×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / الحديث وعلومه / ورثة الأنبياء / الدرس(3) ولنشرع الآن في شرح حديث أبي الدرداء رضي الله عنه

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

    يقول بعد ذلك :"ولنشرع الآن في شرح حديث أبي الدرداء رضي الله عنه الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقوله صلى الله عليه وسلم «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله له به طريقا إلى الجنة».  وفي رواية أخرى:«سهل الله له به طريقا إلى الجنة»+++ أخرجها البخاري معلقا باب العلم قبل القول والعمل. ---. وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة»+++"صحيح مسلم" (2699).---. سلوك الطريق لالتماس العلم يحتمل أن يراد به السلوك الحقيقي وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلم. ويحتمل أن يشمل ما هو أعم من ذلك، من سلوك الطريق المعنوية المؤدية إلى حصول العلم ، مثل حفظه ومدارسته ومطالعته ومذاكرته، والتفهم له، والتفكر فيه، ونحو ذلك من الطرق التي يتوصل بها إلى العلم". شرع رحمه الله في شرح حديث أبي الدرداء الذي افتتح به هذه الرسالة المباركة وأول ما فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم"«من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله له به طريقا إلى الجنة»".  ذكر المؤلف رحمه الله أن في بعض روايات الحديث "«سهل الله له به طريقا إلى الجنة»"، وهذه الرواية يشهد لها ما في "صحيح مسلم"، ولذلك قال:"وفي "صحيح مسلم" "، عن أبي صالح"عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة»"، بين لنا ما معنى سلوك الطريق. فقال:"سلوك الطريق لالتماس العلم يحتمل أن يراد به السلوك الحقيقي"، أي السير على الأقدام إلى حيث العلم، إما إلى مجالس العلم، وإما إلى أهل العلم بسؤالهم والأخذ عنهم أو غير ذلك من السلوك الحقيقي. فالذي يسافر من بلده إلى بلد فيها علم، هذا سلك طريقا يلتمس فيه علما سلوكا حقيقيا، سار بقدمه أو بدابته أو براحلته أو بسيارته، هذا سلوك حقيقي. "ويحتمل أن يشمل ما هو أعم من ذلك"، وهو السلوك بجميع صوره. السلوك الحقيقي والسلوك المعنوي، فجلوسك في بلدك، واشتغالك بحفظ القرآن ومطالعة الكتب بمراجعة المسائل، بسماع الأشرطة وغير ذلك من وسائل التحصيل هو من السلوك.  فالذين يستمعون إلى درسنا الآن عبر وسائل الاتصال كالشبكة العنكبوتية مثلا هؤلاء سلكوا طريقا يلتمسون به علما مع أنهم في بيوتهم، أو في مكاتبهم أو في بلدانهم، لكنهم سلكوا طريقا حسيا نوعا ما، ومعنويا في التحصيل حيث أنهم لم يسيروا على أقدامهم . وأما الذين جاءوا وحضروا هذا المجلس فهم قد سلكوا طريقا حقيقيا، ساروا بأقدامهم لإدراك العلم. يقول :"ويحتمل أن يشمل ما هو أعم من ذلك ، من سلوك الطريق المعنوية المؤدية إلى حصول العلم"، ومثل لذلك بأمثلة، قال :"مثل حفظه"، أي حفظ العلم، "ومدارسته ومطالعته ومذاكرته ، والتفهم له، والتفكر فيه، ونحو ذلك من الطرق التي يتوصل بها إلى العلم".  أي المعنيين أقرب في مقصود قوله صلى الله عليه وسلم «من سلك طريقا يلتمس فيه علما» ؟. الذي يظهر المعنى الثاني، وأن الحديث يشمل كل سلوك يسلكه الإنسان لتحصيل العلم ، لأن الطرق تنقسم إلى قسمين: طرق حقيقية وطرق معنوية، والمقصود هو بذل الجهد في تحصيل العلم. وقد جاء الحديث بصيغة الشرط، وذكر الطريق هنا منكرا، وهذا يفيد العموم. فقوله «من سلك طريقا»، يعني أي طريق، يشمل الطريق الحسي، والطريق المعنوي، يشمل السير على الأقدام والمطالعة في الكتب وإجالة النظر في مؤلفات العلماء، كل ذلك يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم «من سلك طريقا يلتمس فيه علما».  وقوله صلى الله عليه وسلم « علما»، يشمل كل علوم الشريعة، من أين أخذنا هذا العموم؟ من أنه نكره في سياق الشرط فأفادت العموم، لأن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم. وهذه بشارة لكل من اشتغل بعلم من علوم الشريعة، سواء كان ذلك في علم التفسير، أو علم الفقه، أو علم الحديث، أو علوم الآلة التي يستعان بها على فهم كلام الله وكلام رسوله، فإن كل ذلك يدخل في هذه البشارة النبوية «من سلك طريقا يلتمس»، أي يطلب ، ويسعى من خلاله لإدراك علم، «سلك الله له به طريقا إلى الجنة». قال:"وأما قوله «سهل الله له به طريقا إلى الجنة» فإنه يحتمل أمورا منها: أن يسهل الله لطالب العلم العلم الذي طلبه وسلك طريقه ويسره عليه فإن العلم طريق موصل إلى الجنة. وهذا كقوله تعالى:{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}+++ سورة القمر:17.---. وقالت طائفة من السلف في هذه الآية:"هل من طالب علم فيعان عليه". ومنها أن ييسر الله لطالب العلم العمل بمقتضى ذلك العلم، إذا قصد بتعلمه وجه الله، فيجعله الله سببا لهدايته والانتفاع به والعمل به وذلك من طريق الجنة الموصلة إليها. ومنها أن الله تعالى ييسر لطالب العلم الذي يطلبه للعمل به علوما أخر، ينتفع بها فيكون طريقا موصل إلى الجنة. وهذا كما قيل :"من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم". وكما يقال :" ثواب الحسنة الحسنة بعدها". وإلى هذا إشارة بقوله تعالى:{ويزيد الله الذين اهتدوا هدى}+++ سورة مريم:76.---. وقوله :{والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}+++ سورة محمد:17.---. فمن التمس العلم ليهتدي به زاده الله هدى وعلوما نافعة توجب له أعمالا صالحة، وكل هذه طرق موصلة إلى الجنة. ومنها أن الله تعالى قد ييسر لطالب العلم الانتفاع به في الآخرة، وسلوك الطريق الحسنى المفضي إلى الجنة، وهو الصراط وما بعده وما قبله من الأهوال العظيمة والعقبات الشديدة الشاقة". ونرجوا الله تعالى العظيم الكريم المنان أن يجعل جميع هذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله حاصلا لكل من سلك طريقا يلتمس فيه علما، ففضل الله تعالى واسع. المؤلف رحمه الله ذكر في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم «سهل الله له به طريقا إلى الجنة »، أمورا  كلها يمكن أن تدخل في معنى هذا الخبر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، فما معنى هذا؟ المعنى الأول الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله أن الله تعالى ييسر له تحصيل ما قصده من العلم. ولذلك قال :"منها:أن يسهل الله لطالب العلم العلم الذي طلبه وسلك طريقه ويسره عليه". وهذا لا شك أنه حاصل سواء دخل في معنى الحديث أو لم يدخل، سواء قلنا إن معنى قوله «سهل الله له به طريقا إلى الجنة »، أنه بشارة بتسهيل وتيسير  ما قصده من العلم، أو قلنا لا يدل عليه ، هذا أمر محقق. فكل من سلك طريقا يلتمس فيه علما فله بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بل من رب العالمين أنه سيدرك ما قصد، دليل ذلك قوله تعالى:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}+++ سورة العنكبوت:69.---. والجهاد يكون في تحصيل العلوم الشرعية فإن من الجهاد أن يكون المرء مشتغلا بتحصيل العلم كما دل عليه قول الله تعالى في سورة التوبة:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم}+++ سورة التوبة:122.---، هذا النفير في أحد قولي أهل العلم هو النفير لطلب العلم، فجعله عدلا للنفير في قتال الكفار وقتال من يستحق القتال. المقصود أن من سلك طريقا يلتمس فيه علما فإن الله سييسر له العلم إذا جد في تحصيل مطلوبه ولقد قال الله تعالى:{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}. والتيسير هنا ليس فقط تيسير التلاوة، إنما هو تيسير التلاوة وتيسير فهم المعاني، وإدراك المقاصد لمن اهتم بها. يقول قائل الآن: كثير من الناس يحسنون القراءة ويجودونها على أكمل الوجوه لكنهم لا يفهمون المعاني؟.  الجواب :نعم لأنهم لم يوفروا هممهم لإدراك المعاني، إنما وفروا هممهم لإدراك الأحرف وتجويد القراءة دون إتقان المعاني وفهمها. ولا شك أن الهم الذي يقوم في قلب العبد سيوجهه إلى العناية، فإذا قام في قلبه الاهتمام بفهم كلام الله تعالى فسييسر الله تعالى له ذلك. بخلاف ذلك الذي جعل غاية همه ومنتهى غايته وطلبه أن يقيم لسانه بقراءة القرآن، {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}، يسر الله تعالى تلاوته، ويسر الله تعالى فهمه ويسر الله تعالى العمل به، فكل هذه المعاني الثلاثة مستفادة من الآية. ما هي المعاني الثلاثة؟ {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}، هناك ثلاث تيسيرات: الأول - يسر تلاوته وحفظه. الثاني - يسر فهم معانيه. الثالث - يسر الله تعالى العمل به. كل هذه المعاني تدخل في قوله تعالى {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}. قال :"وقالت طائفة من السلف في هذه الآية:" هل من طالب علم فيعان عليه "، هذا حث ، وأن كل من طلب العلم سيعان عليه. المعنى الثاني الذي يدخل في قوله«سهل الله له به طريقا إلى الجنة»، " أن ييسر الله لطالب العلم العلم بمقتضى ذلك العلم"، وذلك أن العلم يدعو إلى العمل، فإذا صدق العبد في تعلمه أثمر عملا. وقد قال سفيان بن عيينة :" طلبنا العلم إلى غير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله". فكلما ازداد الإنسان علما أصلح ذلك من قلبه وأقامه على الجادة ، وإذا صلح القلب صلحت الأعمال. المعنى الثالث: الذي أشار إليه "أن الله تعالى ييسر لطالب العلم الذي يطلبه للعمل"، به لا للمراءاة ، ولا للمجادلة، ييسر له " علوما أخر ينتفع بها"، أي أنه ببركة قصده أن يتعلم ليعمل يفتح الله له من العلوم ما ليس له على بال. وهذا مشاهد ملموس مدرك في حياة كثير من أهل العلم الذين صدقوا في تعلمهم ففتح الله لهم من العلوم في كلام الله تعالى وكلام رسوله ما لم يسبقوا إليه، ذلك بصدق نيتهم وعملهم بما تعلموا . المعنى الأخير الذي أشار إليه أنه يسهل الله تعالى عليه أهوال يوم القيامة فيخفف عليه كربات المحشر ويخفف أهواله، وييسر له سلوك الصراط المضروب على متن جهنم لاستقامته على الصراط في الدنيا . كل هذه المعاني، كم هي ؟ أربعة معاني ذكرها الله تعالى كلها يمكن أن تستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة». فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلك بنا سبل الهدى والرشاد. يقول رحمه الله:"وسبب تيسير طريق الجنة على طالب العلم إذا أراد به وجه الله عز وجل وطلب مرضاته أن العلم يدل على الله من أقرب الطرق وأسهلها، فمن سلك طريقه ولم يعوج عنه وصل إلى الله وإلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها، فتسهلت عليه الطرق الموصلة إلى الجنة كلها في الدنيا وفي الآخرة، ومن سلك طريقا يظنه طريق الجنة بغير علم فقد سلك أعسر الطرق وأشقها، ولا يوصل إلى المقصود مع عسرة شديدة". المؤلف رحمه الله ذكر في هذا المقطع من كلامه، قال رحمه الله :" وسبب تيسير طريق الجنة على طالب العلم إذا أراد به وجه الله عز وجل وطلب مرضاته أن العلم يدل على الله"، هذا فيه بيان العلة من قول النبي صلى الله عليه وسلم «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله له به طريقا إلى الجنة». وفي الرواية التي في "الصحيح" «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة». في بيان وتوضيح ما الحكمة، ما الغاية، ما السر،  ما العلة في ارتباط هذين الأمرين في بناء تسهيل طريق الجنة على سلوك طريق يلتمس فيه علما. قال رحمه الله :" أن العلم يدل على الله"، السبب "أن العلم يدل على الله من أقرب الطرق وأسهلها". وذلك أن الوصول إلى الله تعالى يكون بطرق كثيرة أقربها وأيسرها وأسهلها وأنجعها في إصابة المقصود ونيل المراد، أن يطلبه الإنسان من طريق العلم الذي جاءت به الرسل. قال :"فمن سلك طريقه"، سلك طريق العلم "ولم يعوج"، يعني لم يمل يمنة ويسرة، بل قصد وتيمم الغاية، والغرض "وصل إلى الله وإلى الجنة"، فمن وصل إلى الله وصل إلى الجنة، لأن الجنة هي موعود الله تعالى لمن قصده وصدق في رغبته وطلبه. يقول رحمه الله :"وصل إلى الله وإلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها فتسهلت عليه الطرق الموصلة إلى الجنة كلها"، تتسهل له جميع الطرق وذلك أن الطرق الموصلة إلى الجنة هي طريق واحد وهو الصراط المستقيم. لكن هذا الصراط المستقيم فيه أبواب من أبواب الخير، وأعمال متنوعة، ووسائل شتى توصل إلى الله تعالى فباب أعمال القلوب، وباب أعمال الجوارح، أعمال الجوارح أبواب: الصلاة الزكاة الصوم الحج الجهاد، وسائر أنواع العمل الصالح كلها توصل إلى الله تعالى. يقول :"ومن سلك طريقا يظنه طريق الجنة بغير علم"، ما الذي يصيبه، وما الذي يحصل له؟ يقول :"فقد سلك أعسر الطرق وأشقها"، لأنه يتعب نفسه ولا يدرك مقصوده. يتعب نفسه في السير والطرق لهذه الطرق. "ولا يوصل إلى المقصود"،لأن الطرق الموصلة إلى الله تعالى كلها قد سدت، لأن الطرق الموصلة إلى الله تعالى كلها قد سدت إلا طريقا واحدا هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم . فمن سلك طريقا يلتمس فيه هداية غير الطريق الذي كان عليه  صلى الله عليه وسلم أو من غير طريقه فإنه لن يصل. قال:"ولا يوصل إلى المقصود مع عسرة شديدة"، أي مع مشقة وعناء. الآن يبين لنا الطريق الموصل إلى الله تعالى فيقول رحمه الله :"فلا طريق إلى معرفة الله وإلى الوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه فهو الدليل عليه وبه يهتدى به في ظلمات الجهل والشبه والشكوك، وقد سمى الله كتابه نورا يهتدى به في الظلمات كما قال الله تعالى:{قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}+++ سورة المائدة.---.  وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثل من حمل العلم الذي جاء به بالنجوم التي يهتدى بها في الظلمات كما في "المسند" عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا طمست النجوم أوشك أن تضل الهدى»+++"المسند" (3/157) وإسناده ضعيف جدا.--- وهذا مثل في غاية المطابقة لأن طريق التوحيد والعلم بالله تعالى وأحكامه وثوابه وعقابه لا يدرك بالحس إنما يعرف بالدليل، وقد بين ذلك كله في كتابه وعلى لسان رسوله. فالعلماء بما أنزل الله على رسوله هم الأدلاء الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهل والشبه والضلال، فإذا فقدوا ضل السالك، وقد شبه العلماء بالنجوم والنجوم في السماء فيها ثلاث فوائد:  يهتدى بها في الظلمات.  وهي زينة للسماء.  ورجوم للشياطين الذين يسترقون السمع منها. والعلماء في الأرض تجتمع فيهم هذه الأوصاف الثلاثة، بهم يهتدى في الظلمات، وهم زينة الأرض، وهم رجوم للشياطين الذين يخلطون الحق بالباطل ويدخلون في الدين ما ليس منه من أهل الأهواء. وما دام العلم باقيا في الأرض فالناس في هدى". المؤلف رحمه الله يقول :"فلا طريق إلى معرفة الله وإلى الوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة إلا بالعلم النافع"، قال الله جل وعلا :{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا}+++ سورة الفتح:28.---. فالله تعالى أرسل الرسل بأمرين: بالهدى ودين الحق. والهدى هو العلم النافع الذي يثمر العمل الصالح. ودين الحق: أي بالعلم النافع وبالعمل الصالح الذي يوصل إلى الله تعالى، فإن أقرب الطرق التي توصل إلى الله جل وعلا هي الأعمال الصالحة التي بناؤها على العلم والإخلاص:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة}+++ سورة المائدة: 35.---، وابتغاء الوسيلة هو ابتغاء الطريق والقربة إليه سبحانه وبحمده بما يتقرب به إليه مما شرعه. يقول رحمه الله في بيان العلم النافع ليميزه عن غيره وسيأتي مزيد تفصيل وتوضيح للعلم النافع يقول:"الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه"،حتى لا يكون الإنسان في عمى ما هو العلم النافع، فبينه رحمه الله أنه ما كان مأخوذا من الرسل الذين لا ينطقون عن الهوى "الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه فهو الدليل عليه"، يعني هو الذي يدل الخلق على الله جل وعلا. "وبه يهتدى به في ظلمات الجهل والشبه والشكوك"، وظلمات الجهل والشبه والشكوك تحيط بالإنسان منذ نشأته، قال الله تعالى{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}+++ سورة النحل:78.----. وهذا معناه أن العلم منفي عن الإنسان وأنه يتعلم بالتعليم وإن كان قد يسر الله له فطرة تدل عليه لكن هذه الفطرة قد يغشاها ما يعكر بيانها وما يذهب أثرها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه...»+++ "صحيح البخاري"(1358)، ومسلم (2658).---. هذه الفطرة إذا لم ترعى وتحفظ تزيغ وتضل، فالإنسان يولد على الجهل، وإذا سلم من الجهل كمل دينه وعلمه؛ ولذلك ذكر الله تعالى في عوائق حمل الأمانة ما ذكره من وصف الإنسان في قوله:{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}+++ سورة الأحزاب:72.---. فذكر الإنسان بوصفين هما من أعظم ما يعيقه عن حمل هذه الأمانة التي تحملها الظلم والجهل. فالعلم يهتدى به في ظلمات الجهل والشبه والشكوك. الجهل هو عدم العلم.  والشبهة هو عدم وضوح العلم. والشكوك هو عارض يعرض على العلم يجعله ملتبسا على الإنسان. فالشبه والشكوك متقاربة.

المشاهدات:11481
    يقول بعد ذلك :"ولنشرع الآن في شرح حديث أبي الدرداء رضي الله عنه الذي رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله له به طريقاً إلى الجنة».
 وفي رواية أخرى:«سهل الله له به طريقاً إلى الجنة» أخرجها البخاري معلقاً باب العلم قبل القول والعمل. .
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة»"صحيح مسلم" (2699)..
سلوك الطريق لالتماس العلم يحتمل أن يراد به السلوك الحقيقي وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلم.
ويحتمل أن يشمل ما هو أعم من ذلك، من سلوك الطريق المعنوية المؤدية إلى حصول العلم ، مثل حفظه ومدارسته ومطالعته ومذاكرته، والتفهم له، والتفكر فيه، ونحو ذلك من الطرق التي يتوصل بها إلى العلم".
شرع رحمه الله في شرح حديث أبي الدرداء الذي افتتح به هذه الرسالة المباركة وأول ما فيه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"«من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله له به طريقاً إلى الجنة»".
 ذكر المؤلف رحمه الله أن في بعض روايات الحديث "«سهل الله له به طريقاً إلى الجنة»"، وهذه الرواية يشهد لها ما في "صحيح مسلم"، ولذلك قال:"وفي "صحيح مسلم" "، عن أبي صالح"عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة»"، بيَّن لنا ما معنى سلوك الطريق.
فقال:"سلوك الطريق لالتماس العلم يحتمل أن يراد به السلوك الحقيقي"، أي السير على الأقدام إلى حيث العلم، إما إلى مجالس العلم، وإما إلى أهل العلم بسؤالهم والأخذ عنهم أو غير ذلك من السلوك الحقيقي.
فالذي يسافر من بلده إلى بلد فيها علم، هذا سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلوكاً حقيقياً، سار بقدمه أو بدابته أو براحلته أو بسيارته، هذا سلوك حقيقي.
"ويحتمل أن يشمل ما هو أعم من ذلك"، وهو السلوك بجميع صوره.
السلوك الحقيقي والسلوك المعنوي، فجلوسك في بلدك، واشتغالك بحفظ القرآن ومطالعة الكتب بمراجعة المسائل، بسماع الأشرطة وغير ذلك من وسائل التحصيل هو من السلوك. 
فالذين يستمعون إلى درسنا الآن عبر وسائل الاتصال كالشبكة العنكبوتية مثلاً هؤلاء سلكوا طريقاً يلتمسون به علماً مع أنهم في بيوتهم، أو في مكاتبهم أو في بلدانهم، لكنهم سلكوا طريقاً حسياً نوعاً ما، ومعنوياً في التحصيل حيث أنهم لم يسيروا على أقدامهم .
وأما الذين جاءوا وحضروا هذا المجلس فهم قد سلكوا طريقاً حقيقياً، ساروا بأقدامهم لإدراك العلم.
يقول :"ويحتمل أن يشمل ما هو أعم من ذلك ، من سلوك الطريق المعنوية المؤدية إلى حصول العلم"، ومثَّل لذلك بأمثلة، قال :"مثل حفظه"، أي حفظ العلم، "ومدارسته ومطالعته ومذاكرته ، والتفهم له، والتفكر فيه، ونحو ذلك من الطرق التي يتوصل بها إلى العلم".
 أي المعنيين أقرب في مقصود قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً» ؟.
الذي يظهر المعنى الثاني، وأن الحديث يشمل كل سلوك يسلكه الإنسان لتحصيل العلم ، لأن الطرق تنقسم إلى قسمين:
طرق حقيقية وطرق معنوية، والمقصود هو بذل الجهد في تحصيل العلم.
وقد جاء الحديث بصيغة الشرط، وذكر الطريق هنا مُنَكَّراً، وهذا يفيد العموم.
فقوله «من سلك طريقاً»، يعني أيَّ طريق، يشمل الطريق الحسي، والطريق المعنوي، يشمل السير على الأقدام والمطالعة في الكتب وإجالة النظر في مؤلفات العلماء، كل ذلك يدخل في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً».
 وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « علماً»، يشمل كل علوم الشريعة، من أين أخذنا هذا العموم؟ من أنه نكره في سياق الشرط فأفادت العموم، لأن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم.
وهذه بشارة لكل من اشتغل بعلم من علوم الشريعة، سواء كان ذلك في علم التفسير، أو علم الفقه، أو علم الحديث، أو علوم الآلة التي يستعان بها على فهم كلام الله وكلام رسوله، فإن كل ذلك يدخل في هذه البشارة النبوية «من سلك طريقاً يلتمس»، أي يطلب ، ويسعى من خلاله لإدراك علم، «سلك الله له به طريقاً إلى الجنة».
قال:"وأما قوله «سهل الله له به طريقاً إلى الجنة» فإنه يحتمل أموراً منها:
أن يسهل الله لطالب العلمِ العلم الذي طلبه وسلك طريقه ويسره عليه فإن العلم طريق موصل إلى الجنة.
وهذا كقوله تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} سورة القمر:17..
وقالت طائفة من السلف في هذه الآية:"هل من طالب علم فيعان عليه".
ومنها أن ييسر الله لطالب العلمِ العمل بمقتضى ذلك العلم، إذا قصد بتعلمه وجه الله، فيجعله الله سبباً لهدايته والانتفاع به والعمل به وذلك من طريق الجنة الموصلة إليها.
ومنها أن الله تعالى ييسر لطالب العلم الذي يطلبه للعمل به علوماً أخر، ينتفع بها فيكون طريقاً موصل إلى الجنة.
وهذا كما قيل :"من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم".
وكما يقال :" ثواب الحسنةِ الحسنة بعدها".
وإلى هذا إشارة بقوله تعالى:{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} سورة مريم:76..
وقوله :{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} سورة محمد:17..
فمن التمس العلم ليهتدي به زاده الله هدى وعلوما نافعة توجب له أعمالاً صالحة، وكل هذه طرق موصلة إلى الجنة.
ومنها أن الله تعالى قد ييسر لطالب العلم الانتفاع به في الآخرة، وسلوك الطريق الحسنى المفضي إلى الجنة، وهو الصراط وما بعده وما قبله من الأهوال العظيمة والعقبات الشديدة الشاقة".
ونرجوا الله تعالى العظيم الكريم المنان أن يجعل جميع هذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله حاصلاً لكل من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، ففضل الله تعالى واسع.
المؤلف رحمه الله ذكر في معنى قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سهل الله له به طريقاً إلى الجنة »، أموراً  كلها يمكن أن تدخل في معنى هذا الخبر، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بأنه من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة ، فما معنى هذا؟
المعنى الأول الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله أن الله تعالى ييسر له تحصيل ما قصده من العلم.
ولذلك قال :"منها:أن يسهل الله لطالب العلمِ العلم الذي طلبه وسلك طريقه ويسره عليه".
وهذا لا شك أنه حاصل سواء دخل في معنى الحديث أو لم يدخل، سواء قلنا إن معنى قوله «سهل الله له به طريقاً إلى الجنة »، أنه بشارة بتسهيل وتيسير  ما قصده من العلم، أو قلنا لا يدل عليه ، هذا أمر محقق.
فكل من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً فله بشارة من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل من رب العالمين أنه سيدرك ما قصد، دليل ذلك قوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} سورة العنكبوت:69..
والجهاد يكون في تحصيل العلوم الشرعية فإن من الجهاد أن يكون المرء مشتغلاً بتحصيل العلم كما دل عليه قول الله تعالى في سورة التوبة:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} سورة التوبة:122.، هذا النفير في أحد قولي أهل العلم هو النفير لطلب العلم، فجعله عدلاً للنفير في قتال الكفار وقتال من يستحق القتال.
المقصود أن من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً فإن الله سييسر له العلم إذا جدَّ في تحصيل مطلوبه ولقد قال الله تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.
والتيسير هنا ليس فقط تيسير التلاوة، إنما هو تيسير التلاوة وتيسير فهم المعاني، وإدراك المقاصد لمن اهتم بها.
يقول قائل الآن: كثير من الناس يحسنون القراءة ويجودونها على أكمل الوجوه لكنهم لا يفهمون المعاني؟.
 الجواب :نعم لأنهم لم يوفروا هممهم لإدراك المعاني، إنما وفروا هممهم لإدراك الأحرف وتجويد القراءة دون إتقان المعاني وفهمها.
ولا شك أن الهم الذي يقوم في قلب العبد سيوجهه إلى العناية، فإذا قام في قلبه الاهتمام بفهم كلام الله تعالى فسييسر الله تعالى له ذلك.
بخلاف ذلك الذي جعل غاية همه ومنتهى غايته وطلبه أن يقيم لسانه بقراءة القرآن، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}، يسر الله تعالى تلاوته، ويسر الله تعالى فهمه ويسر الله تعالى العمل به، فكل هذه المعاني الثلاثة مستفادة من الآية.
ما هي المعاني الثلاثة؟
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}، هناك ثلاث تيسيرات:
الأول - يسر تلاوته وحفظه.
الثاني - يسر فهم معانيه.
الثالث - يسر الله تعالى العمل به.
كل هذه المعاني تدخل في قوله تعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.
قال :"وقالت طائفة من السلف في هذه الآية:" هل من طالب علم فيعان عليه "، هذا حثٌّ ، وأن كل من طلب العلم سيعان عليه.
المعنى الثاني الذي يدخل في قوله«سهل الله له به طريقاً إلى الجنة»، " أن ييسر الله لطالب العلمِ العلم بمقتضى ذلك العلم"، وذلك أن العلم يدعو إلى العمل، فإذا صدق العبد في تعلمه أثمر عملاً.
وقد قال سفيان بن عيينة :" طلبنا العلم إلى غير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله".
فكلما ازداد الإنسان علماً أصلح ذلك من قلبه وأقامه على الجادة ، وإذا صلح القلب صلحت الأعمال.
المعنى الثالث: الذي أشار إليه "أن الله تعالى ييسر لطالب العلم الذي يطلبه للعمل"، به لا للمراءاة ، ولا للمجادلة، ييسر له " علوماً أخر ينتفع بها"، أي أنه ببركة قصده أن يتعلم ليعمل يفتح الله له من العلوم ما ليس له على بال.
وهذا مشاهد ملموس مدرك في حياة كثير من أهل العلم الذين صدقوا في تعلمهم ففتح الله لهم من العلوم في كلام الله تعالى وكلام رسوله ما لم يسبقوا إليه، ذلك بصدق نيتهم وعملهم بما تعلموا .
المعنى الأخير الذي أشار إليه أنه يسهل الله تعالى عليه أهوال يوم القيامة فيخفف عليه كربات المحشر ويخفف أهواله، وييسر له سلوك الصراط المضروب على متن جهنم لاستقامته على الصراط في الدنيا .
كل هذه المعاني، كم هي ؟ أربعة معاني ذكرها الله تعالى كلها يمكن أن تستفاد من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة».
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلك بنا سُبل الهدى والرشاد.
يقول رحمه الله:"وسبب تيسير طريق الجنة على طالب العلم إذا أراد به وجه الله عز وجل وطلب مرضاته أن العلم يدل على الله من أقرب الطرق وأسهلها، فمن سلك طريقه ولم يعوج عنه وصل إلى الله وإلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها، فتسهلت عليه الطرق الموصلة إلى الجنة كلها في الدنيا وفي الآخرة، ومن سلك طريقاً يظنه طريق الجنة بغير علم فقد سلك أعسر الطرق وأشقها، ولا يوصل إلى المقصود مع عسرة شديدة".
المؤلف رحمه الله ذكر في هذا المقطع من كلامه، قال رحمه الله :" وسبب تيسير طريق الجنة على طالب العلم إذا أراد به وجه الله عز وجل وطلب مرضاته أن العلم يدل على الله"، هذا فيه بيان العلة من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله له به طريقاً إلى الجنة».
وفي الرواية التي في "الصحيح" «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة».
في بيان وتوضيح ما الحكمة، ما الغاية، ما السر،  ما العلة في ارتباط هذين الأمرين في بناء تسهيل طريق الجنة على سلوك طريق يلتمس فيه علماً.
قال رحمه الله :" أن العلم يدل على الله"، السبب "أن العلم يدل على الله من أقرب الطرق وأسهلها".
وذلك أن الوصول إلى الله تعالى يكون بطرق كثيرة أقربها وأيسرها وأسهلها وأنجعها في إصابة المقصود ونيل المراد، أن يطلبه الإنسان من طريق العلم الذي جاءت به الرسل.
قال :"فمن سلك طريقه"، سلك طريق العلم "ولم يعوج"، يعني لم يمل يمنة ويسرة، بل قصد وتيمم الغاية، والغرض "وصل إلى الله وإلى الجنة"، فمن وصل إلى الله وصل إلى الجنة، لأن الجنة هي موعود الله تعالى لمن قصده وصدق في رغبته وطلبه.
يقول رحمه الله :"وصل إلى الله وإلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها فتسهلت عليه الطرق الموصلة إلى الجنة كلها"، تتسهل له جميع الطرق وذلك أن الطرق الموصلة إلى الجنة هي طريق واحد وهو الصراط المستقيم.
لكن هذا الصراط المستقيم فيه أبواب من أبواب الخير، وأعمال متنوعة، ووسائل شتَّى توصل إلى الله تعالى فباب أعمال القلوب، وباب أعمال الجوارح، أعمال الجوارح أبواب: الصلاة الزكاة الصوم الحج الجهاد، وسائر أنواع العمل الصالح كلها توصل إلى الله تعالى.
يقول :"ومن سلك طريقاً يظنه طريق الجنة بغير علم"، ما الذي يصيبه، وما الذي يحصل له؟ يقول :"فقد سلك أعسر الطرق وأشقها"، لأنه يتعب نفسه ولا يدرك مقصوده.
يتعب نفسه في السير والطرق لهذه الطرق.
"ولا يوصل إلى المقصود"،لأن الطرق الموصلة إلى الله تعالى كلها قد سدت، لأن الطرق الموصلة إلى الله تعالى كلها قد سدت إلا طريقاً واحداً هو ما كان عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فمن سلك طريقاً يلتمس فيه هداية غير الطريق الذي كان عليه  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من غير طريقه فإنه لن يصل.
قال:"ولا يوصل إلى المقصود مع عسرة شديدة"، أي مع مشقة وعناء.
الآن يبين لنا الطريق الموصل إلى الله تعالى فيقول رحمه الله :"فلا طريق إلى معرفة الله وإلى الوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه فهو الدليل عليه وبه يهتدى به في ظلمات الجهل والشبه والشكوك، وقد سمَّى الله كتابه نورا يهتدى به في الظلمات كما قال الله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} سورة المائدة..
 وقد ضرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل من حمل العلم الذي جاء به بالنجوم التي يهتدى بها في الظلمات كما في "المسند" عن أنس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا طمست النجوم أوشك أن تضل الهدى»"المسند" (3/157) وإسناده ضعيف جداً. وهذا مثل في غاية المطابقة لأن طريق التوحيد والعلم بالله تعالى وأحكامه وثوابه وعقابه لا يدرك بالحس إنما يعرف بالدليل، وقد بيَّن ذلك كله في كتابه وعلى لسان رسوله.
فالعلماء بما أنزل الله على رسوله هم الأدلاء الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهل والشبه والضلال، فإذا فقدوا ضلَّ السالك، وقد شبه العلماء بالنجوم والنجوم في السماء فيها ثلاث فوائد:
 يهتدى بها في الظلمات.
 وهي زينة للسماء.
 ورجوم للشياطين الذين يسترقون السمع منها.
والعلماء في الأرض تجتمع فيهم هذه الأوصاف الثلاثة، بهم يهتدى في الظلمات، وهم زينة الأرض، وهم رجوم للشياطين الذين يخلطون الحق بالباطل ويدخلون في الدين ما ليس منه من أهل الأهواء.
وما دام العلم باقياً في الأرض فالناس في هدى".
المؤلف رحمه الله يقول :"فلا طريق إلى معرفة الله وإلى الوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة إلا بالعلم النافع"، قال الله جل وعلا :{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} سورة الفتح:28..
فالله تعالى أرسل الرسل بأمرين: بالهدى ودين الحق.
والهدى هو العلم النافع الذي يثمر العمل الصالح.
ودين الحق: أي بالعلم النافع وبالعمل الصالح الذي يوصل إلى الله تعالى، فإن أقرب الطرق التي توصل إلى الله جل وعلا هي الأعمال الصالحة التي بناؤها على العلم والإخلاص:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} سورة المائدة: 35.، وابتغاء الوسيلة هو ابتغاء الطريق والقربة إليه سبحانه وبحمده بما يتقرب به إليه مما شرعه.
يقول رحمه الله في بيان العلم النافع ليميزه عن غيره وسيأتي مزيد تفصيل وتوضيح للعلم النافع يقول:"الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه"،حتى لا يكون الإنسان في عمى ما هو العلم النافع، فبيَّنه رحمه الله أنه ما كان مأخوذاً من الرسل الذين لا ينطقون عن الهوى "الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه فهو الدليل عليه"، يعني هو الذي يدل الخلق على الله جل وعلا.
"وبه يهتدى به في ظلمات الجهل والشبه والشكوك"، وظلمات الجهل والشبه والشكوك تحيط بالإنسان منذ نشأته، قال الله تعالى{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} سورة النحل:78.-.
وهذا معناه أن العلم منفي عن الإنسان وأنه يتعلم بالتعليم وإن كان قد يسر الله له فطرة تدل عليه لكن هذه الفطرة قد يغشاها ما يعكر بيانها وما يذهب أثرها كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البخاري ومسلم من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:« مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ...» "صحيح البخاري"(1358)، ومسلم (2658)..
هذه الفطرة إذا لم ترعى وتحفظ تزيغ وتضل، فالإنسان يولد على الجهل، وإذا سلم من الجهل كمل دينه وعلمه؛ ولذلك ذكر الله تعالى في عوائق حمل الأمانة ما ذكره من وصف الإنسان في قوله:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} سورة الأحزاب:72..
فذكر الإنسان بوصفين هما من أعظم ما يعيقه عن حمل هذه الأمانة التي تحملها الظلم والجهل.
فالعلم يهتدى به في ظلمات الجهل والشبه والشكوك.
الجهل هو عدم العلم.
 والشبهة هو عدم وضوح العلم.
والشكوك هو عارض يعرض على العلم يجعله ملتبساً على الإنسان.
فالشبه والشكوك متقاربة.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89655 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف