المقدم: وما زال الحديث متصل ومستمر في فقه الأسرة، وفي هذه الحلقة حديثنا سيكون عن الخطبة، نريد أن نتحدث عن نقطتين فيها: عن حدود العلاقة يا شيخ بين الرجل والمرأة، أولًا يا شيخ بمجرد أن يتقدم لها لرؤيتها ولتراه هي، ثم بعد أيضًا يا شيخ ما يتم عقد النكاح حدود العلاقة بينهما، وكذلك كان هناك متسع من الوقت نتحدث عن خطبة الرجل على خطبة أخيه.
الشيخ:الحمد لله رب العالمين وأًلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
فتقدم الكلام على ما يتصل بالخطبة، وما يتصل برؤية الرجل للمخطوبة، ورؤية المخطوبة لمن يتقدم لخطبتها، وفصلنا في ذلك تفصيلًا أظن أنه ـ إن شاء الله تعالى ـ فيه كفاية، وخلاصة الكلام أنه يُسن للرجل إذا رغب في نكاح امرأة أن يراها، وكذلك هي أن تراه ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «فانظرْ إليها فإنه أحْرَى أن يُؤدمَ بينكُما»سنن الترمذي (1087)،فالرؤية مشتركة لكن أرينا للرجل وطُلب منه لأن الرجل هو الراغب أولًا، وثانيًا أن المرأة تتمكن من رؤية الرجل حتى في حال غير الخطبة بخلاف الرجل فإن رؤيته للمرأة لاسيما ما كان من زينتها مخفيًا لا يتمكن من رؤيته إلا في حال رغبته في الخطبة.
وتكلمنا أيضًا عن حدود ما تظهره المرأة المخطوبة لخطيبها إذا أراد أن ينظر إليها، وأنها تبدي له ما يظهر غالبًا، وما جرى العرف بإظهاره عند المحارم والنساء دون توسع ولا تضييق؛ لأنه في الناس من يتوسع ومنهم من يضيق. ما يتصل بعلاقة الخطيب بخطيبته؟
لا يخلو الحال في الخطبة من حالين:
- إما أن يرغب أحدهما في الآخر، فعند ذلك تثبت الخطبة ويكون بينهما علاقة خطوبة.
- وإما أن لا يرغب أو لا ترغب ففي هذه الحال ينفصل الارتباط وليس هناك بينهما موجب لأي نوع من أنواع الالتقاء أو نوع من أنواع التواصل.
فيما يتصل بصلة الخطيب بمخطوبته، هناك اختلاف في الأعراف، والمجتمعات الحقيقة أن هذا الخلاف الذي في الأعراف وفي المجتمعات ممكن أن نجعله هو الشريعة؛ لأنه الشريعة هي الحاكمة على أفعال الناس، وعاداتهم، وما ساد في مجتمعاتهم وليس العكس، فلا يمكن أن نلبس ما جرى في الأعراف والعادات لباس الشريعة إنما الشريعة هي الحاكمة، وبالنظر إلى علاقة الخاطب بمخطوبته فلا شك أن له حقًا فيها، وهذا ثابت لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما أشرت إليه قبل قليل: «لا يَخْطُبُ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ»صحيح مسلم (1408)فلولا ثبوت الحق بتقدم وخطبته لما نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه.
فثبوت هذا الحق يوجب أن يكون هناك نوع من الحق في هذه المرأة بالنسبة لمن تقدم لخطبتها، فلا يجوز أن يتقدم أحد لخطبتها وذلك إذا علم بأنها مخطوبة. ما يتصل بحدود العلاقة بينهما، العلاقة ليس هناك علاقة زواج بينهما؛ لأن علاقة الزواج إنما تكون بعقد القران، بالنكاح، بما يسمى بكتب الكتاب، ما يسمى بالملاك في بعض الأعراف، أما مجرد إبداء الرغبة في النكاح وأنه أنا أرغب في زواج فلانة، أو فلان يرغب في زواج فلان هذا هو في الحقيقة خطبة، وليس عقدًا ولا يثبت شيئًا بين الزوجين من جهة أحكام الزوجية، فهي أجنبية منه لا يحل له الخلوة بها، ولا يحل له الاستمتاع بها كما هي لا يحل لها هذه الأمور فهي ممنوعة من الطرفين.
ما يحصل في بعض المجتمعات من المنع الكلي لكل لقاء حتى النظرة الشرعية هذا خطأ وخلاف ما جاءت به الشريعة، وما يحصل في بعض المجتمعات من الانفتاح وتكون الخطيبة كالزوجة يذهب معها ويأتي ويسافر، ويختلي بها، ويتواصل معها بكل أنواع التواصل بل قد يقبلها، ويضمها، وقد يكون بينهما ما يكون ما يكون بين الزوجين فهذا لا شك أنه خلاف ما جاءت به الشريعة.
فليس هذا الانغلاق ولا ذاك الانفتاح هو الشريعة، الشريعة وسط بين هذا وذاك، هي علاقة بين الطرفين لكن هذه العلاقة ليست علاقة زوجية فلا يحل له ولا يحل لها ما يحل للرجل من امرأته، وما يحل للمرأة من زوجها بل هما أجنبيان. ما يتعلق بتكرار النظرة تقدم أنه يجوز أن يكرر النظرة إليها مرة وثانية وثالثة إلى أن يقوما بما تطمئن به نفسه فيما يتعلق بالرغبة فيها. ما يتعلق بالمحادثة هل يمكن أن يحادث الرجل المرأة خطيبته؟
أيضًا مسألة المخاطبة كمسألة اللقاء، فمن المجتمعات ما هو مفتوح، ومنه ما هو مغلق، والوسط هو الشيء يجوز الرجل أن يكلم مخطوبته لكن بحدود وضوابط كلام الأجنبي من الأجنبية، وذلك بأن يكون الكلام غير فاحش ولا مفضٍ إلى فتنة، ولا موقع في مذلة بل يكون من غير خضوع في القول، وأن يكون بالمعروف، ولذلك قال الله ـ تعالى ـ: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾[البقرة:235]، فأمر الله ـ جل وعلا ـ بالقول المعروف في صلة الرجل مع المرأة، وفي صلة الخاطب مع مخطوبته ولا يجوز له أن يتمادى لكن إذا أبدى الرغبة فلا حرج، ولذلك قال بعض الفقهاء مثلًا إذا قال لها: أني في مثلكِ راغب، وأجابت هي: مثلك لا يفُوت، هذا يعني قد يكون في بعض الأعراف هذا كلام غير لائق، لكنه مما أُذن فيه؛ لأنه يؤكد الرغبة في استمرار الارتباط.
طبعًا هولن يكلمها بجفاء وعنف وغلظة لكن أيضًا لا يلزم أن يكلمها كما يكلم الرجل زودته بكلمات قد تغري بشيء من الغير جائز في هذه الفترة، فلابد من ضبط الأمر ويقتصر في الحديث على ما دعت به الحاجة ودون أن يكون الأمر مفتوحًا هكذا كما يفعل بعض الناس، وإن كان بعلم الأهل فهذا أحسن وأطيب، وأبعد عن الريب والشبهات.
هذا ما يتصل بالجزئية الأولى، ما يتعلق بخطبة الرجل على خطبة أخيه أشرنا إلى أنه له حق فلا يتقدم على حق أخيه، أترغب أن نتحدث عن هذا ولا نجعله بعدين؟
المقدم: لا لعلنا يا شيخ نؤجله بس حتى نأخذ قدرًا من الأسئلة يا شيخ.