قال في إعلام الموقعين: (( وقد رأى رجل ربيعة بن أبي عبد الرحمن يبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال استفتى من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، قال: ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق. قال بعض العلماء: فكيف لو رأى ربيعة زماننا، وإقدام من لا علم عنده على الفتيا، وتوثبه عليها، ومد باع التكلف إليها، وتسلقه بالجهل والجرأة عليها مع قلة الخبرة وسوء السيرة وشؤم السريرة، وهو من بين أهل العلم منكر أو غريب، فليس له في معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف نصيب، ولا يبدي جوابًا بإحسان، وإن ساعد القدر فتواه كذلك يقول فلان بن فلان. يمدون للإفتاء باعًا قصيرةً وأكثرهم عند الفتاوى كذلك وكثير منهم نصيبهم مثل ما حكاه أبو محمد بن حزم، قال: كان عندنا مفت قليل البضاعة، فكان لا يفتي حتى يتقدمه من يكتب الجواب فيكتب تحته: جوابي مثل جواب الشيخ، فقدر أن اختلف مفتيان في جواب، فكتب تحتهما: جوابي مثل جواب الشيخين، فقيل له: إنهما قد تناقضا، فقال: وأنا أيضًا تناقضت كما تناقضا، وقد أقام الله - سبحانه - لكل عالم ورئيس وفاضل من يظهر مماثلته، ويرى الجهال وهم الأكثرون مساجلته ومشاكلته، وأنه يجري معه في الميدان، وأنهما عند المسابقة كفرسي رهان، ولا سيما إذا طول الأردان، وأرخى الذوائب الطويلة وراءه كذنب الأتان، وهدر باللسان، وخلا له الميدان الطويل من الفرسان. فلو لبس الحمار ثياب خز لقال الناس: يا لك من حمار وهذا الضرب إنما يستفتون بالشكل لا بالفضل، وبالمناصب لا بالأهلية، قد غرهم عكوف من لا علم عنده عليهم، ومسارعة من أجهل منهم إليهم، تعج منهم الحقوق إلى الله - تعالى - عجيجًا، وتضج منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجًا. فمن أقدم بالجرأة على ما ليس له بأهل من فتيا أو قضاء أو تدريس، استحق اسم الذم، ولم يحل قبول فتياه ولا قضائه، هذا حكم دين الإسلام. وإن رغمت أنوف من أناس فقل: يا رب لا ترغم سواها)). إعلام الموقعين الجزء: 4