قال:"وقد سمَّى الله كتابه نوراً يهتدى به في الظلمات كما قال الله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}"، ما عمله؟ ما وظيفته؟ "يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
ثم لتقرير هذا المعنى وهو أن العلم نور وهداية وبصيرة يدرك بها الإنسان الحق من الباطل ويدرك بها الهدى من الضلال، يدرك بها الرشد من الغي، يقول رحمه الله :"وقد ضرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل من حمل العلم الذي جاء به بالنجوم التي يهتدى بها في الظلمات كما في "المسند""، أي مسند الإمام أحمد رحمه الله " عن أنس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن مثل العلماء"، أي صفة العلماء، فمثل هنا بمعنى صفة، أي صفة العلماء في الأرض كصفة "النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر"، والعلماء أيضاً يهتدى بهم من ظلمات الجهل والشبه والشكوك وسيبين المؤلف رحمه الله هذا.
"فإذا طمست النجوم"، أي غابت وذهب ضياؤها، وزال سلطانها ونورها "أوشك أن تضل الهدى"، أي أوشك أن يضل من يطلب الهدى، فلا يصل إلى غايته، ولا يدرك مقصوده.
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث رشدين بن سعد، عن عبد الله بن الوليد، عن أبي حفص، عن أنس رضي الله عنه.
وقد قال عنه البيهقي رحمه الله :"هذا حديث مشهور وأسانيده كلها ضعيفة".
فليس له إسناد مستقيم صحيح، وذلك لضعف رشدين وكذلك جهالة أبي حفص الراوي عن أنس رضي الله عنه.
يقول رحمه الله:"وهذا مثل في غاية المطابقة"، يعني في منتهى موافقة الواقع فإن العلماء لهم من الإضاءة والنور ما ليس لغيرهم.
يقول رحمه الله :"لأن طريق التوحيد والعلم بالله تعالى وأحكامه وثوابه وعقابه لا يدرك بالحس"، يعني ليس من الأمور التي تدركها بيدك.
الآن يمكن أن تدرك هذا المسجل من خلال اللمس، بحسك، أو بنظرك أو بسمعك، فتدرك بالحواس أمور كثيرة لكن إدراك ما يتعلق بالله تعالى ليس من طرقه ولا من وسائله الحس، لأنه جل وعلا غيب، والغيب لا يمكن أن يدرك بالحس.
نشاهد الآيات وندرك العلامات ونرى البراهين في السماوات والأرض، الدالة على ربنا جل وعلا لكننا لا يمكن أن نصل إليه بالنظر إليه فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت»"صحيح مسلم"(169)..
فلا سبيل إلى رؤيته جل وعلا حتى يؤمن به، إنما السبيل إلى معرفته هو ما قام في قلب العبد من الفطرة وما أقامه الله من تعالى من الشواهد والآيات الخلقية الآفاقية والأرضية {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} سورة فصلت:53..
والثالث من طرق العلم بالله تعالى أن تعلمه سبحانه وبحمده من أسمائه وصفاته وما جاءت به الرسل من الخبر عن ربهم جل وعلا.
هذه ثلاثة طرق لا سبيل لمعرفة الله تعالى من غيرها، فهي طريق الفطرة.
طريق الآيات الخلقية الآفاقية في السماوات وفي الأرض.
طريق العلم به من خلال ما أخبرت به الرسل عنه سبحانه وبحمده.
فيقول المؤلف رحمه الله :"لا يدرك بالحس وإنما يعرف بالدليل، وقد بيَّن ذلك كله في كتابه وعلى لسان رُسُوله، فالعلماء بما أنزل الله على رسوله هم الأدلاء"، أي هم الذين يدلون على الله تعالى، "الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهل والشبه والضلال، فإذا فقدوا ضلَّ السالك"، إذا فُقِدوا لم يكونوا في الأرض أو ماتوا ضلَّ السالك.
"وقد شبه العلماء بالنجوم والنجوم في السماء فيها ثلاث فوائد"
وقد ذكر ذلك أهل العلم من السلف في فوائد النجوم التي ذكرها الله تعالى في كتابه "يهتدى بها في الظلمات، وهي زينة للسماء، ورجوم للشياطين الذين يسترقون السمع منها ".
ثم قال رحمه الله :"والعلماء في الأرض تجتمع فيهم هذه الأوصاف الثلاثة"، ما هي؟ الهداية في الظلمات، يقول :" بهم يهتدى في الظلمات وهم زينة الأرض "،فالعلماء زينة الأرض لأن بهم يتبين الحق من الضلال، بهم يقوم أمر الله تعالى، بهم يحفظ الشرع الذي لا تقوم الدنيا ولا تصلح الآخرة إلا به.
"وهم رجوم للشياطين"، والمقصود بالشياطين هنا شياطين الإنس الذين يضلون الناس بغير علم، والذين يسعون في اجتيال الناس عن الهدى والحق.
ويمكن أن يقال إنهم رجوم للشياطين، لشياطين الإنس وشياطين الجن الذين " يخلطون الحق بالباطل"، فيلبِّسون على الناس " الحق بالباطل ويدخلون في الدين ما ليس منه من أهل الأهواء"، فأهل الأهواء هم أهل البدع الذين يحدثون في الدين ما ليس منه.
"وما دام العلم باقياً في الأرض فالناس في هدى"، وإذا قلَّ العلم كثر الشرك والشر، وإذا كثر العلم في بلد انحصر الشرك والشر في هذا البلد .
وهذه اعتبرها وخذها في نظرك وفكرك في التأمل في أحوال البلدان والناس، فحيث ما كثر العلم وأهله قلَّ الشر والشرك، وحيثُ ما قلَّ العلم وأهله كثرت البدعة والشرك والشر.
وهذا معروف ملموس شواهده قائمة في حياة الناس وأيام الدنيا.
يقول رحمه الله:"وبقاء العلم بقاء حملته فإذا ذهب حملته ومن يقوم به وقع الناس في الضلال كما في الحديث الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بذهاب العالم، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» أخرجه البخاري (100)، ومسلم (2673)..
وخرَّج الترمذي من حديث جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء»، فقال زياد بن لبيد: كيف يختلس منا العلم وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال:« ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟» قال جبير بن نفير: فلقيت عبادة بن الصامت فقلت: ألا تسمع ما يقول أبو الدرداء ؟ فأخبرته بالذي قال ، فقال صدق أبو الدرداء لو شئت لأخبرتك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه خاشعاً»"سنن الترمذي"(2865)..
وخرَّجه النسائي من حديث جبير بن نفير عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوه وفي حديثه فذكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله، قال جبير : فلقيت شداد بن أوس فحدثته بحديث عوف، فقال: صدق ، ألا أخبرك بأول ذلك، يرفع الخشوع حتى لا ترى خاشعاً"سنن النسائي الكبرى"(3/456)، ح(5909)..
وخرَّج الإمام أحمد من حديث زياد بن لبيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ذكر شيئاً فقال: ذاك عند أوان ذهاب العلم، وهو يعني ذهاب العلم فذكر الحديث ، وقال فيه :«أوليس اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء مما فيها»" المسند" (4/160).، ولم يذكر ما بعدها".
يقول المؤلف رحمه الله :"وبقاء العلم بقاء حملته"، بقاء العلم في الأرض "بقاء حملته"، الذين تحملوه حفظاً وفهماً وعملاً فإنه ما دام في الناس من يعلم ويعلِّم فإن العلم باقٍ .
قال:" فإذا ذهب حملته ومن يقوم به وقع الناس في الضلال"، نعوذ بالله من الخذلان.
" كما في الحديث الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً"، وهذا الحديث في "الصحيحين" من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« « إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بذهاب العالم، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً»، أي ليس عندهم علم إنما تقدموا لسبب من التقدم.
وقوله :« رؤوساً» أي قد تقدموا فيهم وكبروا فيهم إما لمكانة أو لجاه أو لمنصب أو لوراثة أو ما إلى ذلك فسئلوا عن العلم فأفتوا بغير علم «فضلوا وأضلوا».
وهذا يبين لنا أن الإفتاء بغير علم يصيب الشر فيه اثنين: المفتي والمستفتي.
ولذلك قال:«فأفتوا بغير علم فضلوا»، في أنفسهم حيث تكلموا بما لا علم لهم فيه.
« وأضلوا»، حيث إنهم غرروا غيرهم.
وإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن من غيَّر منار الأرض"صحيح مسلم" (1978).، وهي العلامات التي يهتدى بها إلى الطرق، ويهتدى بها إلى الجهات، فكيف بمن غيَّر منار الطريق إلى الله تعالى الأمر في هذا كبير جداً، وخطير في غاية الخطورة وسيأتي طرف من كلام السلف وحالهم في الورع وشدة الخوف في القول على الله تعالى بغير علم.
بل إنهم رحمهم الله تعالى كان أحدهم يقول في مسألة من المسائل "لا أدري"، وعنده من كلام السلف فيها أقوال لكنه يقول " لا أدري " خشية أن يقول ما ليس له به علم، أو يرجح ما لم يتبين له ترجيحه، ولا يقول المسألة فيها أقوال كما يفعله كثير ممن يسأل دون أن يرجح، يستعرض بمعرفة الأقوال، أولئك القوم الذين ملئت قلوبهم خشية وعرفوا خطورة القول على الله بغير علم.
فتوقفوا وكان من أكثر قولهم فيما يسألون " لا أدري"، ومن أشهر من حُفِظ عنه " لا أدري"، في فتاواه وكلامه الإمام مالك رحمه الله والإمام أحمد رحمه الله.
وهذا معروف عن كثير من الأئمة المتقدمين.
فالمقصود أنه إذا سئل الإنسان ولم يكن عنده في المسألة علم فينبغي له ألا يخرص ، فإن بعض الناس إذا لم يكن عنده علم بدأ بالتخمين، المسألة احتمال، سمعت، قيل، قرأت، وتبدأ الاحتمالات تأتي وتفتح على المستفتي تشويش، ويستحي إمام المسجد لأنه إمام المسجد أن يقول " لا أدري"، كيف ما يدري ولحيته إلى صرته.
عمر رأى رجلاً فقال: "لتكن لحيتك هذه مانعة لك من الشر".
فينبغي أن يكون الإنسان ممتنعاً من الشر بسبب هيئته، لا متهوكاً في الشر بسبب مظهره.
فينبغي لنا أن نفقه أثر هذه الأمور على الإنسان في فتواه وفي قوله.
يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».
ثم قال:"وخرَّج الترمذي من حديث جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هذا أوان"، أي زمان، "يختلس العلم من الناس"، أي يؤخذ وينزع.
وانظر إلى قوله يختلس، فإنه أخذٌ على وجه خفي لا يشعر الناس بذهابه، لكنه يؤخذ على وجه فيه نوع خفاء، لا يتبين ويظهر.
"فقال زياد بن لبيد: كيف يختلس العلم منا وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا"، سبحان الله! وهذا غفلة من زياد رحمه الله، حيث ظن أن العلم هو إقامة القراءة .
القرآن هو آخر ما يرفع كما رواه الدارمي وغيره من طريق شداد بن معقل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه يسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الصدور منه شيء ولا في المصاحف منه شيء، ويصبح الناس منه فقراء» أخرجه ابن أبي شيبة (10/534)، ح(30819).، أي ليس معهم منه شيء ، وذلك عندما يتعطل العمل بهذا الكتاب فلا ينتفع منه الناس، فبقاؤه في صدورهم ومصاحفهم ليس فيه فائدة لهم.
لكن الذي ينزع هو فهم القرآن، هو إدراك معاني كلام الله تعالى، هو العمل بما في كلام الله تعالى وكلام رسوله.
وإن كان اللفظ قائماً لكن قيام اللفظ لا يغني إذا غاب المعنى فالله لم ينزل القرآن ألفاظاً مجردة بل قال جل وعلا :{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} سورة محمد:24..
وقال تعالى :{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ}، لماذا؟ {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} سورة ص :29..
فالمقصود من الآيات هو التدبر لما فيها من المعاني لا مجرد قراءتها باللفظ واللسان.
يقول:" فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال: ثكلتك أمك يا زياد"، هذه كلمة زجر، وتأنيب لكن لا يقصد معناها، لا يدعو عليه بأن تفقده أمه إنما مما جرى على لسان العرب من دون قصد المعنى.
وهذا مثل كلمة "يداك"، ومثل " عقرى حلقى"، وما أشبه ذلك من الألفاظ التي جرت على لسان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجرت على لسان العرب ، وليس من الدعاء بالسوء على الأخ، إنما هي كلمات تجري على اللسان لا يقصد معناها.
مثل ما يقول بعض الناس الآن إذا أحد صدم له شيء قال له "وجع"، ما يقصد أن يصيبه الوجع، إنما ينفر وكلمة تخرج هكذا من غير إرادة معناها.
أو مثل في بعض الجهات يقول :" الله يغربلك"، أو "الله يفعل بك كذا"، كلمات لا تقصد إنما تجري على اللسان من غير قصد المعنى، هي مثل "ثكلتك أمك"، ومثل " تربت يداك"، ومثل " عقرى حلقى"، وما أشبه ذلك.
يقول :"ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة"، يعني أظنك وأحسبك في فقهاء المدينة، " هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟"، يعني ما الذي نفعتهم وما الذي أجزأته عنهم.
قال:" قال جبير بن نفير: فلقيت عبادة بن الصامت فقلت: ألا تسمع ما يقول أبو الدرداء ؟ فأخبرته بالذي قال ، فقال صدق أبو الدرداء إن شئت لأخبرتك بأول علم يرفع من الناس"، قال رحمه الله :" الخشوع".
الخشوع عملٌ في القلب هو في حقيقته يصدر عن كمال التعظيم لله تعالى ، فمن عظم في تعظيمه، وكمل في إجلاله لله تعالى، خشع لله قلبه.
فالذي يشكو قسوة القلب وعدم الخشوع في الصلاة، أو في غيرها من الأعمال، لأن الخشوع ليس خاصاً بالصلاة إنما الخشوع سمة عامة تكون في الصلاة والزكاة والحج وسائر الحياة.
فهو عمل قلبي لا يختص بالصلاة، نحن لا نفهم من الخشوع إلا أيش؟ أنه تخشع في الصلاة.
في حين أن الخشوع ليس مقصورا على الصلاة، إنما يكون في الصلاة، وقد ذكر في الصلاة خصوصاً لأنه الموقف الذي يناجي فيه العبد ربه سبحانه وتعالى ويختلي بالله تعالى، فهو أبلغ وأعظم المقامات التي ينبغي أن يكون الخشوع فيها ظاهراً، لكن الخشوع لا يقتصر على الصلاة بمعنى أنك تخشع وتذل لله تعالى في الصلاة ثم إذا انقضت الصلاة علوت وتكبرت، لا ، لا يكون هذا أبداً .
إنما يكون ذلك في الصلاة وفي غيرها.
ولذلك يقول:"لأخبرنك بأول علم يرفع: الخشوع، يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه خاشعاً".
والله تعالى قد أمر بالخشوع في الصلاة خصوصاً وهي من العبادات التي تكون في الصلاة وفي غيرها .
يقول:"وخرَّجه النسائي ..."، ذكر الحديث من طريق آخر ، من طريق شداد بن أوس يقول :" فحدثته بحديث عوف، فقال: صدق ، ألا أخبرك بأول ذلك، يرفع الخشوع حتى لا ترى خاشعاً".
وكذلك ذكر تخريج الإمام أحمد له"أنه ذكر شيئاً فقال: ذاك عند أوان ذهاب العلم، وهو يعني ذهاب العلم فذكر الحديث ، وقال فيه :«أوليس اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء مما فيها»" المسند" (4/160).، ولم يذكر ما بعدها"، وهذا من المؤلف رحمه الله ذكر شواهد لحديث أبي الدرداء وما ذكره عبادة بن الصامت من ارتفاع العلم.
وهذا الحديث قال عنه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/470). :" إسناده حسن".
وفي إسناده عمران بن داود القطان وقد ضعفه ابن معين والنسائي، ووثقه أحمد وابن حبان.
فالحديث لا بأس به من جهة الإسناد، كما ذكر ذلك الهيثمي، وكما هو ظاهر صنيع ابن رجب رحمه الله حيث ذكره وساق له الشواهد.
الآن . المقطع هذا أفادنا أن العلم يرتفع، وأن بقاء العلم ببقاء حملته، فإذا ذهب حملة العلم ذهب العلم.
فما هو أول علم يرفع؟ الخشوع.
والخشوع عمل من أعمال الظاهر أو عمل من أعمال الباطن؟ عمل من أعمال القلوب.
يقول المؤلف رحمه الله:"ففي هذه الأحاديث أن ذهاب العلم بذهاب العمل، وأن الصحابة فسروا ذلك بذهاب العلم الباطن من القلوب وهو الخشوع، وكذا روي عن حذيفة رضي الله عنه أن أول ما يرفع من العلم الخشوع، فإن العلم علمان كما قال الحسن: علم اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم، وعلم في القلب، فذاك العلم النافع.
وروي عن الحسن رضي الله عنه مرسلاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وفي "صحيح مسلم" برقم (822). عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع".
يقول رحمه الله :"ففي هذه الأحاديث أن ذهاب العلم بذهاب العمل"، ذهاب العلم بذهاب العمل، فبقاء علم اللسان والبيان لا يفيد في بقاء العلم.
إنما يكون العلم باقياً نافعاً إذا بقي العمل به.
ولذلك يقول رحمه الله :" ففي هذه الأحاديث أن ذهاب العلم بذهاب العمل، وأن الصحابة فسروا ذلك بذهاب العلم الباطن".
والعلم علمان: علم القلب وعلم يظهر على الإنسان في لسانه وقوله.
فالذي يذهب أولاً هو ما يكون في القلب، ولذلك قال :" وأن الصحابة فسروا ذلك بذهاب العلم الباطن من القلوب وهو الخشوع، وكذا روي عن حذيفة رضي الله عنه أن أول ما يرفع من العلم الخشوع، فإن العلم علمان كما قال الحسن"، وروي مرسلاً أخرجه الدارمي(1/102). عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق الحسن "العلم علمان: علم اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم، وعلم في القلب، فذاك العلم النافع".
ثم قال رحمه الله :"وروي عن الحسن رضي الله عنه مرسلاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
" وفي "صحيح مسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم"، لا يصل إلى قلوبهم، لا يجاوز تراقيهم غاية ما في هذا العلم هو إتقان إخراجه بأفواههم، أما ما وراء ذلك من كون ينتفع القلب بهذا العلم فذاك غائب عنهم.
"إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم"، فليس لهذا القرآن أثر في قلوبهم زكاء وصلاحاً، ولا تأثير في أفئدتهم استقامة وإقامة لدين الله تعالى وما أمر به.
" ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع"، وهذا بيان للعلم النافع.
ولذلك يذكر المؤلف الآن جملة من النصوص والنقول في بيان العلم النافع الذي ينبغي لطالب العلم، بل لكل مسلم أن يسعى في تحصيله وتأكيده وتوثيقه.