لا يعني هذا أن لا يقصد مصالح أخرى لكن المقصود القصد العبادي الرغبة والرهبة هي لله ـ جل وعلا ـ ومنه سبحانه وبحمده.
- الأمر الثاني أن يتابع هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجه، وهذا يقتضيه تعلمًا؛ لأنه لا يمكن أن يتحقق له متابعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بتعلم هديه، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا فيه مشكلة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه: «خذوا عنِّي مناسِكَكملَعلِّي لا أراكم بعدَ عامي هذا»صحيح مسلم (1297)، وكرر ذلك ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل المواقف تنبيهًا إلى أهمية متابعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يمكن للإنسان أن ينجو إلا بإتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا تصح عبادة إلا بإتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل عبادة، ولذلك قال في الصلاة مثلًا: «وصَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»صحيح البخاري (631)، فينبغي للحاج أن يحرص على سلوك هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا بالتعلم، والأمر يسير ما فيها يعني لا تحتاج إلى جامعات أو إلى أكاديميات افتح كتاب صفة حج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحرص على أن تكون كعمله، أن تعمل ما عمل.
- الثالث من الأعمال التي يحصل بها البر في الحج أو الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة أن يتجنب الإنسان محظورات الإحرام؛ لأنها مما يعكر بر الحج، الله ـ تعالى ـ يقول: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة:197]،وهذا فيه تنبيه إلى أمرين يحصل بهما البر:
* الأمر الأول: اجتناب محظورات الإحرام وهي الممنوعات الخاصة المتعلقة بالنسك كالتطيب مثلًا للمحرم، وكحلق الشعر، وما أشبه ذلك من المحظورات والممنوعات المعروفة.
* الأمر الثاني: اجتناب المعاصي على وجه الإجمال وهذا من قوله ـ تعالى ـ: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة:197]الفسوق هو المعصية في عمومها والمعصية في خصوصها، المعصية المتعلقة بالحج، والمعصية عمومًا الغيبة، مشاهد المحرم، سماع المحرم، الحقد، الحسد، العجب، الكبر، احتقار الناس، كل هذه أعمال سيئة من الفسوق الذي يمنع منه الحاج وتنافي البر.
إذًا عندنا كم من الأنصار من صفاته؟
المقدم: ثلاثة.
الشيخ: وأضفنا إليه الثلاثة الأخيرة هذا فيه أمران: ما يتعلق بممنوعات الحج محظوراته، والسيئات على وجه العموم، المعاصي على وجه العموم اجتنابها. أيضًا يعني في المقابل من ترك السيئات فعل ما أمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاصة وعامة، في الحج كالإحرام من المواقيت، وعمومًا من إقامة الصلوات فإن هذا يتحقق به بر الحج.
بقي أمر أخير وهو ما يتعلق بالمال الذي يحج به الإنسان ينبغي أن يكون مالًا طيبًا، ومعنى المال الطيب يعني أن يكون كسبه حلال، كيف كسبه حلال؟
إما أن يكون ميراث، إما أن يكون من تجارة مباحة، إما أن يكون هبة، وما أشبه ذلك من الطرق المكاسب المباحة وهي كثيرة جدًا لكن يمتنع مما حرم الله ـ تعالى ـ من الربا، من الرشاء، من السرقة، من الاختلاس وما أشبه ذلك هذه تعكر صفو الحج. هل الحج صحيح بهذه الأموال؟
الجواب: نعم الحج صحيح لكن نحن لا نبحث عن الحج الصحيح والحج الفاسد، سؤالنا عن الحج المبرور كيف يكون؟
لا يكون مبرورًا إلا إذا كان المال طيبًا مباحًا: «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا»صحيح مسلم (1015)، فهذه خمسة صفات يتحقق بها بر الحج: الإخلاص لله، متابعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترك المحرمات العامة والخاصة في الحج، فعل الواجبات العامة والخاصة بالحج، الحج من مال مباح.
المقدم: هكذا يكون الحج مبرورًا.
الشيخ: نعم.
المقدم: الحقيقة أولًا جزاك الله خير يا شيخ على هذا الإيضاح، ثانيًا كل حاج يحرص ويقصد الحقيقة وينوي أن يكون حجه مبرورًا ليحصل على هذه الجائزة، لكن والله حتى نكون يعني مخلصين وواضحين إذًا هناك شروط حتى يتحقق بها كون الحج مبرورًا، لازم ننتبه لها وأنت ذكرتها الآن واضحة والحقيقة أن كثيرًا لا أقول قليلًا بدون تحفظ يعني حجينا كثير ونرى الناس، من المسلمين يخل بكثير من هذه الشروط بصراحة، ذكرتم يعني ترك المنكرات بأنواعها وكذا يعني الناس والله يتساهلون يا شيخ، تعلم شأن الحج يعني الآن كثير من الحجاج يمشي مع الحجاج ولا يعر فما هي الخطوة التالية، كما يفعل الناس يفعل، فلعله إن شاء الله يكون هناك انتباه، ولعل الله يحقق للمسلمين حجًا مبرورًا اللهم آمين.
الشيخ: هو كثير من المسلمين يا شيخ مسعود تهفو نفسه وتشتاق للمجيء إلى هذه البقاع، ويعد نفسه أنه سيفعل وسيفعل، ثم إذا جاء غابت كل هذه الوعود وتلاشت كل هذه الأماني، السبب هو العجز والكسل اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، ينبغي لنا أن حرض وهي أيام معدودة، والله كلها أيام معدودة، الحج كم يوم يا شيخ؟
المقدم: تسعة، وعشر، وإحدى عشر لمن أراد أن يتعجل، واثنا عشر، أربع أيام.
الشيخ: ستة أيام هي.
المقدم: بالكثير أربعة.
الشيخ: نعم اللي هي اليوم الثامن وهذا سنة، وعرفة ركن الحج، العاشر وهو يوم النحر، الحادي عشر يوم القر، والثاني عشر هذا الخامس، والسادس والثالث عشر لمن أراد التأخر.
المقدم: لمن أراد أن يتأخر.
الشيخ: ستة أيام ما يقدر الواحد أن يحجز نفسه عن المحرمات، ويلتزم ويكون فترة تربية للإنسان، الناس الآن يدخلون دورات تدريبية في الكليات العسكرية، يدخلون كل 45 يوم في بعض الكليات العسكرية، يمتنع عن مباحات، وعن مستلذات ومحبوبات حتى يتروض على خشونة الجو الجديد جو العسكرية.
فكذلك نحن ينبغي أن نتربى خلال هذه الستة أيام تربية بأن نمنع أنفسنا من المحرمات، ونقبل على الطاعات، ثم سيكون لنا من الخير والبر ما نرجوه عند الله تعالى، نسأل الله لنا ولكم الهداية.
المقدم: جزاك الله خير على هذه النصيحة ونسأل الله أن ينفع بها.