المقدم:دكتور خالد سنخصص هذه الحلقة بمشية الله تعالى في أول عشر دقائق منها في مسائل تتعلق في مواقيت الصلاة.
الشيخ:الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
فلقائل أن يقول: لماذا كل هذا فيما يتعلق بالمواقيت! لماذا يأخذ كل هذا الوقت في الحديث عن المواقيت وبيان ما يتصل بها؟
الجواب على هذا السؤال أن الصلاة عبادة مؤقتة بوقت، وقد ذكر الله ـ تعالى ـ ذلك في مواضع عديدة بل في فرض الصلاة قال الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]، والوقت له اتصال بالصلاة من حيث صحتها، فالصلاة التي تكون متقدمة على الوقت لا تصح كما الصلاة التي تكون بعد انقضاء الوقت لا تصح إلا بعذر فيما يكون من الصلوات المجموعة أو ما أشبه ذلك من نوم فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال: «إنَّهُ ليسَ في النَّومِ تَفريطٌ، إنَّما التَّفريطُ في اليقَظةِ، فإذا نسيَ أحدُكُم صلاةً، أو نامَ عنها، فليصلِّها إذا ذَكَرَها»صحيح مسلم (681).
ولهذا يجب العناية بموضوع الأوقات وبيان ما يتصل بها حتى لا تلتبس المسائل المتصلة بهذا الشرط من شروط صحة الصلاة وهو ما يتصل بالوقت الذي تؤدى فيه الصلاة. الصلاة من حيث هي في الجملة صلتها بالوقت نوعان: أوقات بين الله ـ تعالى ـ فيها وجوب الصلوات، ووقت فيها الصلوات وهي المجموعة في قوله ـ تعالى ـ: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾[الإسراء:78]، وأيضًا جاء بيان ذلك: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾[الروم:17]، ﴿وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾[الروم:18]، فهذا أيضًا في قول جماعة من المفسرين أنه بيان لأوقات الصلوات مفصلًا.
هناك أوقات يحرم فيها الصلاة، وهذا ما جاء فيه النهي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصلاة في أوقات محددة، هذه الأوقات في الغالب ترتبط بفعل الإنسان، بفعل العبد ففي الصحيحين من حديث عمر وحديث عبد الله ابن عباس، وحديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وجماعة من الصحابة أن» نهَى النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ـ عنِ الصلاةِ بعْدَ الصبحِ حتَّى تَطْلُعَ الشمْسُ وعن الصلاةِ بعْدَ العصْرِ حتى تغْرُبَ الشمْسُ إلا بمكةَ»صحيح البخاري (581)، وصحيح مسلم (825)، فهذا يبين لنا أن الصلاة من حيث فعلها وارتباطها بالوقت منها ما بين الله ـ تعالى ـ وجوب الصلاة فيه، واشتراط إيقاع الصلاة فيه، ومنه ما نهى الله ـ تعالى ـ عن الصلاة فيه، وهو ما يُعرف بأوقات النهي في كلام العلماء.
لكن ينبغي أن يُعلم أن أوقات النهي وهي خمسة على التفصيل، وثلاثة على الإجمال، هذه الأوقات لا يُنهى فيها إلا عن الصلاة التي سبب لها، وأما الصلاة التي لها سبب كقضاء الفوائت أو صلاة لها سبب من حيث مثلًا وضوء أو طواف أو ركعتي الطواف أو ما إلى ذلك من الأسباب التي تشرع لها الصلاة فإن ذلك لا نهي عن الصلاة في هذه الحال، إلا أنه قد وجد سببها وإنما النهي في مثل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»صحيح البخاري (581)، وصحيح مسلم (825)، إنما هو على الصلاة التي لا سبب لها وليس لها مسوغ، كالصلاة التي تدخل في النقل المطلق يعني الذي يقصد به الإنسان التعبد لله تعالى والتقرب إليه بصلاته، هنا ينبغي أن يراعي هذه الأوقات.
وهي كما ذكرت ثلاثة من حيث الإجمال، وخمسة من حيث التفصيل، الثلاثة من حيث الإجمال تضمنها ما في الصحيح من حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ـ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ»صحيح مسلم (831)، قائم الظهيرة وهو عند انتصاف الشمس في كبد السماء، تتضيف إلى الغروب حتى تغرب.
هذه الأوقات الثلاثة وهي إجمالية نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصلاة فيها، وهي من حيث التفصيل بعد صلاة الفجر إلى شروع الشمس في الشروق، ثم من شروق الشمس إلى ارتفاعها هذان وقتان، ثم وقت الزوال وهو انتصاف الشمس في كبد السماء، ثم وقت أخر النهار وهو وقت قرب الشمس تضيفها وهو قربها إلى الغروب، ثم من ابتدائها في الغروب إلى أن تسقط الشمس وتغيب، هذه خمسة أوقات.
هذه الأوقات الخمسة أوقات نهي فيها عن الصلاة التي لا سبب لها، فينبغي تجنب الصلاة في هذه الأوقات فيما إذا لم يكن للصلاة سبب، أما إذا كان للصلاة سبب فإنه يصلى. ولذلك جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «مَن أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، ومَن أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ»صحيح البخاري (579)،وهذا يبين لنا أن الوقت جميعه محل لفعل الصلاة، وننتقل بهذا الحديث إلى مسألتان من المسائل المتصلة بالمواقيت: ما الوقت الذي يجوز فيه للمؤمن أن يؤخر الصلاة؟
مثلًا صلاة الفجر تبتدئ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فكل هذا الوقت محل الصلاة، أفضل ذلك في أول الوقت لما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود لما سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أي العمل أحب إلى الله؟ أي العمل خير؟ أي العمل يقرب إلى الجنة؟
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الصَّلاةُ في أوَّلِ وقتِها»سنن أبي داود (426)، أي في أول وقتها، هذا أفضل ما يكون وبعد ذلك بقية الوقت كلما كان أبكر كان الأجر أكبر، والفضل أثبت عند الله ـ جل وعلا ـ إلى أي حد يستطيع أن يؤخر الإنسان؟
يستطيع أن يؤخر إلى أن يتضايق الوقت، ما معنى يتضايق الوقت؟
يعني لا يبقى من وقت الصلاة اللي هو في مثالنا الفجر إلا قدر ركعتين، إلا قدر فعل ركعتين، هذا الوقت عند ذلك يجب أن يقوم يصلي، فمثلًا إذا أخر الصلاة إلى وقت لم يبقى إلا مثلًا ثلاث دقائق نقول هنا: أنت أثمت بالتأخير، لماذا؟
لأن ثلاث دقائق لم تجري العادة أنها كافية لأداء ركعتين، لكن لو أخر إلى خمس، ست، سبع دقائق هنا نقول: الوقت لا إثم عليك في التأخير لكنك لا شك أنه كان فيه نوع تقصير.
المقدم:لكن يا شيخ يعني طمن الحديث هنا في هذه المسألة، لنأخذ مثلًا صلاة الظهر، لو صلى صلاة الظهر في آخر وقتها وشرع في الصلاة في آخر وقتها، وفي أثناء الصلاة دخل وقت صلاة العصر مثلًا، هنا هل نقول: صلاها في غير وقتها مثلًا؟
الشيخ:إذا كان أدرك من الصلاة ركعة يكون قد أدرك الصلاة؛ لأن إدراك الوقت بإدراك ركعة بنص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث أبي هريرة الذي افتتحنا به المسألة الثانية وهو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَن أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ»صحيح البخاري (579)، وهو منتهى صلاة الفجر فقد أدرك الصبح، «ومَن أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ»صحيح البخاري (579)، وبه يُعلم أنه إذا أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج الوقت فقد أدرك الصلاة، لكن هل يجوز له أن يؤخر؟
الجواب لا يجوز إلا للضرورة، كأن يكون مثلًا مضطرًا إلى التأخير بأي نوع من أنواع الضرورة: لا يستطيع، أو خائف أو أي سبب من الأسباب التي تسوغ له التأخير، عند ذلك يصلي. لكن لو أنه كبر قال: الله أكبر لصلاة الفجر وطلعت الشمس، نقول: فاتك الوقت، لم تدرك صلاة الصبح في وقتها؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أناط إدراك الوقت بإدراك ركعة منه، وأما التأخير فإنه لا يجوز للمؤمن أن يخرج جزء الصلاة عن وقتها لقول الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين مبدأ وقت كل صلاة، ومنتهى وقت كل صلاة فيجب أن تكون الصلاة جميعها في الوقت الذي بينه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يخرج جزء منها.
لكن لو خرج لضرورة هنا نقول: إذا أدركت ركعة من الصلاة فقد أدركت الصلاة، وهنا إذا كان معنا وقت تطرقنا لمسألة طروء عذر و..
المقدم:لعلنا نرجئها يا شيخ لحلقة القادمة بإذن الله ـ تعالى ـ حتى لا نطيل على المتصلين، جزيتم خيرًا على هذا التوضيح.