المقدم: دكتور خالد حديثنا مستمر ومتواصل حول قضاء الفوائت، كنت تحدثت في الحلقة السابقة عن الصلاة، ووقفت مع قوله ـ تعالى ـ : ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]، وذكرت بأن الصلاة لا يجوز إخراجها عن وقتها بأي حال من الأحوال، وتناولت أيضًا الجمع لعذر يا شيخ الظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء، لعلنا في هذه الحلقة يا شيخ نقف مع أسباب الفوائت، وأيضًا أثر هذه الأسباب على وجوب القضاء حفظكم الله.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد..
فقضية الفوائت قضية ذات بال؛ لأن حصولها في حياة الناس ليس بالقليل لاسيما وهذه الفوائت تفوت لأسباب متعددة، ومن رحمة الله ـ جل وعلا ـ أن بين الأحكام المترتبة على هذا الفوات حتى يكون المؤمن على بينة من شأنه، ولهذا جاء في الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «مَن نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا»صحيح البخاري (597)، وصحيح مسلم (684).
هذا البيان بأن هذه القضية تقع من الناس، وقد وقعت من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حادثتين:
- الحادثة الأولى فوات بنوم.
- والحادثة الثانية فوات بحرب.
أما الحادثة الأولى فذاك لما كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسافرًا ع أصحابه كما في الصحيحين، وكانوا يمشون في الليل أكثر سيرهم في النهار؛ لمناسبة الجو للسير وما إلى ذلك وكما قال العرب: عند الصباح يحمد القوم الصراخ، والصراخ هو السير في الليل فإن الأرض تُطوى بليل، وتتقارب المسافات بسهولة الجو، ويسر السير في الليل، فلذلك مشى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، حتى قاربوا الفجر فأراد أن ينام هو وأصحابه فقال: من يحفظ علينا صلاتنا أي من يعتني بها حتى لا تفوتنا، ويوقظنا إذا جاء وقت صلاة الفجر، فقال بلال: أنا يا رسول الله، فنام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه بأبي وأمي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبلال أخذ من الصلاة ما قدر الله له فلما قرب وقت الفجر اتكأ على بعيره كما في بعض الروايات فأخذه النوم فلم يستيقظوا حتى استيقظوا من حر الشمس في ظهورهم، وكان أول من استيقظ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ففزع عمر ثم كبر فاستيقظ أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فوجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نائمًا، فهالهما وروعهما هذا الموقف، وهذا يبين عظيم عناية الصحابة بالصلاة يعني شيء يوجب الفزع أن تخرج الصلاة من وقتها فيا ليت شعري، ليتني أعلم ما حال كثير منا تفوته الصلاة تلو الصلاة وهو صحيح معافى ليس هناك ما يمنعه من أدائها، كيف تطيب قلبه وتستقر نفسه وهو على هذه الحالة.
والصحابة ناموا وهم في سير، وسير في سفر عبادة مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وطاعة إما فيه جهاد أو حج أو عمرة أو غير ذلك من الأسباب والظاهر أنها في غزوة حنين كما في بعض الآثار، فكان منهم ما كان مما ذكرت لك أنهم فزعوا ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يوقظ حتى يستيقظ. فكبر عمر ما أوقظوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يوقظوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كبر عمر حتى استيقظ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ برَأْسِ رَاحِلَتِهِ؛ فإنَّ هذا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فيه الشَّيْطَانُ»صحيح مسلم (680).
فارتحل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مكان آخر قريب ونزل وتوضأ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر المؤذن أن يؤذن، وصلى راتبة الفجر فعد طلوع الشمس وصلى الفجر وصنع كما يصنع كل يوم كما في حديث أبي قتادة وحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما.
فبهذا يتبين أن الصلاة تفوت بنوم وقد حصل من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال بابي وأمي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه مسكنًا لهم، ومضمنًا لنفوسهم من جراء ما شاهده من فزعهم لفوات الصلاة، قال: «إنَّهُ ليسَ في النَّومِ تَفريطٌ، إنَّما التَّفريطُ في اليقَظةِ، فإذا نسيَ أحدُكُم صلاةً، أو نامَ عنها، فليصلِّها إذا ذَكَرَها»سنن الترمذي (177)، وفي رواية أخرى إنما التفريط أن تترك الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة التي تليها.
وهذا يبين أن الإنسان إذا غُلب بنوم فإنه لا حرج عليه، وهذا إذا كان نومًا غير مقصود، إذا كان نومًا غالبًا أما النوم الذي يستطيع أن يستيقظ معه الإنسان فالله ـ عز وجل ـ أمر بالقيام للصلاة، وإجابة النداء والسعي في إقامة الصلاة بقوله: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]، فيجب أن يستيقظ، ليس الشأن أنه ليس في النوم تفريط يعني نم متى ما شبعت وأحببت الاستيقاظ صلي عند ذلك، لا هذا تفريط.
لكن النوم الذي ليس فيع تفريط هو النوم الذي يُغلب عليه الإنسان، وبالتالي إذا غُلب فنام ولم يستيقظ حتى خرج وقت الصلاة يُقال له: «إنَّهُ ليسَ في النَّومِ تَفريطٌ، إنَّما التَّفريطُ في اليقَظة»سنن الترمذي (177). وأما هؤلاء الإخوان والأخوات اللواتي يركبن الساعة على وقت بعد خروج وقت الصلاة، هذا كيف ما يقال أنه: ليس في النوم تفريط، هنا التفريط أصلًا حاصل بنية أنك ما ضبطت المنبه على وقت تستيقظ فيه للصلاة، إنما ضبطته على وقت تستيقظ فيه لعمل أو لدوام أو لشغل أو لغير ذلك من الأسباب، هذا فيه تفريط بلا شك.
يعني أنا أقول: يقيس الإنسان بالواقع لو أنه مرتبط بموعد أو عمل لابد أن يقوم له، وضبط جهازه ولم يستيقظ، هنا ما فيه تفريط هو بذل الأسباب التي يستيقظ من أجلها، أو يستيقظ بها، لكن لو أنه ضبط الموعد بعد موعد الدوام، ضبط الساعة هذا لا شك أنه في كل المقاييس أنه مفرط؛ لأنه لم يتهيأ للاستجابة إلى العمل في وقته.
ونداء الفجر الصلاة خير من النوم، إخبار بأن ترك الفُرش والإقبال على الصلاة هو من خير ما يعمله الإنسان، فينبغي أن يميز بين هذا وذاك، إذًا هذا هو السبب الأول وهو أن ينام الإنسان مغلوبًا على نفسه فتفوته الصلاة حتى يخرج وقتها، هنا إذا استيقظ يصليها. السبب الثاني ما جرى من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحرب حيث كان في غزوة الخندق مشغولًا بالمشركين قتالًا ومجاهدة ذبًا لهم عن أن يدخلوا المدينة، فشغلوه.
في الصحيح من حديث جابر أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسب المشركين قال: ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، يعني صلاها قبل الغروب، لكنه أُرهق عن الصلاة في أول وقتها اشتغالًا بالمشركين، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ما صليتها»صحيح البخاري (596) وكانت الشمس قد غربت، وهذا في أول الوقت لما كان المصلي... لم تشرع صلاة الخوف، هذا كان في أول الوقت قبل مشروعية صلاة الخوف، لكن بعدما شرعت صلاة الخوف كان الواجب أن يصلي في الوقت ولا يخرج الصلاة عن وقتها على أي حال كان كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:239].
هذا ما يتصل بالسبب الثاني الذي وقع فيه تأخير الصلاة عن وقتها من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن هذا من الآن ألغي بمعنى أنه ليس هناك عذر عن ترك الصلاة، لأجل شغل مهما كان هذا الشغل ولو كان قتال المشركين. هناك أسباب أخرى؟
نعم هناك سبب النسيان، هذا سبب آخر جاء النص عليه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا نسيَ أحدُكُم صلاةً، أو نامَ عنها، فليصلِّها إذا ذَكَرَها»»صحيح البخاري (597)، وصحيح مسلم (684)، هذه رواية الصحيحين البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم من حديث أبي هريرة: «فإذا نسيَ أحدُكُم صلاةً، أو نامَ عنها، فليصلِّها إذا ذَكَرَها»، وهذا يدل على وجوب الصلاة إذا ذكرها الإنسان، هذه الأسباب.
إذًا الأعذار التي تفوت بها الصلاة إما نوم مغلوب عليه الإنسان أو نسيان، أما ما عدا هذا فإنه لا عذر فيه، يقول: أشغال، أعمال، يصلي على أية حال يجب أن يصلي الصلاة في وقتها في كل الأحوال، لقول الله ـ تعالى ـ: ولا أشد من الحرب اشتغالًا وهلعًا وعدم طمأنينة مع ذلك يقول الله ـ تعالى ـ في محكم كتابه: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾[البقرة:239]بعد الأمر بالمحافظة على الصلاة﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[238]فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾[البقرة:239]، فإن خفتم سواء أن في قتال أو في هرب من سبع، أو في أي سبب من الأسباب فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا، هذا يدل على أنه يجب أن تُصلى الصلاة بوقتها، هذا الترك الذي لعذر، والنوع الثاني من الترك هو الترك لغير عذر.