السؤال:
هل طهارة الصلاة كافية لمس المصحف؟
الجواب:
الله تعالى يقول في كتابه: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾[الواقعة:75-79]، فذكر الله تعالى القرآن والكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ قبل قوله: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾.
فالضمير في قوله تعالى: ﴿لا يَمَسُّهُ﴾ من أهل العلم من يقول: إنه يعود على أقرب مذكور وهو اللوح المحفوظ، يعني: لا يمس اللوح المحفوظ إلا الملائكة الذين يستنسخون منه ويكتبون أقضية الله وأقداره.
والقول الثاني: أن الضمير يعود إلى القرآن، فمعنى قوله: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ أي: لا يمس القرآن إلا المطهرون. وهذا القول ضعيف، والصواب الذي عليه أكثر العلماء وعامة أهل التفسير: أن المراد بقوله: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ الملائكة في مسِّهم للوح المحفوظ، أي: إنَّ الكتاب المكنون لا يمسُّه إلا المطهَّرون.
فالآية لا تدلُّ دلالة صريحة على أنَّ القرآن لا يمسُّه إلا طاهر، إلا أنَّ من أهل العلم من قال: إنَّ الآية تضمنت إشارةً إلى أنَّ القرآن لا يمسُّه إلا طاهر، وكيف ذلك؟ قال الله تعالى: ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾[الواقعة:78-79]، فإذا كان الكتاب المكنون لا يمسه إلا المطهرون وفيه القرآن، فهذا يشير إلى أن القرآن الذي في الكتاب المكنون ينبغي أن لا يمسه إلا المطهرون. وهذه من الدلالات التي يسميها بعض أهل العلم: الدلالة الإشارية، وليست دلالة صريحة لا تؤخذ لا بمنطوق ولا بمفهوم، وإنما هي دلالة نوع من فحوى الخطاب والإشارة التي قد تُستفاد وتؤخذ من هذه الآية.
إلا أنَّ عامة العلماء الذين يقولون بأنه لا يمس القرآن إلا طاهر، يستندون في ذلك لا إلى هذه الآية، وإنما يستندون في وجوب الطهارة لمسِّ المصحف إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ» أخرجه الحاكم في المستدرك(1447) , وصححه الألباني في الإرواء: 122 , وصَحِيح الْجَامِع: 7780، وهذا الحديث جاء في كتاب للنبي صلى الله عليه وسلم بعثه لآل عمرو بن حزم، وهو كتاب مشهور، وقال عنه الإمام المحدِّث المالكيُّ ابن عبد البر: تلقَّته الأمة بالقَبول، فأغنى ذلك عن النظر في إسناده. ومعنى هذا: أنه مقبول ما جاء في هذا الكتاب من الأخبار، ومنه ما يتعلق بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ».
فجمهور العلماء، على أنه لا يمسُّ القرآنَ إلا طاهر.
ومن أهل العلم من يقول: إنَّ الحديث لا يدل دلالة صريحة؛ لأن قوله: «لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ» أي: إلا مسلم، فالمقصود بالطاهر هنا: المسلم، واستندوا لذلك بما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل عنه وقال: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ» صحيح البخاري (283)، وصحيح مسلم (372) بمعنى: أنَّه طاهر. فقالوا: هذا يدلُّ على أن قوله: «لا يمس القرآن إلا طاهر» يعني: لا يمس القرآن إلا مسلم.
والذي عليه العامة من أهل العلم، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وهو قول عامة الفقهاء قديمًا وحديثًا: أنه ينبغي لمن أراد أن يمسَّ القرآن أن يتطهَّر، وهذا إذا كان المسُّ مباشرًا لأوراق المصحف ومواضعِ الكتابة فيه، أو ما هو من المصحف من غلاف ونحو ذلك.
وهذا الذي ينبغي أن يكونَ، وهو الأقرب إلى الصَّواب.
وذهب طائفةٌ من أهل العلم، من الظَّاهريَّة وغيرهم، إلى أنه يجوز مس المصحف ولو كان من غير طهارة، فالأولى للمؤمن أن لا يمسَّ القرآن إلا على طهارة، فمن احتاج إلى أن يمس المصحف وهو على غير طهارة، فإنه يمسه بحائل إما بطرف لباسه أو بمنديل أو لبس قفاز أو نحو ذلك مما يحول بينه وبين أن يمس القرآن وهو على غير طهارة، والمقصود بالطهارة: الوضوء، وأيضًا من باب أولى رفع الحدث الأكبر إذا كان جنبًا أو كانت المرأة حائضًا، فإنه ينبغي أن تجتنب المس إلا بحائل.