المقدم: دكتور خالد حفظكم الله كان حديثكم في الحلقة السابقة عما يتعلق بالصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-بعد أن تحدثتم عن التشهد، تحدثتم في الحلقة السابقة عن الصيغة، وعن أكمل ما يصلَّى به على النبي –صلى الله عليه وسلم-، وعن موضعها، وعن حكمها لعلنا في هذه الحلقة نتحدث عن معنى الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-وما يتصل بها.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، نذكِّر بالنقطة الأخيرة التي هي حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
في الصلاة العلماء لهم فيها أقوال، والراجح من هذه الأقوال أن الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-واجبة لابد منها، في الصلاة الله ـ تعالى ـ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب: 56]، وهذا أمر عام وتحقيق السلام بالمتقدم في التحيات السلام عليك أيها النبي، وأما الصلاة عليه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فهي بالصيغة التي علَّمها أصحابه «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم»[صحيح البخاري:3370]، إلى آخره أو: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته» كما في حديث أبي حميد «كما صليت على آل إبراهيم»[صحيح البخاري(3369)]
وهي واجبة، هذه الصلاة واجبة بهذه الصيغة، أو أي صيغة تؤدي هذا المعنى، لكن لابد من صلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-على الراجح من أقوال العلماء.
ما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
نقول: "اللهم صل على محمد" فماذا نقصد؟ ماذا نسأل الله تعالى؟ هو دعاء بلا شك، لما نقول: "اللهم" نحن ندعو الله ـ جل في علاه ـ فماذا نسأله للنبي صلى الله عليه وسلم؟
"اللهم صل على محمد" من العلماء من يقول: إن قولك: "اللهم صل على محمد" قول الإنسان :"اللهم صل على محمد" هو يسأل الله لرسوله الرحمة فقالوا: الصلاة بمعنى الرحمة، وقالوا: الصلاة بمعنى المغفرة، وقالوا: الصلاة بمعنى الثناء على النبي –صلى الله عليه وسلم-في الملأ الأعلى.
فإن قلت: "اللهم صل على محمد" تقول: يا الله! أثن على نبيك محمد في الملأ الأعلى كما جاء ذلك عن أبي العالية فيما رواه البخاري –رحمه الله-في صحيحه حيث قال: "الصلاة عليه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى"[صحيح البخاري(2/120)] .
هذه المعاني التي ذكرها أهل العلم في معنى الصلاة، وأنت إذا تأملت وجدت أن مجموع هذه المعاني كلها مندرج تحت الصلاة؛ فإن الصلاة ثناء، والصلاة رحمة، والصلاة سؤال الخير، ولهذا الصلاة أجمع ما يقال في معناها أنها: سؤال الله ـ تعالى ـ الخير الكثير للنبي –صلى الله عليه وسلم-وهذا يشمل رحمته، ويشمل الثناء عليه، ويشمل نصرة سنَّته، ويشمل الذَّبَّ عنه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويشمل كل خير يؤمِّله الإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وهذا أوسع المعاني، وكلما كان المعنى واسعًا وشاملًا للمعاني الأخرى فإنه ينبغي أن يصار إليه، وألا يقتصر على جزء معنى اللفظ، لأن من العلماء من يفسر الشيء ويعرِّف الشيء بجزء معناه، أو بمثاله، وهذا نوع من الاقتصار، أو بلازمه وهذا نوع من الاقتصار في التعريف، لكن إذا كان يمكن التعريف بما هو أوسع وأعم وأشمل فهذا أحسن.
إذًا لما نقول الآن: "اللهم صلِّ على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماذا نقصد؟
نقول: اللهم مُنَّ على نبيك بخير كثير؛ منه الثناء عليه، منه رفع ذكره، منه رحمته، منه وقايته ونصرة سنته وأشياء كثيرة، وهكذا الصلاة على آله وهم أتباعه كما ذكرنا، أو أهل بيته على المعنيين اللذين ذكرهم أهل العلم، فالآل من أهل العلم من يقول: هم أهل بيته ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[الأحزاب: 33]، ويفسر هذا الإجمال في قوله: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد في رواية أبي حميد في الصحيح أنه قال: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته» وهذا فيه تخصيص لطائفة من الآل وهم الأزواج والذرية.
ومن العلماء من يقول: الآل هم كل من حرمت عليهم الصدقة، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، ومنهم من يقول: الآل هم أتباع النبي –صلى الله عليه وسلم-وهذا أوسع، ومنهم من يقول: الآل هم المتقون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
إذًا كم معنى صار عندنا الحين؟
أربعة معاني:
المعنى الأول: هم الذين تحرم عليهم الصدقة من آل البيت وهم بنو المطلب وبنو هاشم، وقيل: إنهم أزواجه وذريته هذا أخص وأضيق من الأول، وقيل: هم أتباعه هذا أوسع؛ لأنه يشمل آل البيت الذين هم أهل بيته نسبًا وأزواجه صهرًا، ويشمل أيضًا ذريته ويشمل أيضًا بقية المؤمنين.
وأما قول من قال بأن آل البيت هم المتقون فهذا أيضًا نوع من التخصيص وهو أيضًا يشمل كل هؤلاء، لكنه بوصف التقوى لا بوصف النسبة أو مجرد الاتباع.[وأهل البيت هم آل علي، وآل العباس، وآل جعفر، وآل عقيل، كما قال زيد بن أرقم رضي الله عنه لما سئل من أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وآل البيتهم: هم الذين حرمت عليهم الصدقة. وفي هذه المسألة أقوال أخر بلغت ستةَ أقوال، أصحُّها ما ذُكر، جمعها " عمر صالح القرشومي" في كتابه:" أهل البيت عند شيخ الإسلام ابن تيمية".]
هذا معنى "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم"
قلنا: إن آل الرجل أول من يدخل فيهم هو، ولهذا قول الله ـ تعالى ـ: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾[غافر: 46] أول من يدخل في هذا فرعون الذي كفر وحمل الناس على الكفر، فالآل إذا لم يذكر فيها شخص يدخل فيها، فآل إبراهيم أولهم ومقدَّمهم هو إبراهيم عليه السلام هو سيدهم وهو الذي بفضله حصلت البركة لهؤلاء.
فآل إبراهيم فيهم إبراهيم في بعض الروايات التفصيل على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، هذا الآن هنا يعني نحن نسأل للنبي –صلى الله عليه وسلم-درجة كدرجة إبراهيم يعني هو في درجة أنزل؟
الجواب لا، إنما نحن نسأل الله تعالى أن يصلي على النبي –صلى الله عليه وسلم-متوسِّلين إليه بفعله السابق بأشرف أوليائه وأخص عباده وهو إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن والنبي –صلى الله عليه وسلم-خليل الرحمن، فنحن توسلنا بفعله وهذا نوع من التوسل يعني التوسل إلى الله ـ تعالى ـ بتحقيق المطالب إما بأسمائه، وإما بصفاته، وإما أيضًا بأفعاله يعني فكما فعلت بإبراهيم ما فعلت من الصلاة عليه وعلى آله، فافعل مثل ذلك في نبينا، وهذا لا يقتضي النزول درجة النبي –صلى الله عليه وسلم- فنحن نؤمن إيمانًا جازمًا بأن خير الخليقة محمد –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فهو خير من إبراهيم، وإن كان النبي –صلى الله عليه وسلم-جاء عنه في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رجل قال: يا خير البرية يخاطب من؟ يخاطب النبي محمد –صلى الله عليه وسلم-فقال له:« ذاك إبراهيم»[صحيح مسلم(2369/150)]
وهذا بعض العلماء حمله على تواضعه، ولكن الذي يظهر أنه ليس تواضعًا، إنما قبل أن يُخبر بأنه خير من إبراهيم عليه السلام، وليس مجرد تواضع؛ لأن المراتب هذه ليست محلًّا للتواضع، إنما هو بلاغ وبيان وإيضاح لما بلغه الله تعالى إياه من المنزلة، ولذلك قال كما في الصحيح: «أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخرَ» [أخرجه الترمذي في سننه(3615)، وحسنه]
يعني هذا ليس مدعاة للعلو والارتفاع، إنما هذا بيان وإيضاح لحقيقة الأمر وأنه سيد ولد آدم.
إبراهيم ممن؟ من ولد آدم، فإذا كان إبراهيم عليه السلام من ولد آدم فهو سيدهم، والسيد هو الذي اكتمل في الشرف والعلو، ولذلك كان –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-خيرًا من إبراهيم، فالمقصود أن هذه الصلاة المطلوبة هي توسل في قولنا كما صليت على إبراهيم، نحن نتوسل إلى الله ـ تعالى ـ أن يفعل بنبينا مثلما فعل بإبراهيم ولكن حظه من الصلاة أعظم من إبراهيم ومن غيره، فهو سيد ولد آدم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام إنك حميد مجيد ختم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وهذا توسل إلى الله ـ تعالى ـ بأسمائه وصفاته حيث أنه توسل إلى الله ـ تعالى ـ بوصفين هما؛ أنه حميد، وأنه مجيد وإذا تأملت ما صلة هذا بالصلاة؟
تبين لك وأشار لك إنه الصلاة هي ليست محصورة في معنى واحد، لأن مقتضى الحمد ومقتضى المجد ليس فعلًا واحدًا، إنما المجد والحمد يكتسب من ماذا؟ من مجموع خصال ومن مجموع صفات وأفعال وهذا المعنى يغيب عن كثير من الناس حتى من الذين يشتغلون بتفسير أسماء الله تعالى فيقول: الحميد يعني المحمود ولكن هذا محمود لماذا؟ بماذا حمد؟ هل حمد لفعل واحد أو لوصف واحد؟ حمد لما له من الكمالات في أسمائه، وما له من الكمالات في صفاته، وما له من بديع الصنع وجميل الفعل ـ جل في علاه ـ ولهذا حمده وعظمته ومجده ـ جل في علاه ـ لا يُكتسب أو لا يفسَّر بمعنى واحد لأنه لا يكتسب من جهة واحدة، بل ذاك حاصل للرب-جل وعلا-من مجموع ما اتصف به ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾[الأعراف: 180]، ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾[النحل: 60]، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص: 4]، ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾[مريم: 65]، ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ﴾[النحل: 74]، ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا﴾[البقرة: 22]، كل هذه الآيات تبين لنا أن الله تعالى موصوف بالحمد، بأنه حميد، وأنه مجيد لعلو قدره واتصافه بالكمالات –سبحانه وبحمده-كل هذه المعاني تبين لنا عظيم هذا الذكر الموجز الذي يجري على ألسنة كثير من الناس وهم لا يفقهون معناه.
كثير من الناس يختار في صلاته على النبي –صلى الله عليه وسلم-أنواعًا من الصلوات التي يذكرها أهل العلم، أو يكتبها بعض المحبِّين للنبي –صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليك ما تعاقب الليل والنهار، صلى الله عليه ما ناحت الحمائم، صلى الله عليك وما إلى ذلك من أنواع هذا لا بأس به، لكن لما نقول: أكمل صيغة فإننا لن نجد أكمل من صيغة علمها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-خير القرون علمها أصحابه وهو تعليم للأمة كافة.
هذه بعض اللمحات حول معاني الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ، لمحات طيبة ومسددة، بارك الله فيكم.