تحريم القليل والكثير من الربا والمسكر
الجواب: أولاً: لا أعلم أحدًا من أهل العلم يقول بجواز القليل من الربا، الإجماع منعقد على تحريم الربا قليله وكثيره، ليس هناك بين أهل العلم اختلاف في هذا حكى الإجماع على هذا جمهور من أهل العلم: ابن عبد البر، وابن المنذر، والنووي، وسائر من اشتغلوا بحكاية الإجماع: أنه لا يجوز الربا القليل والكثير، بمعنى أني أعطيك يا شيخ محمد عشرة ريالات، وأقول لك: أرجعها لي عشرة ونصف بعد أسبوع، هذا ربا ولو كان نصف ريال فيدخل في الوعيد: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾[البقرة: 275].. الآيات، وما إلى ذلك من النصوص التي فيها التَّحذير من الربا، فهذا اتركه.
لكن التبس على الأخ ما يقوله بعض إخواننا في مسألة المساهمات: أن هذا قليل من الربا، والقليل من الربا لا بأس به، وهنا أنبه أن هذا مصدر إشكال عند كثير من الناس، يقولون: كيف تقولون بجواز الربا القليل والله تعالى حرمه، إذًا يجوز القليل من الربا؟
الجواب على هذا الإشكال: أنَّ الإخوان الذين يقولون بجواز المساهمات مع وجود قليل الربا، لا يجيزون القسط من المساهمات التي فيها ربا، إنما هم يقولون: موضوع هذه الشركة شركة الاتصالات، شركة الكهرباء، شركة الصناعة، شركة الزراعة هذه أعمالها في الأصل خدمات مباحة، فإذا كانت خدماتها مباحة، وهذا الذي حمل الناس للمساهمة، الناس ما ذهبوا إلى هذه الجهات حتى يجنوا عوائد أرباح الإيداعات في البنوك الربوية، إنما ذهبوا لهذه الجهات لأجل الأنشطة المباحة، لا في الإيداع، وإلا لو كان يريد الإيداع وعائدًا ربويًّا كان يذهب للبنك مباشرة، إذًا لأجل أن النشاط مباح في أصله، وهو الغالب في الشركة، قال جماعة من العلماء عن هذا النشاط محرم سواء كان نوع آخر من الأنشطة المحرمة مغتفر في هذا الكم الكبير من الأنشطة المباحة.
ففرق بين المسألتين، وهو تفريق دقيق يحتاج إلى نوع تعمق.
أما بالنسبة لقليل الخمر وهو أصل المسألة، قليل الخمر قد حسم النبي صلى الله عليه وسلم المسألة فقال: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ »أخرجه الترمذي (1865)، وأبوداود (3681)، وابن ماجة (3393)، وأحمد في المسند (14744)، انظر صحيح الجامع: 5530، الإرواء: 2375. وهذا في الصَّحيح وغيره.
يبين لنا أن الخمر يجب اجتنابها حتى لو قال واحد: والله أنا ما أسكر أريد أن أشرب، فالمعلوم أن مظنة حصول السكر يثبت الحكم ولو لم يسكر الإنسان، يعني لو كان إنسان عنده قدرة حضور، يشرب قارورة أو قارورتين ولا يسكر نقول له: اشرب ولا بأس بالقليل، لا، لاشكَّ أن مظنَّة الحكم أن الخمر تسكر، فكون فلان من الناس عنده من القدرة وحضور الذهن والطبيعة وما منحه الله تعالى أنه ما يسكر بجرة أو بجرتين أو بكأس أو كاسين، هذا لا يسوغ له الشرب، بل هو محرَّم قليله وكثيره، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا في هذا الحديث الذي ذكرناه: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» يعني لو أنه ما يسكر إلا إذا شرب مثلاً عشر كاسات ما نقول: الكاسين والثلاثة والأربعة خمس، بل الجرعة الواحدة منه محرمة.