×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / الحديث وعلومه / ورثة الأنبياء / الدرس(8) ولقد نصَّ العلماء على أن تعلمه أفضل من نوافل العبادات

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

   أما العلم الكفائي هو ما لا يتعين على كل أحد إنما يكون واجبا على من يحتاج إليه، فمن كان مشتغلا بشيء من التجارة يحتاج إلى العلم بأحكام البياعات والمعاوضات والتجارات. ومن كان يشتغل بشيء من توزيع الأموال مثلا في الصدقات يحتاج أن يعرف من هم المستحقون للزكاة. أيضا من كان عنده ماشية يحتاج أن يعرف ما هي أنصبة هذه الأموال، ومتى يجب الزكاة وما هو الواجب فيها ، ومن هم المستحقون. كل هذه تختلف باختلاف أحوال الناس. ثم قال رحمه الله :"ولقد نص العلماء على أن تعلمه أفضل من نوافل العبادات منهم أحمد وإسحاق، وكان أئمة السلف يتوقون الكلام فيه تورعا لأن المتكلم فيه مخبر عن الله بأمره ونهيه مبلغ عنه شرعه ودينه . وكان ابن سيرين رحمه الله إذا سئل عن شيء من الحلال والحرام تغير لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان . وقال عطاء بن السائب: أدركت أقواما إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وإنه ليرعد. وروي عن مالك رحمه الله أنه كان إذا سئل عن مسألة كأنه بين الجنة والنار. وكان الإمام أحمد رحمه الله شديد التورع في إطلاق لفظ الحرام والحلال، ونحو ذلك مما يجسر عليه غيره كثيرا، وأكثر أجوبته أرجو، وأخشى ، وأحب إلي، ونحو ذلك. وكان هو ومالك رحمهما الله وغيرهما يقولون كثيرا " لا ندري". وكان أحمد رحمه الله يقول ذلك في مسألة يذكر للسلف فيها أقوالا عديدة، ويريد بقوله "لا أدري" أي الراجح المفتى به من ذلك". هذا المقطع من كلام المؤلف رحمه الله فيه ما كان عليه السلف رحمهم الله من الورع في الحديث عن الأحكام. وهذا النقل الذي ذكره رحمه الله يخطئ بعض الناس في فهمه، فتجده إذا وجد من يفتي الناس، ويقضي حوائجهم من أحكام الشريعة قال: " شوف الناس هؤلاء كل ما سئل أجاب وكأنه يجيب وهو يشرب الشاي ويجيب وهو يمشي ويجيب.."، يعني كأنه يقلل من شأنه لكونه يقضي حوائج الناس بالفتوى. وهذا في الحقيقة غلط، لأن هذه النقولات ليس معناها ألا تجيب من سألك عما تعلم، إنما معناها أن تتقي الله تعالى في جوابك، وأن تستحضر رقابة الله تعالى عليك، وأنك تبلغ عن الله تعالى فيما تخبر حسب ما ترى وحسب ما تظن، وليس هذا مدعاة لترك الفتوى. بعض الناس يقول :" ما أفتي الناس"، طيب يا أخي إذا كان المتأهلون للفتوى يتركون فتوى الناس، هل نعيب على الناس إذا توجهوا إلى الضلال في سؤالهم؟! لا نعيب ، لأن الناس مضطرون إلى أن يسألوا ، فإذا انخنس وانزوى أهل العلم الذين لهم قدم في هذا وإن كانوا لم يبلغوا الغاية، ما في أحد بلغ الغاية، نحن كما ذكر بعض العلماء المعاصرين :"إنما هو نبات هشيم يرعاه أهل بلد"، وإذا ما اقشعرت الأرض وسوى نبتها رعي الهشيم. فالأرض إذا لم يكن فيها اخضرار تجد أن البهائم ترعى الهشيم. فكون البضاعة قليلة لا يعني هذا أن لا يجيب فيما يعلم. لكن ندعو كل من تكلم في العلم بالفتوى أو بالتعليم أو بالتأليف أو بالكتابة أن يتقي الله تعالى فيما يقول وأن يكون ما يكتبه عن علم فيما يكتب، وعن أصل يستند إليه. أما أن يخرص ويتكلم بما لا يعلم ويتحرج أن يقول " لا أدري"، ويخجل أن يقول " لا أعرف"، ويقول :"كيف الناس الآن إذا قلت لا أدري ضعفت الثقة بي"، وهذا غلط . سمعنا الأئمة الكبار ممن أدركناهم من علمائنا يقول " لا أدري"، ومن أسهل ما يكون. يعاد السؤال عليه مرة ومرتين وثلاث مرات، ثم يقول : لا أدري، أو يقول :"انتظروا حتى أستأمر وأشاور إخواني وأراجع المسألة". وهذا تلحظونه كثيرا في كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، على أنه قد تبوأ منزلة قصر عنها حال كثير من العلماء. فأقول -يا إخواني- مثل هذا الكلام ينبغي أن يفهم على وجهه. المقصود منه صد أهل العلم عن التعليم والإفتاء ونفع الناس؟ الجواب لا. إنما المقصود منه أن يكون الإنسان قائما بالأمر على الوجه الذي أمر الله تعالى به من رقابة الله تعالى، ومن القول بالعلم ، وعدم الاجتراء على قول ما لا يعلم، وينبغي له أن يربي نفسه على قول "لا أدري". إذا سئل ما في حرج أن يقول "لا أدري". الإمام مالك جاءه ناس من الأندلس أو من المغرب وسألوه فيما يقارب من أربعين مسألة، قال في ست وثلاثين مسألة " لا أدري". فلما قالوا له: كيف نرجع للناس ونقول قال مالك "لا أدري"، قال لهم كلاما مفاده أن تقولوا لهم لا أدري خيرا من أن أقول ما لا أعلم وأحاسب على هذا العلم. فينبغي لنا -يا إخواني- أن نفهم كلام العلماء، لأن من صغار طلبة العلم من يعيب على من يفتي ويقول : هذا يتكلم ويفتي والسلف كانوا يتوقون الفتوى. طيب - يا أخي - السلف كانوا يتوقون الفتوى وأيضا كانوا يتوقون أعراض الناس، وأيهما أشد صيانة أن تتوقى أعراض إخوانك وتحفظ لسانك عنهم وتعلم أن المفتي. يعني: يقول شيخ الإسلام رحمه الله : الذي يفتي في اليوم مائة مرة، يغفر له ما لا يغفر لمن ليس له في اليوم إلا فتوى واحدة. فأنت لا تقارن عالم لا يفتي بفتوى واحدة وعالم يسأل مئات الأسئلة في اليوم، ويجيب في الهاتف، ويجيب هذا في درس، ويجيب هذا في الشارع، ويجيب هذا في كتاب، أو يجيب هذا في قنوات، ووسائل الاتصال بأهل العلم كثيرة. ينبغي لنا إذا اختار الإنسان لنفسه مسلكا أن لا يعيب على غيره إذا كان يتكلم بالعلم. إذا وجدت أنه يتكلم بالجهل، أو أنه لا يقيم للعلم وزنا عند ذلك ناصح في الأصل، لا تناصح في الفتوى وفي التصدي للناس وقضاء حوائجهم . هذه مسألة مهمة أحببت التنبيه إليها لأن من الناس من يخطئ فهم مثل هذه النقول ويدعو أهل العلم الذين تصدروا لنفع الناس وقضاء حوائجهم أن يكفوا، ثم إذا برز مفتي يقول: تمثيل المرأة في القنوات وخروجها سافرة كاشفة لا حرج فيه، قال :"شوف وين العلماء، مات العلماء". طيب يا أخي مهو أنتم الذين تسلطتم على أهل العلم وقلتم هذا أخطأ وهذا يتكلم وين ورع المفتين، وين وين، ومنعتوا كثيرا مما ينفع من النفع، بسبب شبهات وأخطاء يمكن أن تحتمل، وأوجه يمكن أن يوجد لها من المخارج ما يسلم بها قائلها وأصحابها. ثم قال رحمه الله :"ومن مجالس الذكر أيضا مجالس العلم التي يذكر فيها تفسير كتاب الله، أو تروى فيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت رواية الحديث مع تفسير معانيه فذلك أكمل وأفضل من مجرد رواية الألفاظ، ويدخل في الفقه في الدين كل علم مستنبط من  كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم سواء كان من علوم الإسلام التي هي الأعمال الظاهرة والأقوال، أو من علوم الإيمان التي هي الاعتقادات الباطنة وأدلة ذلك وبراهينه المقررة في الكتاب والسنة أو من علوم الإحسان التي هي علوم المراقبة والمشاهدة بالقلب. ويدخل في ذلك علم الخشية والمحبة والرجاء والإنابة والصبر والرضا، وغير ذلك من المقامات. وكل ذلك قد سماه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبرائيل عليه السلام له عنه دينا" بعد أن بين المؤلف رحمه الله ما تقدم من فضل مجالس الذكر وبين أن مجالس الذكر هي مجالس العلم أولا، وليست مقصورة على التسبيح والتحميد والتقديس، بين رحمه الله في هذا المقطع المعنى الجامع لمجالس الذكر.  فقال رحمه الله :"ومن مجالس الذكر أيضا مجالس العلم التي يذكر فيها تفسير كتاب الله، أو يروى فيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت رواية الحديث مع تفسير معانيه فذلك أكمل وأفضل"، لأنه يجتمع العلم باللفظ والعلم بالمعنى المقصود. ثم ذكر رحمه الله طائفة من علوم الشريعة التي تدخل في العلم النافع الذي جاءت الشريعة بالندب إليه والثناء على أهله. بعد هذا قال :" وكل ذلك قد سماه النبي صلى الله عليه وسلم  في حديث سؤال جبرائيل عليه السلام له عنه دينا"، حيث قال في آخر الحديث :« يا عمر أتدري من هذا؟»، قال الله ورسوله أعلم، قال :« هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم»+++ أخرجه البخاري (50)، ومسلم (8).---. وقد سأل عن الإسلام وعن الإيمان والإحسان وعن أمارات الساعة في الحديث المشهور. ثم قال رحمه الله :"الفقه فيه من الفقه في الدين ومجالسه من أفضل مجالس الذكر التي هي من رياض الجنة، وهي أفضل من مجالس ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير، لأنها دائرة بين فرض عين أو فرض كفاية ، والذكر المجرد تطوع محض. وقد دخل بعض السلف مسجد البصرة فرأى فيه حلقتين في إحداهما قاص، وفي الأخرى فقيه يعلم الفقه، فصلى ركعتين واستخار الله في الجلوس إلى إحداهما، فنعس فرأى في نومه قائلا يقول : أو قد سويت بينهما، إن شئت أريناك مقعد جبريل عليه السلام من فلان، يعني الفقيه الذي يعلم العلم، وسنذكر فيما بعد النصوص الدالة على فضل العلم على أنواع العبادات من الذكر وغيره إن شاء الله تعالى". ذكر ابن رجب رحمه الله لهذه القصة من دخول رجل من السلف مسجد البصرة وما ذكر من الموازنة بين مجلس الذكر الذي فيه قصص، والمجلس الذي فيه علم، وتفضيل مجلس العلم. هذه الأخبار والرؤى أو الحوادث لا تستقر في إثبات الأحكام، وهذا الفارق بين أئمة السنة وأهل البدع. أهل البدع يجعلون ما يرونه في المنامات وحيا يوحى، فيثبتون به الأحكام والفضائل والمناقب. وأما أهل السنة فإنهم يستأنسون بها في إثبات ما دلت عليه الشريعة، وأفادته النصوص من الكتاب والسنة. فينبغي التمييز بين مسلك الأئمة من علماء السنة وبين من يعتمد على إثبات الفضائل والأحكام على المنامات والرؤى، فإن ذلك لا يفيد إثبات الحكم. ويشهد لهذا في الاستئناس بالرؤى ما كان من ابن عباس رضي الله عنه في المتعة، حيث كان أمر الناس بالمتعة ويقابل بهذا قول كبراء الصحابة رضي الله عنهم، فجاءه جاء قد تمتع ،قال: إني قد أهللت بعمرة وحج فرأيت راء في المنام يقول لي :" عمرة وحجة متقبلة"، أو كلاما نحو هذا، ففرح بذلك فرحا عظيما، فاستأنس به لما عنده من العلم ولم يجعل ذلك مستقلا في إثبات الحكم. ولذلك بعدما ذكر هذا القول قال :"وسنذكر فيما بعد النصوص الدالة على فضل العلم على أنواع العبادات من الذكر وغيره إن شاء الله تعالى". وقد ذكر من أوجه التفضيل، أوجه تفضيل مجالس العلم على مجالس الذكر التي هي تسبيح وتحميد وتقديس فقط، بما ذكره من أن مجالس العلم تدور بين فرض العين وفرض الكفاية، بخلاف مجالس الذكر فإنها تطوع.  ومعلوم أن مرتبة فرض الكفاية في الجملة أعلى من مرتبة التطوع. ثم قال رحمه الله :" وكان زيد بن أسلم من جملة علماء المدينة وكان له مجلس في المسجد يذكر فيه التفسير والحديث والفقه وغير ذلك، فجاء إليه رجل فقال له: إني رأيت بعض أهل السماء وهو يقول لأهل هذا المجلس: هؤلاء في روضات الجنة آمنون.  ثم أراه أنزل على أهل المجلس حوتا طريا ووضعه بين أيديهم.  وجاء إليه رجل فقال : إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما خرجوا من هذا الباب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : انطلقوا بنا إلى زيد نجالسه، ونسمع من حديثه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلى جنبك فأخذ بيدك، فلم يبق زيد بعد هذه الرؤيا إلا قليلا حتى مات رحمه الله تعالى. ومع ما ذكرنا من تفضيل العلم على القصص فالعالم لا يستغني أحيانا عن موعظة الناس والقصص عليهم وإزالة القسوة عن قلوبهم بالتذكير بالله وأيامه، فإن القرآن يشتمل على ذلك كله، والفقيه العالم حقا هو من فهم كتاب الله وعلم ما فيه". " والفقيه العالم حقا هو من فهم كتاب الله"واتبع ما فيه، فجمع بين العلم بأشرف المعلومات وهو كلام الله تعالى وعطف على ذلك العمل بالعلم، فإنما يكون الإنسان عالما حقا إذا كان مدركا لمعاني كلام رب العالمين جل وعلا. الذي لا يفقه كلام الله جل وعلا مهما كان متبحرا في تشقيق المسائل وتفصيلها فإنه لم يبلغ درجة العالم حقا . إن العالم حقا هو من وصفه المؤلف رحمه الله وهو من فهم كتاب الله تعالى الذي فيه الهدى والنور الذي قال الله تعالى فيه:{ما فرطنا في الكتاب من شيء}+++ سورة الأنعام:38.---، على أحد الأقوال في تفسير الآية. وجعله الله تعالى نورا يستضيء به الناس ويخرجون به من الظلمات إلى النور. ففهمك كتاب الله تعالى واتباع ما فيه هو العلم الحقيقي الذي ينبغي أن يشمر إليه المشمرون. قال رحمه الله:" كما قال علي رضي الله عنه والفقيه حق الفقيه من لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يرخص لهم في معاصي الله ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره". وهذا المسلك الذي يشير إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه مسلك يحتاج به الإنسان إلى تمام العلم ومعرفة أحكام الشريعة معرفة راسخة حتى لا يميل إلى أحد الطرفين فإن طرف التشديد يحصل به تقنيط الناس، وطرف التسهيل الذي يخرج عن روح الشريعة ومقاصدها يتفلت به الناس، والشريعة وسط بين انحرافين: بين غلو وإفراط، وبين جفاء وتفريط. فينبغي للعالم أن يسلك مسلكا قصدا وأن لا ييئس الناس من رحمة الله جل وعلا ، كما أنه لا يجرئهم على معاصي الله تعالى، وهذا لا يعني أنه يشدد ولا يعني أن يرخص، بل عليه أن يتبع النصوص وينظر في مقاصد كلام الله تعالى ومقاصد كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإن من أدرك ذلك وفق إلى هذا الذي وصف علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

المشاهدات:3548
   أما العلم الكفائي هو ما لا يتعين على كل أحد إنما يكون واجباً على من يحتاج إليه، فمن كان مشتغلاً بشيء من التجارة يحتاج إلى العلم بأحكام البياعات والمعاوضات والتجارات.
ومن كان يشتغل بشيء من توزيع الأموال مثلاً في الصدقات يحتاج أن يعرف من هم المستحقون للزكاة.
أيضاً من كان عنده ماشية يحتاج أن يعرف ما هي أنصبة هذه الأموال، ومتى يجب الزكاة وما هو الواجب فيها ، ومن هم المستحقون.
كل هذه تختلف باختلاف أحوال الناس.
ثم قال رحمه الله :"ولقد نصَّ العلماء على أن تعلمه أفضل من نوافل العبادات منهم أحمد وإسحاق، وكان أئمة السلف يتوقون الكلام فيه تورعاً لأن المتكلم فيه مخبر عن الله بأمره ونهيه مُبلِّغ عنه شرعه ودينه .
وكان ابن سيرين رحمه الله إذا سئل عن شيء من الحلال والحرام تغيَّر لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان .
وقال عطاء بن السائب: أدركت أقواماً إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وإنه ليرعد.
وروي عن مالك رحمه الله أنه كان إذا سئل عن مسألة كأنه بين الجنة والنار.
وكان الإمام أحمد رحمه الله شديد التورع في إطلاق لفظ الحرام والحلال، ونحو ذلك مما يجسر عليه غيره كثيراً، وأكثر أجوبته أرجو، وأخشى ، وأحبُّ إليَّ، ونحو ذلك.
وكان هو ومالك رحمهما الله وغيرهما يقولون كثيراً " لا ندري".
وكان أحمد رحمه الله يقول ذلك في مسألة يذكر للسلف فيها أقوالاً عديدة، ويريد بقوله "لا أدري" أي الراجح المفتى به من ذلك".
هذا المقطع من كلام المؤلف رحمه الله فيه ما كان عليه السلف رحمهم الله من الورع في الحديث عن الأحكام.
وهذا النقل الذي ذكره رحمه الله يخطئ بعض الناس في فهمه، فتجده إذا وجد من يفتي الناس، ويقضي حوائجهم من أحكام الشريعة قال: " شوف الناس هؤلاء كل ما سئل أجاب وكأنه يجيب وهو يشرب الشاي ويجيب وهو يمشي ويجيب.."، يعني كأنه يقلل من شأنه لكونه يقضي حوائج الناس بالفتوى.
وهذا في الحقيقة غلط، لأن هذه النقولات ليس معناها ألا تجيب من سألك عما تعلم، إنما معناها أن تتقي الله تعالى في جوابك، وأن تستحضر رقابة الله تعالى عليك، وأنك تبلغ عن الله تعالى فيما تخبر حسب ما ترى وحسب ما تظن، وليس هذا مدعاة لترك الفتوى.
بعض الناس يقول :" ما أفتي الناس"، طيب يا أخي إذا كان المتأهلون للفتوى يتركون فتوى الناس، هل نعيب على الناس إذا توجهوا إلى الضُّلال في سؤالهم؟! لا نعيب ، لأن الناس مضطرون إلى أن يسألوا ، فإذا انخنس وانزوى أهل العلم الذين لهم قدم في هذا وإن كانوا لم يبلغوا الغاية، ما في أحد بلغ الغاية، نحن كما ذكر بعض العلماء المعاصرين :"إنما هو نبات هشيم يرعاه أهل بلد"، وإذا ما اقشعرت الأرض وسوى نبتها رعي الهشيم.
فالأرض إذا لم يكن فيها اخضرار تجد أن البهائم ترعى الهشيم.
فكون البضاعة قليلة لا يعني هذا أن لا يجيب فيما يعلم.
لكن ندعو كل من تكلم في العلم بالفتوى أو بالتعليم أو بالتأليف أو بالكتابة أن يتقي الله تعالى فيما يقول وأن يكون ما يكتبه عن علم فيما يكتب، وعن أصل يستند إليه.
أما أن يخرص ويتكلم بما لا يعلم ويتحرج أن يقول " لا أدري"، ويخجل أن يقول " لا أعرف"، ويقول :"كيف الناس الآن إذا قلت لا أدري ضعفت الثقة بي"، وهذا غلط .
سمعنا الأئمة الكبار ممن أدركناهم من علمائنا يقول " لا أدري"، ومن أسهل ما يكون.
يعاد السؤال عليه مرة ومرتين وثلاث مرات، ثم يقول : لا أدري، أو يقول :"انتظروا حتى أستأمر وأشاور إخواني وأراجع المسألة".
وهذا تلحظونه كثيرا في كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، على أنه قد تبوأ منزلة قصر عنها حال كثير من العلماء.
فأقول -يا إخواني- مثل هذا الكلام ينبغي أن يفهم على وجهه.
المقصود منه صد أهل العلم عن التعليم والإفتاء ونفع الناس؟ الجواب لا.
إنما المقصود منه أن يكون الإنسان قائماً بالأمر على الوجه الذي أمر الله تعالى به من رقابة الله تعالى، ومن القول بالعلم ، وعدم الاجتراء على قول ما لا يعلم، وينبغي له أن يربي نفسه على قول "لا أدري".
إذا سئل ما في حرج أن يقول "لا أدري".
الإمام مالك جاءه ناس من الأندلس أو من المغرب وسألوه فيما يقارب من أربعين مسألة، قال في ست وثلاثين مسألة " لا أدري".
فلما قالوا له: كيف نرجع للناس ونقول قال مالك "لا أدري"، قال لهم كلاماً مفاده أن تقولوا لهم لا أدري خيراً من أن أقول ما لا أعلم وأحاسب على هذا العلم.
فينبغي لنا -يا إخواني- أن نفهم كلام العلماء، لأن من صغار طلبة العلم من يعيب على من يفتي ويقول : هذا يتكلم ويفتي والسلف كانوا يتوقون الفتوى.
طيب - يا أخي - السلف كانوا يتوقون الفتوى وأيضاً كانوا يتوقون أعراض الناس، وأيهما أشد صيانة أن تتوقى أعراض إخوانك وتحفظ لسانك عنهم وتعلم أن المفتي.
يعني: يقول شيخ الإسلام رحمه الله : الذي يفتي في اليوم مائة مرة، يغفر له ما لا يغفر لمن ليس له في اليوم إلا فتوى واحدة.
فأنت لا تقارن عالم لا يفتي بفتوى واحدة وعالم يسأل مئات الأسئلة في اليوم، ويجيب في الهاتف، ويجيب هذا في درس، ويجيب هذا في الشارع، ويجيب هذا في كتاب، أو يجيب هذا في قنوات، ووسائل الاتصال بأهل العلم كثيرة.
ينبغي لنا إذا اختار الإنسان لنفسه مسلكاً أن لا يعيب على غيره إذا كان يتكلم بالعلم.
إذا وجدت أنه يتكلم بالجهل، أو أنه لا يقيم للعلم وزناً عند ذلك ناصح في الأصل، لا تناصح في الفتوى وفي التصدي للناس وقضاء حوائجهم .
هذه مسألة مهمة أحببت التنبيه إليها لأن من الناس من يخطئ فهم مثل هذه النقول ويدعو أهل العلم الذين تصدروا لنفع الناس وقضاء حوائجهم أن يكفوا، ثم إذا برز مفتي يقول: تمثيل المرأة في القنوات وخروجها سافرة كاشفة لا حرج فيه، قال :"شوف وين العلماء، مات العلماء".
طيب يا أخي مهو أنتم الذين تسلطتم على أهل العلم وقلتم هذا أخطأ وهذا يتكلم وين ورع المفتين، وين وين، ومنعتوا كثيراً مما ينفع من النفع، بسبب شبهات وأخطاء يمكن أن تحتمل، وأوجه يمكن أن يوجد لها من المخارج ما يسلم بها قائلها وأصحابها.
ثم قال رحمه الله :"ومن مجالس الذكر أيضاً مجالس العلم التي يذكر فيها تفسير كتاب الله، أو تروى فيها سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن كانت رواية الحديث مع تفسير معانيه فذلك أكمل وأفضل من مجرد رواية الألفاظ، ويدخل في الفقه في الدين كل علم مستنبط من  كتاب الله أو سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سواء كان من علوم الإسلام التي هي الأعمال الظاهرة والأقوال، أو من علوم الإيمان التي هي الاعتقادات الباطنة وأدلة ذلك وبراهينه المقررة في الكتاب والسنة أو من علوم الإحسان التي هي علوم المراقبة والمشاهدة بالقلب.
ويدخل في ذلك علم الخشية والمحبة والرجاء والإنابة والصبر والرضا، وغير ذلك من المقامات.
وكل ذلك قد سماه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث سؤال جبرائيل عليه السلام له عنه ديناً"
بعد أن بيَّن المؤلف رحمه الله ما تقدم من فضل مجالس الذكر وبيَّن أن مجالس الذكر هي مجالس العلم أولاً، وليست مقصورة على التسبيح والتحميد والتقديس، بيَّن رحمه الله في هذا المقطع المعنى الجامع لمجالس الذكر.
 فقال رحمه الله :"ومن مجالس الذكر أيضاً مجالس العلم التي يذكر فيها تفسير كتاب الله، أو يروى فيها سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن كانت رواية الحديث مع تفسير معانيه فذلك أكمل وأفضل"، لأنه يجتمع العلم باللفظ والعلم بالمعنى المقصود.
ثم ذكر رحمه الله طائفة من علوم الشريعة التي تدخل في العلم النافع الذي جاءت الشريعة بالندب إليه والثناء على أهله.
بعد هذا قال :" وكل ذلك قد سماه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  في حديث سؤال جبرائيل عليه السلام له عنه ديناً"، حيث قال في آخر الحديث :« يا عمر أتدري من هذا؟»، قال الله ورسوله أعلم، قال :« هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم» أخرجه البخاري (50)، ومسلم (8)..
وقد سأل عن الإسلام وعن الإيمان والإحسان وعن أمارات الساعة في الحديث المشهور.
ثم قال رحمه الله :"الفقه فيه من الفقه في الدين ومجالسه من أفضل مجالس الذكر التي هي من رياض الجنة، وهي أفضل من مجالس ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير، لأنها دائرة بين فرض عين أو فرض كفاية ، والذكر المجرد تطوع محض.
وقد دخل بعض السلف مسجد البصرة فرأى فيه حلقتين في إحداهما قاص، وفي الأخرى فقيه يعلم الفقه، فصلى ركعتين واستخار الله في الجلوس إلى إحداهما، فنعس فرأى في نومه قائلاً يقول : أو قد سويت بينهما، إن شئت أريناك مقعد جبريل عليه السلام من فلان، يعني الفقيه الذي يعلم العلم، وسنذكر فيما بعد النصوص الدالة على فضل العلم على أنواع العبادات من الذكر وغيره إن شاء الله تعالى".
ذِكْر ابن رجب رحمه الله لهذه القصة من دخول رجل من السلف مسجد البصرة وما ذكر من الموازنة بين مجلس الذكر الذي فيه قصص، والمجلس الذي فيه علم، وتفضيل مجلس العلم.
هذه الأخبار والرؤى أو الحوادث لا تستقر في إثبات الأحكام، وهذا الفارق بين أئمة السنة وأهل البدع.
أهل البدع يجعلون ما يرونه في المنامات وحياً يوحى، فيثبتون به الأحكام والفضائل والمناقب.
وأما أهل السنة فإنهم يستأنسون بها في إثبات ما دلت عليه الشريعة، وأفادته النصوص من الكتاب والسنة.
فينبغي التمييز بين مسلك الأئمة من علماء السنة وبين من يعتمد على إثبات الفضائل والأحكام على المنامات والرؤى، فإن ذلك لا يفيد إثبات الحكم.
ويشهد لهذا في الاستئناس بالرؤى ما كان من ابن عباس رضي الله عنه في المتعة، حيث كان أمر الناس بالمتعة ويقابل بهذا قول كبراء الصحابة رضي الله عنهم، فجاءه جاء قد تمتع ،قال: إني قد أهللت بعمرة وحج فرأيت راءٍ في المنام يقول لي :" عمرة وحجة متقبلة"، أو كلاماً نحو هذا، ففرح بذلك فرحاً عظيماً، فاستأنس به لما عنده من العلم ولم يجعل ذلك مستقلاً في إثبات الحكم.
ولذلك بعدما ذكر هذا القول قال :"وسنذكر فيما بعد النصوص الدالة على فضل العلم على أنواع العبادات من الذكر وغيره إن شاء الله تعالى".
وقد ذكر من أوجه التفضيل، أوجه تفضيل مجالس العلم على مجالس الذكر التي هي تسبيح وتحميد وتقديس فقط، بما ذكره من أن مجالس العلم تدور بين فرض العين وفرض الكفاية، بخلاف مجالس الذكر فإنها تطوع.
 ومعلوم أن مرتبة فرض الكفاية في الجملة أعلى من مرتبة التطوع.
ثم قال رحمه الله :" وكان زيد بن أسلم من جملة علماء المدينة وكان له مجلس في المسجد يذكر فيه التفسير والحديث والفقه وغير ذلك، فجاء إليه رجل فقال له: إني رأيت بعض أهل السماء وهو يقول لأهل هذا المجلس: هؤلاء في روضات الجنة آمنون.
 ثم أراه أنزل على أهل المجلس حوتاً طرياً ووضعه بين أيديهم.
 وجاء إليه رجل فقال : إني رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما خرجوا من هذا الباب، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : انطلقوا بنا إلى زيد نجالسه، ونسمع من حديثه، فجاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جلس إلى جنبك فأخذ بيدك، فلم يبق زيد بعد هذه الرؤيا إلا قليلاً حتى مات رحمه الله تعالى.
ومع ما ذكرنا من تفضيل العلم على القصص فالعالم لا يستغني أحياناً عن موعظة الناس والقصص عليهم وإزالة القسوة عن قلوبهم بالتذكير بالله وأيامه، فإن القرآن يشتمل على ذلك كله، والفقيه العالم حقاً هو من فهم كتاب الله وعلم ما فيه".
" والفقيه العالم حقاً هو من فهم كتاب الله"واتبع ما فيه، فجمع بين العلم بأشرف المعلومات وهو كلام الله تعالى وعطف على ذلك العمل بالعلم، فإنما يكون الإنسان عالماً حقاً إذا كان مدركاً لمعاني كلام رب العالمين جل وعلا.
الذي لا يفقه كلام الله جل وعلا مهما كان متبحراً في تشقيق المسائل وتفصيلها فإنه لم يبلغ درجة العالم حقاً .
إن العالم حقا هو من وصفه المؤلف رحمه الله وهو من فهم كتاب الله تعالى الذي فيه الهدى والنور الذي قال الله تعالى فيه:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} سورة الأنعام:38.، على أحد الأقوال في تفسير الآية.
وجعله الله تعالى نوراً يستضيء به الناس ويخرجون به من الظلمات إلى النور.
ففهمك كتاب الله تعالى واتباع ما فيه هو العلم الحقيقي الذي ينبغي أن يشمر إليه المشمرون.
قال رحمه الله:" كما قال علي رضي الله عنه والفقيه حق الفقيه من لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يرخص لهم في معاصي الله ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره".
وهذا المسلك الذي يشير إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه مسلك يحتاج به الإنسان إلى تمام العلم ومعرفة أحكام الشريعة معرفة راسخة حتى لا يميل إلى أحد الطرفين فإن طرف التشديد يحصل به تقنيط الناس، وطرف التسهيل الذي يخرج عن روح الشريعة ومقاصدها يتفلت به الناس، والشريعة وسط بين انحرافين: بين غلو وإفراط، وبين جفاء وتفريط.
فينبغي للعالم أن يسلك مسلكاً قصداً وأن لا ييئس الناس من رحمة الله جل وعلا ، كما أنه لا يجرئهم على معاصي الله تعالى، وهذا لا يعني أنه يشدد ولا يعني أن يرخص، بل عليه أن يتبع النصوص وينظر في مقاصد كلام الله تعالى ومقاصد كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن من أدرك ذلك وفِّق إلى هذا الذي وصف علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89960 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف