المقدم: دكتور خالد حديثنا في هذه الحلقة سيكون بمشيئة الله ـ تعالى ـ مستمر في فقه الصلاة وتحديدًا في وجوب الصلاة، وما أجمل الحديث عن الصلاة، ولما لا يكون جميلًا وهي نور، وهي حياة للإنسان نريد بداية أن نتحدث عن شروط وجوبها ثم ندخل بالتفصيل.
الشيخ:الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
فالصلاة فرضها الله ـ تعالى ـ على أهل الإيمان قال الله ـ جل وعلا ـ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء: 103] وردد الله تعالى الأمر بالصلاة ووجوب إقامتها في كتابه الحكيم، بل جعلها من أخص صفات المؤمنين قال ـ سبحانه وتعالى ـ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[المؤمنون: 1-2] ثم بعد أن ذكر جملة من صفاتهم قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾[المؤمنون: 9] والصلاة قرينة الإيمان لا تفتك عنه فكل مؤمن لا ينفك عن الصلاة، ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيح «العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاةُ فمن تركها فقد كفرَ»سنن الترمذي (2621) فالصلاة شأنها من حيث التصاق المؤمن بها، ومن حيث اتصافه بها وقيامه بها واضح في كلام الله ـ تعالى ـ وسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد أشرنا سابقًا أن الصلاة فرض فرضه الله ـ تعالى ـ على العبد، وهو مما تميز عن سائر الفروض أنه لا يسقط بحال ما دام العقل ثابتًا في قول جماهير علماء الأمة من أصحاب المذاهب المشهورة والمدارس المعروفة، يرون أن الصلاة ثابتة واجبة على كل مسلم في كل حال في الخوف والأمن وفي المرض والصحة وفي السفر والحضر وفي سائر الشأن، وهذا يدل على عظيم شأنها؛ لكن على من فرضها الله تعالى؟ ذكرنا فرضها على المؤمنين متى يبدأ الأمر بها؟ يبدأ الأمر بها من التمييز ولذلك جاء فيما صح عنه ـ صلى الله عليه وسلمـ: «مُروا أولادَكم بالصلاةِ لسبعٍ، واضرِبوهم عليها لعشرٍ»سنن أبي داود (495) وهذا يبين أن الصلاة تحتاج إلى نوع من التمهيد المبكر الذي يستوجب أن يتفطن أولياء الأمور لأبنائهم منذ نعومة أظفارهم، فإنه يجب عليهم أن يأمروهم بالصلاة ويعودوهم عليها، وقد قال جماعة من أهل العلم: إن الصلاة تجب قبل ذلك ويخاطب بها الصبي قبل ذلك منذ أن يحصل له التمييز وسن السابعة هو السن الذي يعني يحصل التمييز عند كثير من الناس في الغالب في التمييز أنه لا يبلغ هذا السن إلا وقد حصل.
على كل الصلاة واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثي، حر أو عبد، صغير أو كبير فيما إذا كان قد بلغ السبع سنوات ووجوبها بالنسبة لابن سبع سنوات هو وجوب تمريني تعويدي والمخاطب بها وليه ولذلك يأمر ولده بالصلاة ويأمر من يطيعه بالصلاة هذا من حيث وجوبها.
والأمر بها مسئولية ليست خاصة على الإنسان في نفسه فقط، بل يأمر نفسه ويحثها ويرغبها وكذلك يأمر كل من يستطيع أن يأمره والله ـ تعالى ـ قد جعل الأمر بالصلاة مأمورًا به في محكم كتابه فقال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾[طه: 132] وهذا يدل على أنه يحتاج إلى مجاهدة لأن الأمر بالصلاة ليس في وقت أو في زمان أو في مرحلة أو في فترة، بل هو أمر مستمر دائم يحتاج إلى معاهدة مستمرة دائمة لا تنقطع ولهذا كان الأمر بالاصطبار عليها على فعلها وعلى القيام بها وعلى الأمر بها هو قرين الأمر بها قال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾[طه: 132].
والغريب أن الأمر بالصلاة ليس أمرًا خاصًا يعني بهذه الأمة، بل إن الله ـ تعالى ـ ذكر إسماعيل عليه السلام فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾[مريم: 54] ثم قال: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾[مريم: 55] فالله ـ تعالى ـ ذكر فيه هذه الصفة أنه كان يأمر أهله بالصلاة، فالأمر بالصلاة هو مهمة الأنبياء التي اطلعوا بها وقاموا بها وحثوا عليها.
فينبغي أن نعتني بهذا الجانب وكثير من الناس يفرط في أمر من يجب عليه أن يصلي حتى إذا بلغ السن الواجبة بدأ يأمر أو يحث وعند ذلك يكون الأمر فيه نوع من المشقة على النفس، لم تتهيأ القلوب لتقبل هذا الأمر ولم تعهد الأبدان وتمرن على هذا العمل، فيكون هذا سببًا لتخلف ما أمر الله ـ تعالى ـ به من إقامة الصلاة التي هي صفة المؤمنين والتي هي صلة العبد بربه.
إذًا خلاصة ما يمكن أن نقول فيما يتعلق بمن تجب عليهم الصلاة تجب على كل مسلم، ما هي الأحوال التي تجب عليهم فيها؟ تجب عليهم في الحضر والسفر في الأمن والخوف في الصحة والمرض، لكن في هذه الأحوال كلها ينظر فيها إلى ما يستطيع الإنسان، ففي المرض «صلِّ قائمًا فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا فإنْ لم تستطعْ فعلى جنبٍ»صحيح البخاري (1117)، في الخوف ﴿فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 239] وهلم جر.
كل هذا يراعى فيه الحال الذي ينتظمه القانون الشرعي العام الذي لا يخرج عنه جزء من أجزاء الشريعة ولا فرض من أفراضها وهو قوله ـ تعالى ـ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن: 16].
المقدم:أحسن الله إليكم لكن شيخ الآن بالنسبة للأطفال لمن يؤمروا بالصلاة وهم لم يبلغوا العاشرة هؤلاء الأجر هل هو لهؤلاء الأطفال أم لوالديهم هي لم تجب عليهم بعد؟
الشيخ:نعم هذا الأجر مشترك لهم ولوالديهم، لكن والديهم يؤثمون إذا لم يأمروهم بالصلاة؛ لأن الله أمرهم بأن يأمروا أولادهم بالصلاة فقال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾[طه: 132] جاء بيان هذا في حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ«مُروا أولادَكم بالصلاةِ لسبعٍ»سنن أبي داود (495) وهو أمر الترغيب والحث والندب، ثم بعد ذلك بعد العشر يأتي العقوبة، وهي عقوبة تأديبية لدفع الإنسان وحمله على ما يصلح قلبه ويصلح مستقبله ويصلح دنياه وآخرته «واضرِبوهم عليها لعشرٍ» وهذا فيه استعمال الضرب لكن ضرب الذي يحصل به المقصود، وليس الضرب الذي يترك آثارًا سلبية في بدن الإنسان أو يكون مبرحًا يعيقه أو ما أشبه ذلك، إنما الضرب الذي يحمله على القيام بما أمر الله ـ تعالى ـ ويمكن أن يسلك الضرب ويسلك أي مسلك آخر يحقق المقصود، إنما ذكر الضرب على أنه وسيلة للحث والترغيب وإنه بعد العشر تتأكد الأمر بها ويصبح الأمر ليس كالحث والندب العام، إنما فيه إلزام ومحاولة دفع الولد المتخلف عن القيام بها الولد أقصد الذكر والأنثى، الذكور والإناث على القيام بها وتستثنى من هذا المرأة إذا حاضت من وجوب الصلاة طبعا والنفساء، فإنها لا تصلي ولا تقضي الصلاة إذا طهرت وهذا مما وضعه الله تعالى عن المرأة وهو عذر شرعي خفف الله تعالى به على المرأة وقد قالت معاذة لعائشة ـ رضي الله عنها ـ ما بالنا نقضي الصيام ولا نقضي الصلاة قالت ـ رضي الله عنها ـ كما في الصحيح كنا «نؤمرُ بقضاءِ الصومِ ولا نؤمر بقضاءِ الصلاةِ»صحيح مسلم (335).
المقدم:أحسن الله إليكم.