×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / الحديث وعلومه / ورثة الأنبياء / الدرس(13) فأحوال العارفين كلها تدل على أنهم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

يقول رحمه الله :"فأحوال العارفين كلها تدل على أنهم لم يكونوا يلتفتون إلى هذه الخوارق وإنما كان اهتمامهم بمعرفة الله وخشيته ومحبته والأنس به والشوق إلى لقاءه وطاعته، والعلماء الربانيون يشاركون في ذلك ويزيدون عليهم بالعلم بأمر الله وبدعوة الخلق إلى الله. وهذا هو الفضل العظيم عند الله وملائكته ورسله كما قال بعض السلف:" من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء. وإذا ظهر فضل العالم على العابد فإنما المراد تفضيله على العابد بعلم، فأما العابد بغير علم فإنه مذموم.  ولهذا شبهه السلف بالسائر على غير طريق، وبأنه يفسد أكثر مما يصلح، وبأنه كالحمار في الطاحون، يدور حتى يهلك من التعب ولا يبرح مكانه، وهذا أشد ظهورا ووضوحا من أن يحتاج إلى بسط القول فيه". إذا: في الموازنة بين العلماء والعباد هو في العباد الذين عبدوا الله تعالى بعلم، أما الذين عبدوا الله تعالى بجهل وبدع وخرافات وأهواء فهؤلاء خارجون عن المفاضلة، وهم الذين ورد كلام العلماء في ذمهم ووصفهم بما ذكر المؤلف رحمه الله شيئا منه في هذا المقطع. قال رحمه الله:"ولنضرب هاهنا مثلا جامعا لأحوال الخلق كلهم بالنسبة إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وانقسامهم في إجابة دعوته إلى سابق ومقتصد وظالم لنفسه، وبه يظهر فضل العلماء الربانيين على غيرهم من الناس أجمعين. فنقول: مثل ذلك كمثل رسول قدم من بلد الملك الأعظم فأدى رسالة الملك إلى سائر البلدان، وظهر لهم صدقه في رسالته، فكان مضمون رسالته التي أداها عن الملك الأعظم إلى رعيته أن هذا الملك لا إحسان أتم من إحسانه، ولا عدل أكمل من عدله، ولا بطش أشد من بطشه، وأنه لابد أن يستدعي الرعية كلهم إليه، ليقيموا عنده، فمن قدم عليه بإحسان جازاه بإحسانه أفضل الجزاء، ومن قدم عليه بإساءة جازاه بإساءته أشد الجزاء، وأنه يحب كذا وكذا، ويكره كذا وكذا، ولم يدع شيئا مما تعمله الرعية إلا أخبرهم بما يحبه الملك منه وبما يكرهه، وأمرهم بالتجهز والسير إلى دار الملك التي فيها الإقامة، وأخبرهم بخراب جميع البلدان سوى ذلك البلد، وأن من لم يتجهز بالسير بعث إليه الملك من يزعجه عن وطنه وينقله منه على أسوأ حال، وجعل يصف صفات هذا الملك الحسنى من الجمال والكمال والجلال والإفضال، فانقسم الناس في إجابة هذا الرسول الداعي إلى الملك أقساما عديدة". المثل المضروب واضح في بيان تكميل الرسول البيان للناس، حيث إن الرسول أتى إلى الناس فقال :" إن هذا الملك لا إحسان أتم من إحسانه، ولا عدل أكمل من عدله ..."، إلى آخر ما ذكر . بعد هذا التوضيح والبيان الشامل البين الذي بين فيه صفات الملك وبين فيه الطريق الذي يحب الملك سلوكه انقسم الناس في إجابة هذا الرسول الداعي إلى الملك أقساما عديدة. وهذا المثل للتقريب والتصوير. يقول رحمه الله :"فمنهم من صدقه ولم يكن له هم إلا السؤال عما يحب هذا الملك من الرعية واستصحابه إلى داره عند السير إليه فاشتغل بتخليصه لنفسه وبدعاء من يمكنه دعائه من الخلق إلى ذلك، وعما يكرهه الملك فاجتنبه وأمر الناس باجتنابه وجعل همه الأعظم السؤال عن صفات الملك وعظمته وإفضاله فزاد بذلك محبته لهذا الملك، وإجلاله والشوق إلى لقاءه فارتحل إلى الملك مستصحبا لأنفس ما قدر عليه مما يحبه الملك ويرتضيه، واستصحب معه ركبا عظيما على مثل حاله سار بهم إلى دار الملك، وقد عرف من جهة ذلك الدليل وهو الرسول الصادق أقرب الطرق التي يتوصل بالسير فيها إلى الملك، وما ينفع من التزود للمسير فيها، وعمل بمقتضى ذلك في السير هو ومن اتبعه فهذه صفة العلماء الربانيين الذين اهتدوا وهدوا الخلق معهم إلى طريق الله، وهؤلاء يقدمون على الملك قدوم الغائب على أهله المنتظرين لقدومه المشتاقين إليه أشد الشوق. وقسم آخرون: اشتغلوا للتأهب لمسيرهم بأنفسهم إلى الملك ولم يتفرغوا لاستصحاب غيرهم معهم، وهذه صفة العباد الذين تعلموا ما ينفعهم في خاصة أنفسهم، واشتغلوا بالعمل بمقتضاه. وقسم آخرون تشبهوا بأحد القسمين وأظهروا للناس أنهم منهم، وأن قصدهم التزود للرحيل، وإنما كان قصدهم استيطان دارهم الفانية، وهم العلماء والعباد المراءون بأعمالهم لينالوا بذلك مصالح دارهم التي هم بها مستوطنون، وحال هؤلاء عند الملك الأعظم إذا قدموا عليه شر حال، ويقال لهم : اطلبوا جزاء أعمالكم ممن عملتم لهم ، فليس لكم عندنا من خلاق، وهم أول من تسعر بهم النار من أهل التوحيد". دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في خبر أول من تسعر بهم النار ، والحديث في "صحيح الإمام مسلم"+++"صحيح مسلم" (1905).--- وأنهم: الشهيد، ومن تعلم العلم ليقال عالم، ومن أنفق ليقال منفق، هؤلاء الثلاثة هم أول من تسعر بهم النار من أهل التوحيد كما ذكر المؤلف رحمه الله . وهؤلاء اشتغلوا بصورة العمل الصالح، علم أو عبادة، لكنهم لم يكونوا قاصدين الله تعالى بهذه الأعمال، بل قصدوا مكسبا من مكاسب الدنيا، تعلموا العلم ليقال علماء، جاهدوا في سبيل الله ليقال جريء، أنفقوا أموالهم في الصالحات ليقال : كرماء منفقين. قد قال الله تعالى لهؤلاء كلهم بعد أن عرفهم نعمه عليهم  "فقد قيل"، ثم يسحبون إلى النار على وجوههم نعوذ بالله من الخذلان. فهؤلاء هم القسم الثالث وهم من اشتغل بصورة العمل الصالح دون حقيقته. قال :" وقسم آخرون فهموا ما أراده الرسول من رسالة الملك، لكنهم غلب عليهم الكسل والتقاعد عن التزود للسفر واستصحاب ما يحب الملك واجتناب ما يكرهه، وهؤلاء العلماء الذين لا يعملون بعلمهم وهم على شفا هلكة، وربما انتفع غيرهم بمعرفتهم ووصفهم لطريق السير فسار المتعلمون فنجوا، وانقطع بمن تعلموا منهم الطريق فهلكوا. وقسم آخرون: صدقوا الرسول فيما دعاهم إليه الملك لكنهم لم يتعلموا منه طريق السير ولا معرفة تفاصيل ما يحبه الملك وما يكرهه، فساروا بأنفسهم ورموا نفوسهم في طرق شاقة ومخاوف وقفار واعرة فهلك أكثرهم وانقطعوا في الطريق ولم يصلوا إلى دار الملك ، وهؤلاء هم الذين يعملون بغير علم. وقسم لم يهتم بهذه الرسالة ولا رفعوا بها رأسا واشتغلوا بمصالح إقامتهم في أوطانهم التي أخبر الرسول بخرابها، وهؤلاء منهم من كذب الرسول بالكلية، ومنه من صدقه بالقول ولكنه لم يشتغل بمعرفة ما دل عليه ولا بالعمل به، وهؤلاء عموم الخلق المعرضون عن العلم والعمل، ومنهم الكفار والمنافقون والظالمون لأنفسهم. فلم يشعروا إلا وقد طرقهم داعي الملك فأخرجهم عن أوطانهم واستدعاهم إلى الملك فقدموا عليه قدوم الآبق على سيده الغضبان. فإذا تأملت أقسان الناس المذكورة لم تجد أشرف ولا أقرب عند الملك من العلماء الربانيين، فهم أفضل الخلق بعد المرسلين". هذا المثل المضروب وإن كان فيه طول ولكنه مثل يقرب المعنى ويدني المقصود حتى يدركه القارئ والسامع. فإنه مثل بهذا المثل القريب الذي يتضح به فضل العلماء الربانيين، العلماء بالله تعالى، والعلماء بأمره جل وعلا، وأنهم أفضل السائرين، وأسبق العاملين إلى الله تعالى. ثم قال رحمه الله:"وقوله صلى الله عليه وسلم «وإن العلماء ورثة الأنبياء"، هذا صلة شرح الحديث ، حديث أبي الدرداء الذي هو موضوع هذه الرسالة. فيقول المؤلف رحمه الله تعالى :"وقوله  صلى الله عليه وسلم «وإن العلماء ورثة الأنبياء "، هذا بيان لشرحه. نعم :"يعني أنهم ورثوا ما جاء به الأنبياء من العلم، فخلفوا الأنبياء في أممهم  بالدعوة إلى الله وإلى طاعته والنهي عن معاصي الله، والذب عن دينه. وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«رحمة الله على خلفائي، فقالوا يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال :« الذين يحيون سنتي من بعدي ويعلمونها عباد الله»+++ أخرجه ابن عساكر (51/61) .---. وقد روي نحوه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا أيضا. فالعلماء في مقام الرسل بين الله وبين خلقه، كما قال ابن المنكدر:" إن العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل عليهم". وقال ابن عيينة:" أعظم الناس منزلة من كان بين الله وبين خلقه، الأنبياء والعلماء". وقال سهل التستري:" من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء يجيء الرجل فيقول : يا فلان، أيش تقول في رجل حلف على امرأته كذا، فيقول : طلقت امرأته، فيجيء آخر فيقول : ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا، فيقول : ليس يحنث بهذا القول، وليس هذا إلا لنبي أو عالم فاعرفوا لهم ذلك". ورأت امرأة من العابدات في زمن الحسن كأنها تستفتى في المستحاضة، فقيل لها: أتستفتين وفيكم الحسن، وفي يده خاتم جبرائيل عليه السلام". وفي هذا إشارة إلى ما ورثه الحسن ما جاء به جبرائيل من الوحي بخاتمه. ورأى بعض العلماء النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: يا رسول الله قد اختلف علينا في مالك والليث أيهما أعلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: مالك ورث جدي، يعني ورث علمي". ورأى بعضهم في المنام النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا في المسجد والناس حوله، ومالك قائم بين يديه، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسك، وهو يأخذ منه قبضة فيدفعها إلى مالك، ومالك ينشرها على الناس، فأؤل ذلك لمالك بالعلم واتباع السنة. ورأى الفضيل بن عياض النبي صلى الله عليه وسلم  في منامه جالسا وإلى جنبه فرجة فجاء ليجلس فيها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم  هذا مجلس  أبي إسحاق الفزاري فسئل بعضهم أيهما أفضل: كان أفضل أبو إسحاق أو الفضيل، فقال: كان فضيل رجل نفسه، وكان أبو إسحاق رجل عامة. يشير إلى أنه كان عالما ينتفع الناس بعلمه ، وكان فضيل عابدا نفعه لنفسه. والعلماء في الآخرة يتلون الأنبياء في الشفاعة وغيرها، كما في الترمذي عن عثمان وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم«يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء»+++ أخرجه ابن ماجة (4313)، قال البوصيري (4/260) :" هذا إسناد ضعيف". وأخرجه الخطيب (11/177) ، والديلمي (5/519)، ؛(8946) .---. فالعالم إذا علم من يقوم به بعده فقد خلف علما نافعا وصدقة جارية . وقال مالك بن دينار: بلغنا أنه يقال للعابد ادخل الجنة، ويقال للعالم قف فاشفع+++ أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" ()، وأورده الألباني في "الضعيفة" (6805)، وقال: موضوع، ونسبه لابن عدي في " الكامل " ( 6/ 438 )، والبيهقي في " شعب الإيمان " (2/ 268) ح( 7 71 1 )---، وقد روي هذا مرفوعا من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف جدا. - وللعلماء الكلام في الموقف إذا اشتبهت الأمور على الناس، فإذا ظن أهل الموقف أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة بين أهل العلم أن الأمر على خلاف ذلك كما قال تعالى:﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون (55) وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث﴾+++ سورة الروم:56.---. - والعلماء يخبرون يوم القيامة بخزي المشركين كما قال تعالى:﴿ ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين﴾+++ سورة النحل:27.---. وقد روي في حديث مرفوع إن الناس يحتاجون في الجنة إلى العلماء كما كانوا يحتاجون إليهم في الدنيا ، إذا استدعى الرب أهل الجنة لزيارته، فقال سلوني ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء منهم، فيقولون : سلوه رؤيته، فما في الجنة أعظم منها+++ أخرجه ابن عساكر (51/50) والديلمي (1/230)ح(880) ، وأورده الذهبي في الميزان (6/21، ترجمة 7072 مجاشع بن عمرو) وقال : وهذا موضوع "، وأورده الألباني في "ضعيف الجامع" (1832)، وقال :" موضوع".---. وهذا كله يبين أن لا درجة بعد النبوة أفضل من درجة العلماء. - وقد يطلق اسم العلماء ويراد إدخال الأنبياء فيهم كما في قوله تعالى : ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط﴾+++ سورة آل عمران:18.---. فلم يفرد الأنبياء بالذكر بل أدخلهم في مسمى العلماء، وكفى بهذا شرفا للعلماء أنهم يسمون باسم يجتمعون هم والأنبياء فيه. ومن هنا قال من قال: إن العلماء العاملين هم أولياء الله، كما قال أبو حنيفة والشافعي:"إن لم يكن العلماء والفقهاء أولياء الله فليس لله ولي". وقال الإمام أحمد في أهل الحديث:" إنهم هم الأبدال". يقول رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم :"وإن العلماء ورثة الأنبياء"، إن العلماء ورثة الأنبياء وهم الذين كملوا العلم بالله تعالى والعلم بأمره، هم "ورثة الأنبياء" يعني هم الذين ورثوا الأنبياء في مقامهم، وإن لم يبلغوا منزلتهم. الوراثة هنا سيأتي بيانها ولذلك سيعقد المؤلف رحمه الله مقطعا في كلامه لبيان ما الذي ورثه الأنبياء، "فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم". هذا المقطع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيان أن العلماء هم ورثة الأنبياء. وفيه تفضيل العلماء على سائر طبقات الأمة، فإنهم بلا شك أفضل من العباد لأنه لم يجعلهم ورثة للعباد، إنما جعلوا ميراث النبوة، وجعلوا ميراث النبوة في العلماء " إن العلماء ورثة الأنبياء". يعني أنهم ورثوا ما جاء به الأنبياء من العلم، فخلفوا الأنبياء في أممهم بالدعوة إلى الله وإلى طاعته، والنهي عن معاصي الله والذب عن دينه. إذا الوراثة هي القيام بمسؤوليات الأنبياء، القيام بعمل النبوة. الأنبياء  في نبوتهم من هداية الخلق ودلالتهم وإرشادهم والقيام على حدود الله تعالى. وفي مراسيل الحسن وهي من المراسيل الضعيفة كما سيأتي إن شاء الله تعالى "«رحمة الله على خلفائي ، فقالوا يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال:« الذين يحيون سنتي من بعدي ويعلمونها عباد الله»". ثم بعد ذلك قال:"فالعلماء في مقام الرسل بين الله وبين خلقه، كما قال ابن المنكدر"، الواسطة بين الله تعالى وبين الخلق نوعان: واسطة جاءت الشريعة بإقرارها، بل لا غنى للناس عنها، وهي وساطة الرسل وخلفاؤهم. وهذه وساطة بيان ودلالة وإرشاد وهداية وبركة . والنوع الثاني: الوساطة التي نهى الله تعالى عنها، وحذر منها وهي الوساطة الشركية التي جعلها المشركون بينهم وبين الله تعالى فينزلون حوائجهم بالخلق ويزعمون أنهم وسائط كما قال الله تعالى:﴿ والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾+++ سورة الزمر:3.---. فهذا النوع من الوساطة هو الذي نهى الله عنه، وحذر منه، ونهى عنه. الكلام الآن في النوع الأول من الوساطة، وهو وساطة الأنبياء وخلفاؤهم، وذلك بالدلالة على الله تعالى والتعريف به. يقول:"فالعلماء في مقام الرسل بين الله وبين خلقه"، وذلك أنهم خلفاء الرسل. "كما قال ابن المنكدر:" إن العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل عليهم"، أي كيف يكون واسطة بين الله تعالى وبين خلقه، وأفضل السبيل ما ذكره المؤلف سابقا من قول علي :" الفقيه حق الفقيه هو الذي لم يجري الناس على معصية الله، ولا يقطع أملهم في رحمة الله تعالى "، أي لا ييئسهم من رحمة الله تعالى، بل يكون حاملا لهم على الطاعة مبينا لهم ما يجب عليهم من حقوق الله تعالى. " وقال ابن عيينة:" أعظم الناس منزلة من كان بين الله وبين خلقه، الأنبياء والعلماء". وقال سهل التستري:" من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء"، وهذا فيه بيان عظيم الجلوس للعلم وأنه جلوس في مقام النبوة. ثم ذكر الآثار من المنامات المنقولة عن بعض السلف، وهذا ذكرنا أنه يذكر على وجه الاستئناس لا على وجه الاستقلال في الاستدلال. قال رحمه الله بعد ذلك في بيان فضل العالم على العابد، وفضل العلماء وعلو منزلتهم وأنهم أعلى طبقات الأمة :"والعلماء في الآخرة يتلون الأنبياء في الشفاعة"، أي يأتون بعدهم في الشفاعة ونفع الخلق، وذلك لما رواه "الترمذي عن عثمان وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم « يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء»"، وهذا الحديث إسناده ضعيف، فيه علاق بن أبي مسلم، عن أبان بن عثمان، وعلاق هذا فيه جهالة، قال عنه في "تهذيب التهذيب" "مجهول". وأما الرواي عنه وهو عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، فقد قال عنه الحافظ ابن حجر :" وهو أحد الضعفاء". هذا الحديث في إسناده ضعف، ومنزلة العلماء تعرف من غير هذا الحديث. أيضا استدل لبيان عظيم منزلة العلماء أنهم يتكلمون يوم القيامة، ولا يتكلم إلا أصحاب المنازل العليا يوم القيامة، ولذلك قال :"وللعلماء الكلام في الموقف إذا اشتبهت الأمور على الناس"، واستدل بقوله تعالى ﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة﴾، يعني في حياتهم،﴿ كذلك كانوا يؤفكون - أي يصرفون- (55) وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون﴾،  وكذلك يتكلمون ويخبرون بالخزي لأهل الكفر ، قال تعالى : ﴿قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين﴾،وذكر الحديث. قال :"وقد روي في حديث مرفوع إن الناس يحتاجون في الجنة إلى العلماء كما كانوا يحتاجون إليهم في الدنيا"، هذا الحديث حديث موضوع، وليس بحديث نبوي، فهو من حديث مجاشع بن عمرو، عن محمد بن الزبرقان، عن أبي الزبير، عن جابر. ومجاشع بن عمر له كتاب موضوع، قال عنه ابن معين : رأيته أحد كذابين، وقال عنه العقيلي:" حديثه منكر". المقصود أن هذا الحديث موضوع كما ذكر ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله في "الميزان". ثم قال :" وقد يطلق اسم العلماء"، هذا الوجه الرابع الذي ذكره المؤلف في بيان فضل العلماء وأنهم يلون الأنبياء في المنزلة "﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط﴾، فجمع الله تعالى بين الأنبياء وغيرهم بهذا الوصف، فقول﴿ وأولو العلم﴾ يشمل الأنبياء، فقوله رحمه الله :" فلم يفرد الأنبياء بالذكر بل أدخلهم في مسمى العلماء ، وكفى بهذا شرفا للعلماء أنهم يسمون باسم يجتمعون هم والأنبياء فيه". " ومن هنا قال من قال : إن العلماء العاملين هم أولياء الله"، وذكر كلام أبي حنيفة والشافعي وأحمد. وفي كلام أحمد :"وقال الإمام أحمد في أهل الحديث :" إنهم هم الأبدال"، الأبدال يجمع بدل، والبدل هم الذين يخلفون الأنبياء في الدلالة والبيان، وهداية الخلق، ولذلك وصفوا بالأبدال. وقد ورد فيهم حديث ضعيف أنهم أربعون وأنهم في الشام، لكن لا يصح في ذلك شيء ، والحديث ضعيف باتفاق أهل الحديث. لكن جاء وصفهم بالأبدال في كلام المتقدمين من السلف. ومقصودهم بالأبدال: - إما أنهم الذين يخلفون الأنبياء في أممهم ، فهم بدل عن الأنبياء. - وإما أنهم يخلف بعضهم بعضا، يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، فإذا مات عالم قام آخر في الدلالة والبيان. - والمعنى الثالث: أنهم بدلوا السيئات بالحسنات، بدلوا أعمالهم السيئة وأصلحوها بالعمل الصالح. هذه ثلاث معان للأبدال في كلام العلماء.

المشاهدات:4058

يقول رحمه الله :"فأحوال العارفين كلها تدل على أنهم لم يكونوا يلتفتون إلى هذه الخوارق وإنما كان اهتمامهم بمعرفة الله وخشيته ومحبته والأنس به والشوق إلى لقاءه وطاعته، والعلماء الربانيون يشاركون في ذلك ويزيدون عليهم بالعلم بأمر الله وبدعوة الخلق إلى الله.

وهذا هو الفضل العظيم عند الله وملائكته ورسله كما قال بعض السلف:" من علم وعمل وعلَّم فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء.
وإذا ظهر فضل العالم على العابد فإنما المراد تفضيله على العابد بعلم، فأما العابد بغير علم فإنه مذموم. 
ولهذا شبَّهه السلف بالسائر على غير طريق، وبأنه يفسد أكثر مما يصلح، وبأنه كالحمار في الطاحون، يدور حتى يهلك من التعب ولا يبرح مكانه، وهذا أشد ظهوراً ووضوحاً من أن يحتاج إلى بسط القول فيه".
إذاً: في الموازنة بين العلماء والعباد هو في العباد الذين عبدوا الله تعالى بعلم، أما الذين عبدوا الله تعالى بجهل وبدع وخرافات وأهواء فهؤلاء خارجون عن المفاضلة، وهم الذين ورد كلام العلماء في ذمهم ووصفهم بما ذكر المؤلف رحمه الله شيئاً منه في هذا المقطع.
قال رحمه الله:"ولنضرب هاهنا مثلاً جامعاً لأحوال الخلق كلهم بالنسبة إلى دعوة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانقسامهم في إجابة دعوته إلى سابق ومقتصد وظالم لنفسه، وبه يظهر فضل العلماء الربانيين على غيرهم من الناس أجمعين.
فنقول: مثل ذلك كمثل رسول قدم من بلد الملك الأعظم فأدى رسالة الملك إلى سائر البلدان، وظهر لهم صدقه في رسالته، فكان مضمون رسالته التي أداها عن الملك الأعظم إلى رعيته أن هذا الملك لا إحسان أتم من إحسانه، ولا عدل أكمل من عدله، ولا بطش أشد من بطشه، وأنه لابد أن يستدعي الرعية كلهم إليه، ليقيموا عنده، فمن قدم عليه بإحسان جازاه بإحسانه أفضل الجزاء، ومن قدم عليه بإساءة جازاه بإساءته أشد الجزاء، وأنه يحب كذا وكذا، ويكره كذا وكذا، ولم يدع شيئاً مما تعمله الرعية إلا أخبرهم بما يحبه الملك منه وبما يكرهه، وأمرهم بالتجهز والسير إلى دار الملك التي فيها الإقامة، وأخبرهم بخراب جميع البلدان سوى ذلك البلد، وأن من لم يتجهز بالسير بعث إليه الملك من يزعجه عن وطنه وينقله منه على أسوأ حال، وجعل يصف صفات هذا الملك الحسنى من الجمال والكمال والجلال والإفضال، فانقسم الناس في إجابة هذا الرسول الداعي إلى الملك أقساماً عديدة".
المثل المضروب واضح في بيان تكميل الرسول البيان للناس، حيث إن الرسول أتى إلى الناس فقال :" إن هذا الملك لا إحسان أتم من إحسانه، ولا عدل أكمل من عدله ..."، إلى آخر ما ذكر .
بعد هذا التوضيح والبيان الشامل البيِّن الذي بيَّن فيه صفات الملك وبيَّن فيه الطريق الذي يحب الملك سلوكه انقسم الناس في إجابة هذا الرسول الداعي إلى الملك أقساماً عديدة.
وهذا المثل للتقريب والتصوير.
يقول رحمه الله :"فمنهم من صدقه ولم يكن له هم إلا السؤال عما يحب هذا الملك من الرعية واستصحابه إلى داره عند السير إليه فاشتغل بتخليصه لنفسه وبدعاء من يمكنه دعائه من الخلق إلى ذلك، وعما يكرهه الملك فاجتنبه وأمر الناس باجتنابه وجعل همه الأعظم السؤال عن صفات الملك وعظمته وإفضاله فزاد بذلك محبته لهذا الملك، وإجلاله والشوق إلى لقاءه فارتحل إلى الملك مستصحباً لأنفس ما قدر عليه مما يحبه الملك ويرتضيه، واستصحب معه ركباً عظيماً على مثل حاله سار بهم إلى دار الملك، وقد عرف من جهة ذلك الدليل وهو الرسول الصادق أقرب الطرق التي يتوصل بالسير فيها إلى الملك، وما ينفع من التزود للمسير فيها، وعمل بمقتضى ذلك في السير هو ومن اتبعه فهذه صفة العلماء الربانيين الذين اهتدوا وهدوا الخلق معهم إلى طريق الله، وهؤلاء يقدمون على الملك قدوم الغائب على أهله المنتظرين لقدومه المشتاقين إليه أشد الشوق.
وقسم آخرون: اشتغلوا للتأهب لمسيرهم بأنفسهم إلى الملك ولم يتفرغوا لاستصحاب غيرهم معهم، وهذه صفة العباد الذين تعلموا ما ينفعهم في خاصة أنفسهم، واشتغلوا بالعمل بمقتضاه.
وقسم آخرون تشبهوا بأحد القسمين وأظهروا للناس أنهم منهم، وأن قصدهم التزود للرحيل، وإنما كان قصدهم استيطان دارهم الفانية، وهم العلماء والعباد المراءون بأعمالهم لينالوا بذلك مصالح دارهم التي هم بها مستوطنون، وحال هؤلاء عند الملك الأعظم إذا قدموا عليه شر حال، ويقال لهم : اطلبوا جزاء أعمالكم ممن عملتم لهم ، فليس لكم عندنا من خلاق، وهم أول من تسعر بهم النار من أهل التوحيد".
دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في خبر أول من تسعر بهم النار ، والحديث في "صحيح الإمام مسلم""صحيح مسلم" (1905). وأنهم: الشهيد، ومن تعلم العلم ليقال عالم، ومن أنفق ليقال منفق، هؤلاء الثلاثة هم أول من تسعر بهم النار من أهل التوحيد كما ذكر المؤلف رحمه الله .
وهؤلاء اشتغلوا بصورة العمل الصالح، علم أو عبادة، لكنهم لم يكونوا قاصدين الله تعالى بهذه الأعمال، بل قصدوا مكسباً من مكاسب الدنيا، تعلموا العلم ليقال علماء، جاهدوا في سبيل الله ليقال جريء، أنفقوا أموالهم في الصالحات ليقال : كرماء منفقين.
قد قال الله تعالى لهؤلاء كلهم بعد أن عرَّفهم نعمه عليهم  "فقد قيل"، ثم يسحبون إلى النار على وجوههم نعوذ بالله من الخذلان.
فهؤلاء هم القسم الثالث وهم من اشتغل بصورة العمل الصالح دون حقيقته.
قال :" وقسم آخرون فهموا ما أراده الرسول من رسالة الملك، لكنهم غلب عليهم الكسل والتقاعد عن التزود للسفر واستصحاب ما يحب الملك واجتناب ما يكرهه، وهؤلاء العلماء الذين لا يعملون بعلمهم وهم على شفا هلكة، وربما انتفع غيرهم بمعرفتهم ووصفهم لطريق السير فسار المتعلمون فنجوا، وانقطع بمن تعلموا منهم الطريق فهلكوا.
وقسم آخرون: صدقوا الرسول فيما دعاهم إليه الملك لكنهم لم يتعلموا منه طريق السير ولا معرفة تفاصيل ما يحبه الملك وما يكرهه، فساروا بأنفسهم ورموا نفوسهم في طرق شاقة ومخاوف وقفار واعرة فهلك أكثرهم وانقطعوا في الطريق ولم يصلوا إلى دار الملك ، وهؤلاء هم الذين يعملون بغير علم.
وقسم لم يهتم بهذه الرسالة ولا رفعوا بها رأساً واشتغلوا بمصالح إقامتهم في أوطانهم التي أخبر الرسول بخرابها، وهؤلاء منهم من كذَّب الرسول بالكلية، ومنه من صدَّقه بالقول ولكنه لم يشتغل بمعرفة ما دل عليه ولا بالعمل به، وهؤلاء عموم الخلق المعرضون عن العلم والعمل، ومنهم الكفار والمنافقون والظالمون لأنفسهم.
فلم يشعروا إلا وقد طرقهم داعي الملك فأخرجهم عن أوطانهم واستدعاهم إلى الملك فقدموا عليه قدوم الآبق على سيده الغضبان.
فإذا تأملت أقسان الناس المذكورة لم تجد أشرف ولا أقرب عند الملك من العلماء الربانيين، فهم أفضل الخلق بعد المرسلين".
هذا المثل المضروب وإن كان فيه طول ولكنه مثل يقرب المعنى ويدني المقصود حتى يدركه القارئ والسامع.
فإنه مثَّل بهذا المثل القريب الذي يتضح به فضل العلماء الربانيين، العلماء بالله تعالى، والعلماء بأمره جل وعلا، وأنهم أفضل السائرين، وأسبق العاملين إلى الله تعالى.
ثم قال رحمه الله:"وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وإن العلماء ورثة الأنبياء"، هذا صلة شرح الحديث ، حديث أبي الدرداء الذي هو موضوع هذه الرسالة.
فيقول المؤلف رحمه الله تعالى :"وقوله  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وإن العلماء ورثة الأنبياء "، هذا بيان لشرحه.
نعم :"يعني أنهم ورثوا ما جاء به الأنبياء من العلم، فخلفوا الأنبياء في أممهم  بالدعوة إلى الله وإلى طاعته والنهي عن معاصي الله، والذب عن دينه.
وفي مراسيل الحسن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«رحمة الله على خلفائي، فقالوا يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال :« الذين يحيون سنتي من بعدي ويعلمونها عباد الله» أخرجه ابن عساكر (51/61) ..
وقد روي نحوه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً أيضاً.
فالعلماء في مقام الرسل بين الله وبين خلقه، كما قال ابن المنكدر:" إن العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل عليهم".
وقال ابن عيينة:" أعظم الناس منزلة من كان بين الله وبين خلقه، الأنبياء والعلماء".
وقال سهل التستري:" من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء يجيء الرجل فيقول : يا فلان، أيش تقول في رجل حلف على امرأته كذا، فيقول : طلقت امرأته، فيجيء آخر فيقول : ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا، فيقول : ليس يحنث بهذا القول، وليس هذا إلا لنبي أو عالم فاعرفوا لهم ذلك".
ورأت امرأة من العابدات في زمن الحسن كأنها تُستفتى في المستحاضة، فقيل لها: أتستفتين وفيكم الحسن، وفي يده خاتم جبرائيل عليه السلام".
وفي هذا إشارة إلى ما ورثه الحسن ما جاء به جبرائيل من الوحي بخاتمه.
ورأى بعض العلماء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقال له: يا رسول الله قد اختلف علينا في مالك والليث أيهما أعلم؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مالك ورث جدي، يعني ورث علمي".
ورأى بعضهم في المنام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعداً في المسجد والناس حوله، ومالك قائم بين يديه، وبين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسك، وهو يأخذ منه قبضة فيدفعها إلى مالك، ومالك ينشرها على الناس، فأؤِّل ذلك لمالك بالعلم واتباع السنة.
ورأى الفضيل بن عياض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  في منامه جالساً وإلى جنبه فُرجة فجاء ليجلس فيها فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  هذا مجلس  أبي إسحاق الفزاري فسئل بعضهم أيهما أفضل: كان أفضل أبو إسحاق أو الفضيل، فقال: كان فضيل رجل نفسه، وكان أبو إسحاق رجل عامة.
يشير إلى أنه كان عالماً ينتفع الناس بعلمه ، وكان فضيل عابداً نفعه لنفسه.
والعلماء في الآخرة يتلون الأنبياء في الشفاعة وغيرها، كما في الترمذي عن عثمان وغيره عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء» أخرجه ابن ماجة (4313)، قال البوصيري (4/260) :" هذا إسناد ضعيف". وأخرجه الخطيب (11/177) ، والديلمي (5/519)، ؛(8946) ..
فالعالم إذا علَّم من يقوم به بعده فقد خلَّف علماً نافعاً وصدقة جارية .
وقال مالك بن دينار: بلغنا أنه يقال للعابد ادخل الجنة، ويقال للعالم قف فاشفع أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" ()، وأورده الألباني في "الضعيفة" (6805)، وقال: موضوع، ونسبه لابن عدي في " الكامل " ( 6/ 438 )، والبيهقي في " شعب الإيمان " (2/ 268) ح( 7 71 1 )، وقد روي هذا مرفوعاً من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف جداً.
- وللعلماء الكلام في الموقف إذا اشتبهت الأمور على الناس، فإذا ظن أهل الموقف أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة بيَّن أهل العلم أن الأمر على خلاف ذلك كما قال تعالى:﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ سورة الروم:56..
- والعلماء يخبرون يوم القيامة بخزي المشركين كما قال تعالى:﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ سورة النحل:27..
وقد روي في حديث مرفوع إن الناس يحتاجون في الجنة إلى العلماء كما كانوا يحتاجون إليهم في الدنيا ، إذا استدعى الرب أهل الجنة لزيارته، فقال سلوني ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء منهم، فيقولون : سلوه رؤيته، فما في الجنة أعظم منها أخرجه ابن عساكر (51/50) والديلمي (1/230)ح(880) ، وأورده الذهبي في الميزان (6/21، ترجمة 7072 مجاشع بن عمرو) وقال : وهذا موضوع "، وأورده الألباني في "ضعيف الجامع" (1832)، وقال :" موضوع"..
وهذا كله يبين أن لا درجة بعد النبوة أفضل من درجة العلماء.
- وقد يطلق اسم العلماء ويراد إدخال الأنبياء فيهم كما في قوله تعالى : ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ سورة آل عمران:18..
فلم يفرد الأنبياء بالذكر بل أدخلهم في مسمى العلماء، وكفى بهذا شرفاً للعلماء أنهم يسمون باسم يجتمعون هم والأنبياء فيه.
ومن هنا قال من قال: إن العلماء العاملين هم أولياء الله، كما قال أبو حنيفة والشافعي:"إن لم يكن العلماء والفقهاء أولياء الله فليس لله ولي".
وقال الإمام أحمد في أهل الحديث:" إنهم هم الأبدال".
يقول رحمه الله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"وإن العلماء ورثة الأنبياء"، إن العلماء ورثة الأنبياء وهم الذين كملوا العلم بالله تعالى والعلم بأمره، هم "ورثة الأنبياء" يعني هم الذين ورثوا الأنبياء في مقامهم، وإن لم يبلغوا منزلتهم.
الوراثة هنا سيأتي بيانها ولذلك سيعقد المؤلف رحمه الله مقطعاً في كلامه لبيان ما الذي ورَّثه الأنبياء، "فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورَّثوا العلم".
هذا المقطع من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا بيان أن العلماء هم ورثة الأنبياء.
وفيه تفضيل العلماء على سائر طبقات الأمة، فإنهم بلا شك أفضل من العباد لأنه لم يجعلهم ورثة للعباد، إنما جعلوا ميراث النبوة، وجعلوا ميراث النبوة في العلماء " إن العلماء ورثة الأنبياء".
يعني أنهم ورثوا ما جاء به الأنبياء من العلم، فخلفوا الأنبياء في أممهم بالدعوة إلى الله وإلى طاعته، والنهي عن معاصي الله والذب عن دينه.
إذاً الوراثة هي القيام بمسؤوليات الأنبياء، القيام بعمل النبوة.
الأنبياء  في نبوتهم من هداية الخلق ودلالتهم وإرشادهم والقيام على حدود الله تعالى.
وفي مراسيل الحسن وهي من المراسيل الضعيفة كما سيأتي إن شاء الله تعالى "«رحمة الله على خلفائي ، فقالوا يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال:« الذين يحيون سنتي من بعدي ويعلمونها عباد الله»".
ثم بعد ذلك قال:"فالعلماء في مقام الرسل بين الله وبين خلقه، كما قال ابن المنكدر"، الواسطة بين الله تعالى وبين الخلق نوعان:
واسطة جاءت الشريعة بإقرارها، بل لا غنى للناس عنها، وهي وساطة الرسل وخلفاؤهم.
وهذه وساطة بيان ودلالة وإرشاد وهداية وبركة .
والنوع الثاني: الوساطة التي نهى الله تعالى عنها، وحذَّر منها وهي الوساطة الشركية التي جعلها المشركون بينهم وبين الله تعالى فينزلون حوائجهم بالخلق ويزعمون أنهم وسائط كما قال الله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ سورة الزمر:3..
فهذا النوع من الوساطة هو الذي نهى الله عنه، وحذَّر منه، ونهى عنه.
الكلام الآن في النوع الأول من الوساطة، وهو وساطة الأنبياء وخلفاؤهم، وذلك بالدلالة على الله تعالى والتعريف به.
يقول:"فالعلماء في مقام الرسل بين الله وبين خلقه"، وذلك أنهم خلفاء الرسل.
"كما قال ابن المنكدر:" إن العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل عليهم"، أي كيف يكون واسطة بين الله تعالى وبين خلقه، وأفضل السبيل ما ذكره المؤلف سابقاً من قول علي :" الفقيه حق الفقيه هو الذي لم يجري الناس على معصية الله، ولا يقطع أملهم في رحمة الله تعالى "، أي لا ييئسهم من رحمة الله تعالى، بل يكون حاملاً لهم على الطاعة مبيناً لهم ما يجب عليهم من حقوق الله تعالى.
" وقال ابن عيينة:" أعظم الناس منزلة من كان بين الله وبين خلقه، الأنبياء والعلماء".
وقال سهل التستري:" من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء"، وهذا فيه بيان عظيم الجلوس للعلم وأنه جلوس في مقام النبوة.
ثم ذكر الآثار من المنامات المنقولة عن بعض السلف، وهذا ذكرنا أنه يُذكر على وجه الاستئناس لا على وجه الاستقلال في الاستدلال.
قال رحمه الله بعد ذلك في بيان فضل العالم على العابد، وفضل العلماء وعلو منزلتهم وأنهم أعلى طبقات الأمة :"والعلماء في الآخرة يتلون الأنبياء في الشفاعة"، أي يأتون بعدهم في الشفاعة ونفع الخلق، وذلك لما رواه "الترمذي عن عثمان وغيره عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء»"، وهذا الحديث إسناده ضعيف، فيه علاق بن أبي مسلم، عن أبان بن عثمان، وعلاق هذا فيه جهالة، قال عنه في "تهذيب التهذيب" "مجهول".
وأما الرواي عنه وهو عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، فقد قال عنه الحافظ ابن حجر :" وهو أحد الضعفاء".
هذا الحديث في إسناده ضعف، ومنزلة العلماء تعرف من غير هذا الحديث.
أيضاً استدل لبيان عظيم منزلة العلماء أنهم يتكلمون يوم القيامة، ولا يتكلم إلا أصحاب المنازل العليا يوم القيامة، ولذلك قال :"وللعلماء الكلام في الموقف إذا اشتبهت الأمور على الناس"، واستدل بقوله تعالى ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾، يعني في حياتهم،﴿ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ - أي يصرفون- (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، 
وكذلك يتكلمون ويخبرون بالخزي لأهل الكفر ، قال تعالى : ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾،وذكر الحديث.
قال :"وقد روي في حديث مرفوع إن الناس يحتاجون في الجنة إلى العلماء كما كانوا يحتاجون إليهم في الدنيا"، هذا الحديث حديث موضوع، وليس بحديث نبوي، فهو من حديث مجاشع بن عمرو، عن محمد بن الزبرقان، عن أبي الزبير، عن جابر.
ومجاشع بن عمر له كتاب موضوع، قال عنه ابن معين : رأيته أحد كذابين، وقال عنه العقيلي:" حديثه منكر".
المقصود أن هذا الحديث موضوع كما ذكر ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله في "الميزان".
ثم قال :" وقد يطلق اسم العلماء"، هذا الوجه الرابع الذي ذكره المؤلف في بيان فضل العلماء وأنهم يلون الأنبياء في المنزلة "﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾، فجمع الله تعالى بين الأنبياء وغيرهم بهذا الوصف، فقول﴿ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ يشمل الأنبياء، فقوله رحمه الله :" فلم يفرد الأنبياء بالذكر بل أدخلهم في مسمى العلماء ، وكفى بهذا شرفاً للعلماء أنهم يسمون باسم يجتمعون هم والأنبياء فيه".
" ومن هنا قال من قال : إن العلماء العاملين هم أولياء الله"، وذكر كلام أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
وفي كلام أحمد :"وقال الإمام أحمد في أهل الحديث :" إنهم هم الأبدال"، الأبدال يجمع بدل، والبدل هم الذين يخلفون الأنبياء في الدلالة والبيان، وهداية الخلق، ولذلك وصفوا بالأبدال.
وقد ورد فيهم حديث ضعيف أنهم أربعون وأنهم في الشام، لكن لا يصح في ذلك شيء ، والحديث ضعيف باتفاق أهل الحديث.
لكن جاء وصفهم بالأبدال في كلام المتقدمين من السلف.
ومقصودهم بالأبدال:
- إما أنهم الذين يخلفون الأنبياء في أممهم ، فهم بدل عن الأنبياء.
- وإما أنهم يخلف بعضهم بعضاً، يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، فإذا مات عالم قام آخر في الدلالة والبيان.
- والمعنى الثالث: أنهم بدلوا السيئات بالحسنات، بدلوا أعمالهم السيئة وأصلحوها بالعمل الصالح.
هذه ثلاث معان للأبدال في كلام العلماء.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93795 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89655 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف