حكم أخذ العربون إذا لم تتم الصَّفقة؟
العربون له عدة أسماء: منها هذا الاسم وهو من الأسماء المشهورة، ويسمى الأربون بالهمز: وهو ما يدفعه الإنسان جزءًا من ثمن ما يشتريه، لما أشتري هذا القلم بخمس ريالات، وأعطي البائع ريالاً على أن آتي بالباقي هذا الريال يسمى عربونًا، هذا العربون للعلماء فيه إذا انفسخ البيع بمعنى: أني قلت: إذا ما جئتك بالمبلغ فالبيع لاغٍ، أو اتفقنا على هذا سواء كان قولاً أو عرفًا ففي هذه الحال إذا لم تتم الصفقة لأي سبب من الأسباب متفق عليه بيننا في هذه الحال الريال الذي أخذه راعي القلم هل يكون له، أم أنه يجب إرجاعه لي؟
للعلماء في هذا قولان.
المقدم: سواءً أخذت القلم يا شيخ أو ما زال عنده باقيًا؟
الشيخ: لا إذا أخذت القلم وملكته وثبت في ذمتي ورضي أني أقسط له المبلغ انتهى الموضوع، هذا جزء من الثمن، لكن الكلام فيما إذا فسخ البيع يعني بمعنى أن القلم أخذته، لكن مثلاً رجعته له يعني لا فرق بين أني آخذ السلعة وأدفع عربونًا، أو أني ما آخذها وتبقى عنده وأدفع جزءًا من الثمن، الكلام على هذا الجزء من الثمن الذي دُفع في العقد: إذا فسخ العقد بالتراضي أو بالإخلال بالشرط أو ما إلى ذلك، هل هو من حق البائع، أم أن المشتري يطالب به؟
للعلماء في هذا قولان:
من أهل العلم وهو قول الجمهور: أن العربون حقٌ للمشتري بمعنى: أنه إذا فسخ البيع يرد البائع جزء الثمن، هذا المبلغ المقدم الذي هو في مثالنا الريال يردُّه لي، ويستدلُّون لهذا بما جاء في المسند وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون، وهو هذه الصُّورة لما فيه من أكل المال بغير حقٍّ، لأنه يأخذ ريالاً بلا مقابل.
القول الثاني وهو قول جماعة من أهل العلم، ومنهم الحنابلة: أنه يجوز أخذ المال يعني العربون إذا تم التعاقد عليه فللبائع أن يمسك الثمن ولا يرده على المشتري لأنه بالشرط، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، ولأنَّ البائع في الحقيقة لما يحجز لك السلعة ففي هذا الحجز إضاعة فرصة بالنسبة له، وحبس لهذا المبيع عن أن ينتقل فمن حقه أن يأخذ هذا القدر من الثمن مقابل ما حصل من الحبس لهذه السلعة المدة التي حبست سواءً طويلة أو قصيرة.
كيف يجيبون على الحديث؟ قالوا: إن الحديث الوارد في ذلك ضعيف، وهو محمول - على تقدير ثبوته - على الندب، ومن مكارم الأخلاق أن يمسك البائع الثمن مع عدم أخذ المشتري ومع عدم تتميمه للعقد، هذا ما يتصل بالعربون.
أقربُ القولين إلى الصواب أنه إذا عاقد على العربون فإن للبائع أن يمسكه لضعف الحديث الوارد ولما جاء من الآيات التي فيها: وجوب الوفاء بالعقود، وأن المسلمين كما قال: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»أخرجه الترمذي (1352)، وأبو داود (3594)، وحسنه الألباني في الإرواء تحت حديث: 1303وهذا شرط لا يحل حرامًا، ولا يحلِّل حرامًا، والأصل في المعاملات الحِلُّ.
هذه الأدلة الدالة على صحة بيع العربون، لكن من مكارم الأخلاق وخروجًا من الإشكال في الحديث أن يعطي البائعُ المشتري الثمنَ إذا لم يتم العقد.