المقدم: بادئ ذي بدء الحديث عما كنتم تتحدثون عنه عن الصلاة ماذا يجب على المسلم والمسلمة ستره في الصلاة؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فما يتصل بالستر في الصلاة هو ما يعرف في كلام العلماء بستر العورة في الصلاة أو العورة التي يجب سترها في الصلاة.
العلماء -رحمهم الله- في ستر العورة يقسِّمون العورة إلى قسمين في الجملة:
عورة للصلاة، وعورة للنظر، أي: عورة خارج الصلاة، نحن لسنا بصدد الحديث عن العورة خارج الصلاة؛ لأنها خارجة عن موضوعنا، لكن نبحث فيما يتعلق بالصلاة وما يجب ستره فيها.
انطلاقًا من قول الله ـ تعالى ـ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾[الأعراف: 31] هذه الآية الكريمة استدل بها أهل العلم على وجوب الستر في الصلاة، وهذه الآية لم تأمر بالستر لشيء محدَّد، بل المطلوب فيها أمر زائد على مجرد الستر، فليس المقصود ستر ما يستحيى من كشفه؛ لأن العورة هي كل ما يستحيي من كشفه، فليس المقصود هو ستر ما يستحيي من كشفه، إنما المطلوب هو ستر ما يستحيي من كشفه وطلب الزينة، ولهذا قال –جل وعلا-: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾[الأعراف: 31]، ولم يقل استروا عوراتكم إنما قال: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾[الأعراف: 31].
معلوم أن الله ـ تعالى ـ لمَّا أنعم على عباده قسم اللباس إلى قسمين؛ لباس يواري العورات، ولباس يحصل به التجمل والتزين يقول –جل وعلا-: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا﴾[الأعراف: 26] ما أنواعه؟ ﴿يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾[الأعراف: 26]
هذا في اللباس الضروري الذي يستر العورات ﴿وَرِيشًا﴾[الأعراف: 26]، وهذا لباس التجمل والتزين، ثم قال: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾[الأعراف: 26]، وهذا اللباس المعنوي.
ذكر ـ تعالى ـ الألبسة الحسية والمعنوية في هذه الآية على وجازتها وأنواع الألبسة أيضًا.
إذًا المأمور به في الصلاة هو أمر زائد على ستر العورة، ولهذا يجب على المؤمن أن يتهيأ لصلاته، وأن يتخذ لها أجمل وأكمل ما يستطيع، وقد كان من سلفنا الصالح من يتزين لصلاته كما لو كان خارجًا للقاء الناس، كيف لا والملتقى في الصلاة برب الأرض والسماء؟ بالله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، يقف العبد بين يدي الله ـ تعالى ـ كما في الصحيح «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ»[صحيح البخاري(753)، ومسلم(308)]
الله أكبر! وهذا يبيِّن لنا عظيم هذا الموقف، ولهذا كان حريًّا بأن يتهيأ له الإنسان ظاهرًا وباطنًا، ظاهرًا باللباس الذي أمره الله ـ تعالى ـ به من الزينة، وباطنًا بالخشوع والذل والخضوع والانكسار لله العزيز الجبار سبحانه وبحمده.
هكذا يحقِّق العبد المطلوب، لكن لو قال قائل ما الحد الأدنى؟ هذا الكمال وهو أن يتزين للصلاة، لكن ما الحد الأدنى الذي فواته يخلّ بما يجب على المسلم مراعاته في الصلاة؟ معلوم أن بني آدم كم جنسه يا شيخ ناصر؟ ذكر وأنثى، وبالتالي فالعورة في الصلاة تختلف باختلاف الجنس، فالذكَر له من السترة في صلاته ما يناسب جنسَه، وللأنثى في صلاتها من الستر ما يناسب جنسها.
نبتدئ بالذكَر، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-كما في الصحيح من حديث أبي هريرة يقول –صلى الله عليه وسلم-: «لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ»[صحيح البخاري(359)، ومسلم(516)]
معنى هذا أنه ليس المطلوب ستر أسفل البدن فقط، بل المطلوب أمر زائد على هذا، وهو ستر أعلى البدن، وهذا أقل ما يتحقق به الكمال، وأما أقل ما يتحقق به الواجب فهو ستر ما بين السرة والركبة، فهذا أمر متفق عليه، مجمَع عليه بين علماء الأمة أنه لا يجوز أن يصلي من دون ستر أسفل بدنه.
ولهذا في حديث جابر النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول: ««فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ»، وإذا كان ضيقًا ما يسع بدنك الالتحاف يستر البدن كاملًا«وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ»[صحيح البخاري(631)]، ومعلوم أن الاتزار يُستر به أعلى أو أسفل البدن، فكذلك هو المأمور به المطلوب أن يستر المؤمن أسفل بدنه، حد ذلك من حيث الوجوب من السرة إلى الركبة ، كما جاءت بذلك النصوص والأحاديث عن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-هذا فيما يتصل بالسترة المجزئة للرجل، على أن الكمال ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾[الأعراف: 31].
الصنف الثاني: الرجال شقائق النساء، فكما أن السترة واجبة في حق الرجل، فهي واجبة في حق المرأة وإن كانت مختلفة في صفتها لمناسبة جنسها.
المرأة في سترتها في الصلاة الواجب أن تستر جميع بدنها عدا وجهها وكفَّيها؛ فإن هذا مما لا يجب ستره بالاتفاق، لا خلاف بين العلماء أنه لا يجب ستر الوجه والكفين، هذا محل إجماع، ما عدا هذا فهو واجب الستر.
دليله، الحقيقة من حيث الدليل هناك أحاديث وإن كان في إسناد أفرادها مقال من حيث ثبوتها عن النبي –صلى الله عليه وسلم- لكن مجموعها يدل على ما الذي يجب أن تراعيه المرأة في سترتها، فالنبي –صلى الله عليه وسلم-نقلت عنه عائشة في السنن من حديث عائشة قال –صلى الله عليه وسلم-: «لا يقبلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلَّا بخمارٍ»[أخرجه الترمذي في سننه(377)، وقال:حَدِيثٌ حَسَنٌ].
لا يقبل يعني غير مرضية ولا مجزئة، لا تبرأ بها ذمة، مثل ما ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم-في الطهارة من حديث أبي هريرة في الصحيحين: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ»[صحيح البخاري(9654)، ومسلم(225/2)]، وبه يتبين لنا أنه المطلوب هو ستر جميع البدن، هنا «لا يقبلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلَّا بخمارٍ» والخمار هو ما تسدله المرأة على رأسها، فتستر به أعلى بدنها، ومعلوم أنه لا يمكن أن يطلب الستر لأعلى البدن ويترك أسفل البدن مكشوفًا، ولهذا جاء في حديث أم سلمة هذا الحديث كما ذكرت أن في إسناده مقال، لكن مع جملة الأحاديث يتقوى المعنى فيما يطلب من المرأة ستره في صلاتها حديث أم سلمة مرفوعًا إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-أنها سالت النبي –صلى الله عليه وسلم-فقالت: «تصَلِّي المرأةُ في دِرعٍ وخِمارٍ» الخمار هو ما يستر أعلى البدن الرأس، والدرع ما يستر الجسم «وليس عليها إزارٌ؟ قال: نعَمْ، إذا كان سابغًا يغَطِّي ظهورَ قَدَميها»[أخرجه أبو داود في سننه(640)، وضعفه الألباني في المشكاة (763)]، فهذا مجزئ معناه: نعم، إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها، هذا أيضًا أفادنا ما الذي ينبغي للمرأة ستره في صلاتها، فتبين لنا أن الواجب على المرأة ستر جميع بدنها عدا وجهها وكفيها.
هنا مسألة القدمان ما حكم كشفهما؟ هذه جماهير علماء الأمة؛ المالكية[انظر الكافي لابن عبد البر(1/238)] والحنابلة، والشافعية[انظر الغرر البهية لزكريا الأنصاري(1/347)] على وجوب ستر القدمين، وأنه لا تصح صلاة المرأة إذا كانت مكشوفة القدمين؛ لحديث« إذا كان سابغًا يغَطِّي ظهورَ قَدَميها»
أبو حنيفة –رحمه الله-قال: هذا مما يكشف عادة، القدمان مما تنكشف عادة، فلا يجب على المرأة سترها في صلاتها.
هذا ملخص موجز لما يجب ستره في عورة الصلاة بالنسبة للرجل وبالنسبة للمرأة نسأل الله أن يستر عوراتنا وأن يأمن روعتانا.
المقدم: اللهم آمين.
بالمرادف لقوله: «لا صلاة لحائض» المراد يبدو لي المرأة حتى يظهر للمشاهدين.
الشيخ: لا يقبل الله صلاة حائض، الحائض هي المرأة البالغة، الحائض التي صار معها حيض، وأما ما دون الحيض فهي أمرها سهل، هي مأمورة بالصلاة على وجه التدريب.
المقدم: أحسن الله إليكم! أحيانا يورد هنا سؤال، إذا كان الإنسان في وضع لا يستطيع معه ستر عورته، في مكان مثلا قصير من البيت، أغلقت عليه إحدى الغرف، لم يدر به أحد، جاء وقت الصلاة، لا يستطيع ستر ما يجب؟
الشيخ: هنا مسائل متصلة، هذه من المسائل المتصلة بستر العورة، إذا عجز عن ستر العورة إما لفقد الساتر، وإما لعدم تمكنه كأن يكون مثلا مريضًا مرضًا لا يتمكن معه من أن يلبس شيئًا، فهنا القاعدة في هذا هو الأصل العام الذي تُبنى عليه الشريعة كلها وهو قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن: 16]، هذه قاعدة كلية تدخل في جميع مفردات الشريعة، في العقائد، وفي الأعمال، يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن: 16]، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة: 286]، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾[الطلاق: 7]، كل هذه الآيات تدل على أنها هذا حسب الوسع والطاقة، فإذا كان لا يجد سترة، المرأة لا تجد سترة إلا لبعض بدنها هنا تستر العورة المغلظة، لأن العورة ليست على درجة واحدة، وتتدرج في الستر إلى أن تستر ما يمكنها ستره.
وكذلك الرجل يعني إذا وجد ما يستر القُبل والدُّبر دون الفخذين مثلا فهذا هو الواجب عليه، المراد هو أن يفعل ما يستطيع من الستارة الواجبة.