6- أما حديث العباس بن مرداس فقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في (زيادة المسند) مسند أبيه: حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا عبد القاهر بن السري حدثنا عبد الله بن كنانة بن العباس بن مرداس عن أبيه أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة، فأكثر الدعاء، فأجابه الله عز وجل: {أن قد فعلت وغفرت لأمتك إلا من ظلم بعضهم بعضاً}. فقال: ((يا رب إنك قادر أن تغفر للظالم وتثيب المظلوم خيراً من مظلمته)). فلم يكن تلك العشية إلا ذا. فلما كان الغد غداة المزدلفة، فعاد يدعو لأمته فما لبث النبي صلى الله عليه وسلم أن تبسم، فقال بعض أصحابه: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي. ضحكت في ساعة لم تكن تضحك فيها؛ فما أضحكك؟ أضحك الله سنك. قال: تبسمت من عدو الله إبليس، حين علم أن الله عز وجل قد استجاب لي في أمتي، وغفر للظالم، أهوى يدعو بالثبور والويل، ويحثو التراب على وجهه ورأسه فتبسمت مما يصنع من جزعه.
7- وقال الطبراني في (المعجم الكبير): حدثنا معاذ بن المثنى وآخرون، قالوا: أنبأنا أبو الوليد الطيالسي زاد معاذ: وأنبأنا عيسى بن إبراهيم قالا: حدثنا عبد القاهر بن السري عن ابن كنانة بن عباس بن مرداس السلمي عن أبيه عن جده عباس بن مرداس، وذكره.
وقال في روايته: ((إلا ظلم بعضهم بعضاً، فأما ما بيني وبينهم فقد غفرتها)).
وقال فيها: ((فلما كانت غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه: إني قد غفرت. قال: فتبسم)).
فذكره مثله إلى قوله: ((على رأسه)).
8- وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) ولفظه كلفظ رواية الطبراني، وفي أكثر الروايات لم يسم ابن كنانة.
وقد سماه بعضهم عن عبد القاهر بن السري فقال ابن ماجة: حدثنا أيوب بن محمد الهاشمي، حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي، حدثنا عبد الله بن كنانة بن عباس بن مردان السلمي‘ أن أباه أخبره عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة، فأجيب: ((إني قد غفرت لهم ما خلا الظالم، فإني آخذ للمظلوم منه)). فقال: ((أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم)). فلم يجب عشية عرفة، فلما أصبح بالمزلدفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قال سر، فقال له أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، بأبي أنت وأمي يا رسول الله. إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها؛ فما الذي أضحكك؟ أضحك الله سنك. قال: ((إن عدو الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي، وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه، ويدعو بالويل والثبور، فضحكت لما رأيته من جزعه)).
9- وأخرجه ابن عدي عن علي بن سعيد عن أيوب بن محمد بهذا السند، وسمى ابن كنانة عبد الله كما عند ابن ماجة.
وقال في سياقه عن أبيه العباس بن مرداس وفيه: دعا ربه، وفيه: أن الله أجابه بالمغفرة لأمته إلا ظلم بعضهم بعضاً، فإنه يأخذ للمظلوم من الظالم، فأعاد الدعاء، فقال: ((أي رب إنك قادرٌ أن تثيب المظلوم خيراً من مظلمته الجنة، وتغفر لهذا الظالم)).
وفيه: فأجابه الله عز وجل: ((إني قد فعلت)) ولم يقل: أو سر.
وفيه: ضحكت أن الخبيث إبليس حين علم أن الله استجاب دعائي.
10- وأخرج أبو داود هذا الحديث في ((السنن)) فقال في كتاب الأدب:
حدثنا عيسى بن إبراهيم البركي، حدثنا عبد القاهر بن السري، عن ابن كنانة بن عباس بن مرداس، عن أبيه عن جده: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر أو عمر: أضحك الله سنك، وساق الحديث.
11- وسكت عليه أبو داود فهو صالح عنده، وقد أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في ((الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين)) من طرق عن عبد القاهر بن السري.
12- قال البيهقي هذا الحديث له شواهد كثيرة، قد ذكرناها في كتاب ((البعث))، فإن صح بشواهده ففيه الحجة.
قلت: جاء أيضاً عن عبادة بن الصامت و أنس بن مالك و عبد الله بن عمر بن الخطاب وأبي هريرة و زيد جد عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد.
13- أما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه عبد الرزاق في (مصنفه)، والطبراني في (المعجم الكبير) من طريقه، عن معمر عن من سمع، قتادة يقول: حدثنا خلاس بن عمرو عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أيها الناس إن الله عز وجل تطول عليكم في هذا اليوم، فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا باسم الله)). فلما كان بجمع قال: ((إن الله قد غفر لصالحيكم، وشفع صامحيكم في طالحيكم، ينزل المغفرة فيعمهم، يفرق المغفرة في الأرض، فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم، فإذا نزلت المغفرة دعا هو وجنوده بالويل. يقول: كنت أستفزهم حقباً من الدهر، ثم جاءت المغفرة، فغشيتهم؛ فيتفرقون وهم يدعون بالويل والثبور)).
14- ورجال هذا السند ثقات، إلا الذي سمع قتادة، ولم يسمه معمر فإن كان ثقة فهو على شرط الصحيح؛ وإن كان ضعيفاً فهو عاضد للسند الذي قبله، وقد سمع معمر من قتادة كثيراً، لكنه بين أنه بينه وبين قتادة فيه واسطة.
15- وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في (مسنده)، قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج -هو السامي البصري- أنبأنا صالح المري، عن يزيد الرقاشي، عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تطول على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة)) يقول: يا ملائكتي. انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً أقبلوا، يضربون إلي من كل فج عميق، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنهم جميعا ما سألوني غير التباعات التي بينهم. فإذا أفاض القوم إلى جمع، ودفعوا، وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله تعالى؛ فيقول الله تعالى: يا ملائكتي عبادي وقوفا فعادوا في الرغبة والطلب؛ فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت محسنهم جميع ما سألوني، وكفلت عنهم التبعات التي بينهم)). وهذا السند ضعيف، فإن صالحاً المري وشيخه ضعيفان.
16- وقد أخرجه أحمد بن منيع في (مسنده) من وجه آخر عن صالح المري. وذكره الحافظ المنذري في (الترغيب) من رواية عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وقد كادت الشمس أن تغرب، فقال: ((يا بلال، أنصت الناس)). فقال بلال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فنصت الناس، فقال: ((معاشر الناس، أتاني جبريل آنفاً، وأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله عز وجل، غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات)). فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله. هذا لنا خاصة؟ قال: ((هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة)). فقال عمر: كثر والله خير الله وطاب.
17- قلت: إن ثبت سنده إلى عبد الله بن المبارك فهو على شرط الصحيح.
فقد أخرج البخاري من رواية الزبير بن عدي حديثاً ومسلم من روايته حديثاً آخر. وقد أخرج مسدد بن مسرهد في (مسنده) لهذه الطريق شاهداً من وجه آخر مرسل رجاله ثقات، ولكنه ليس بتمامه.
18- وأما حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}. عن مجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى السماء الدنيا في الملائكة فيقول لهم: ((عبادي آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي ما جزاؤهم؟ فيقال: أن تغفر لهم.فذلك قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}.
19- ثم قال: حدثني مسلم بن حاتم الأنصاري، حدثنا بشار بن بكير الحنفي، أنبأنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة، فقال: ((أيها الناس. إن الله تطول عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم، إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم الله)). فلما كان غداة جمع، قال: ((أيها الناس، إن الله قد تطول عليكم في مقامكم فقبل من محسنكم، ووهب سيئكم لمحسنكم والتبعات عوضها من عنده، أفيضوا على اسم الله)). فقال أصحابه: يا رسول الله. أفضت بنا بالأمس حزيناً، وأفضت بنا اليوم فرحاً مسروراً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إني سألت ربي بالأمس شيئاً لم يجد لي به، سألته التبعات فأبى علي، فلما كان اليوم أتاني جبريل فقال: إن ربك يقرؤك السلام، ويقول: ضمنت التبعات وعوضتها من عندي)).
20- وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) عن محمد بن عبد الرحمن بن مخلد، عن سهل بن موسى، حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري.
وأخرجه أبو نعيم أيضاً من ((مسند الحسن بن سفيان)) قال: حدثنا إسماعيل بن هود، حدثنا أبو هشام، حدثنا عبد الرحيم بن هارون الغساني، عن عبد العزيز بن أبي رواد، فذكره باختصار.
21- ولحديث ابن عمر طرق أخرى أخرجها أبو حاتم ابن حبان في (كتاب الضعفاء) من رواية يحيى بن عنبسة، عن مالك عن نافع، عن ابن عمر قال: وقف بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفات، فلما كان عند الدفعة استنصت الناس. فأنصتوا. فقال: ((أيها الناس، إن ربكم تطول عليكم في يومكم هذا)).
فذكر الرواية السابقة بطولها إلى قوله: ((ادفعوا بسم الله)). وزاد: فقام أعرابي فأخذ بزمام الناقة فقال: يا رسول الله. والذي بعثك بالحق ما بقي من عمل إلا عملته، وإني لأحلف على اليمين الفاجرة، فهل أدخل فيمن وقف. فقال: ((يا أعرابي. أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم بأبي أنت. فقال: يا أعرابي. إنك إن تحسن فيما تستأنف يغفر لك)).
22- وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو حاتم ابن حبان أيضاً في (كتاب الضعفاء) والدارقطني في (غرائب مالك مما ليس في الموطأ) من رواية أبي عبد الغني الحسن بن علي الأردني، عن عبد الرزاق، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج، وإذا كان ليلة المزدلفة غفر الله للتجار، فإذا كان يوم منى غفر الله للحمالين، فإذا كان يوم جمرة العقبة غفر الله للسؤال، فلا يشهد ذلك الموضع أحد إلا غفر له)).
23- قال ابن حبان في (الضعفاء) .. ..
وقال الدارقطني: هذا حديث باطل، وضعه أبو عبد الغني على عبد الرزاق.
24- وأما حديث زيد فأخرجه أبو عبد الله ابن منده في: (كتاب الصحابة) من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن صالح بن عبد الله بن صالح. عن عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد، عن أبيه عن جده قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال: ((أيها الناس. قد تطول الله عليكم في يومكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، وغفر لكم ما كان بينكم)).