العمل في البنوك الرِّبويَّة
الجواب: يمكن أن نقول أولاً: البنوك تنقسم إلى قسمين:
بنوك ربوية، وبنوك تعتمد أحكام الشريعة الإسلامية، فالعمل في البنوك التي تعتمد أحكام الشريعة الإسلامية في أي مجال جائز ولا حرج فيه؛ لأنها من الخدمات المباحة والمنافع الجائزة.
العمل في البنوك الربوية ينقسم أيضًا إلى قسمين، لكن قبل أن نذكر هذه الأقسام نقول: البنوك الربوية روحها وأساسها وأصل اشتغالها يقوم على الرِّبا والفائدة الربوية؛ معنى هذا: أن الربا يعتبر أساسًا وأصلًا في عمل هذه الدائرة، هذه الدائرة لا تستقلُّ بالعمل الربوي المباشر بمعنى: أن الربا يكون في المعاملات، ويكون هناك أمور ترفد الربا بمعنى أنها تسهل الخدمات، ولكنها ليست من الربا.
هناك في البنوك الربوية نسبة من الأعمال قد تصل إلى ثلاثين في المائة لا تعتبر من الأعمال الربوية المحرمة، يعني من الأعمال والخدمات المباحة، فلأجل هذه الخلفية وهو كون الربا أصلاً قام عليه العمل المصرفي في هذه البنوك، ولكونه هو الغالب فإنَّ كثيرًا من أهل العلم رأوا أن جميع الأعمال في البنوك الربوية، على أي وجه كانت تدخل في الإعانة على المحرم، والله تعالى قد قال: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة: 2].
فعلى هذا لا يجوز العمل، واستدلُّوا بأدلة عديدة: منها ما في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ».صحيح البخاري (2085)، وصحيح مسلم (1597).
ومعنى هذا أن الملعون في الربا خمسة: وليس فقط الآكل والمؤكل اللذان يباشران جني فائدة الربا أو المباشرة، بل الكاتب وهو أجنبي ما يدرك مالاً، والشاهد: وهو مجرد حفظ للحق يدخل في التحريم.
وعلى هذا فإن جماعة من أهل العلم وهو الذي يفتي به الأئمة وأعلام كبار في زماننا كشيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وشيخنا محمد العثيمين رحمه الله أنه لا يجوز العمل في البنوك الربوية في أي قطاع على الإطلاق.
القول الثاني: هم الذين رأوا أن في هذه البنوك مجالات لا تباشر الربا، وإن كانت قد تخدم الربا، لكنها ليست مباشرة له، وليست كاتبة ولا شاهدة، فقالوا: بأنه يجوز العمل في المجالات البعيدة التي لا تباشر الربا كخدمات العملاء في جوانب المتاجرة وما أشبه ذلك من الأعمال التي لا تكون متصلة بالربا.
هذان قولان لأهل العلم: والذي أرى أنه ينبغي للمؤمن أن يكون محتاطًا لمكسبه، وألا يدخل عليه ما فيه شبهة، فإن هذه الأموال فيها شبهة كبيرة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أثر الربا على منع أعظم خير وهو سؤال الله تعالى الخير في الحديث المشهور حينما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ((الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟)) صحيح مسلم (1015). .
فهو من أعظم أسباب الحيلولة بين العبد وبين إجابة الدعاء، فأنا أوصي إخواني بأن يتقوا الله تعالى وأن يبعدوا.
كما أني أوصي أصحاب البنوك أن يتقوا الله تعالى، والعجيب أن بنوكًا ناشئة ليست في بلاد إسلامية تعتمد الشرعية الإسلامية وتحقق أعلى المكاسب في جلب المستثمرين وجلب الأموال، وأهيب بإخواني أصحاب البنوك التي تعتمد الربا والفائدة في معاملاتها أن تعدل وأن تجتهد، وقد فتحت مجالات كثيرة يمكن من خلالها تحقيق أرباح كبيرة وتحقيق أيضًا أمن نفسي وفتح مجال لكثير من الشباب في التوظيف المباح والحلال.