المسابقات
الجواب: الحقيقة بغض النظر عن هذه المجلة بعينها، المسابقات رائجة في مجلات وفي منتديات وفي سائر مناحي وأنشطة الناس، لا سيما الأنشطة الاقتصادية، الآنَ أصبح من وسائل الحثِّ والتشجيع على الشراء طرح مثل هذه المسابقة.
أولاً: ينبغي لنا أن نفهم أن الأصل في المسابقات المنع؛وذلك لما جاء في مسند أحمد وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ فِي حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ». أخرجه أبوداود (2574)
لا سبق يعني لا عوض، يعني لا جائزة إلا في هذه الأشياء الثلاثة: الخف: وهو البعير، والإبل، والحافر: يعني الفرس، والنصل: الذي هو السهام.
إذا نظرت إلى هذه المذكورات الثلاثة، وجدت أنها من آلات الجهاد التي تستعمل في قتال الكفار، فكون النبي صلى الله عليه وسلم منع بذل العوض إلا في هذه الأشياء الثلاثة يدل على الحصر، وجماهير العلماء على اختلاف مذاهبهم يرون أن المسابقة بعوض لا تجوز إلا في هذه المذكورات الثلاث.
ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله، وكذلك الشافعي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمه الله إلى أن المسابقة تجوز في المذكورات في الحديث وما وافقها في المعنى، فهذه المذكورات في الحديث ما العلة أو ما المعنى الذي أباح النبي صلى الله عليه وسلم المسابقة لأجله فيها مع أن الأصل منع المسابقات؟ العلة هي أنها من آلات علو الدين وظهوره وحفظه وصيانته والذب عنه.
فكل ما كان سببًا لصيانة الدين وإعلاء كلمة المسلمين فيجوز المسابقة فيه.
فمثلاً: المسابقات العلمية في حفظ السنة، في حفظ القرآن، في العلوم النافعة، في العلوم المؤدية للعلوم الشرعية، علوم الآلات، كعلم اللغة وعلم الأصول والمصطلح وسائر أنواع الفنون تجوز فيها المسابقة.
أما ما عدا هذا، فإن الجماهير على عدم جواز بذل العوض في هذه المسابقة، ولا فرق، وأنبه إلى هذه المسألة لأنها خلافُ ما عليه أكثر حال المتكلمين في المسابقات من المعاصرين، لا فرق في هذا بين أن يكون العوض من الطرفين يعني الجائزة تكون مراهنة من طرفين، أو من أحدهما، أو من طرف ثالث.
الآن المسابقات الموجودة في الصحف والمجلات، غالبها يشترط الشراء؛ لأنهم يشترطون المشاركة في المسابقة أن تقتني الكوبون.
المقدم: وأحيانًا رسالة بالجوال تكلف عشرة ريال.
الشيخ: أو كذلك المهم أنه تترتب عليها كلفة، بعض الناس يقول: هذه الكلفة طبيعية ليست كلفة متكلفة فنقول: سواءً كانت كلفة حقيقية بمعنى: أنك تبذل من مالك حتى تشارك، أو كانت المجلة تأتيك بدون كلفة بمعنى: أنك في مكتب يزودونك بالجريدة مجانًا، أو بالمجلة مجانًا، فهذا لا يبيح لك المسابقة، لماذا؟ لأنه لا يجوز أخذ العوض في سائر المباحات على الصحيح من قول أهل العلم، وهو قول الجماهير من الحنفية والمالكية والشافعية، والحنابلة وسائر الفقهاء، فينبغي التنبه لهذه المسألة؛ لأن بعض الناس أخذ فتاوى بعض العلماء المتأخرين، وهو قول شاذ عند المالكية بجواز بذل العوض في المسابقات في الأمور المباحة، فننبه إلى هذا الأمر.
فخلاصة الحكم: أنه لا تجوز مثلُ هذه المسابقات ما لم تكن مسابقات شرعية.
المقدم: أكثر المسابقات تسويقية.
الشيخ: تسويقية إذًا لا تجوز.
الإخوان أصحاب التجارات أوصيهم بأن يبحثوا عن وسائل وطرق -وهي كثيرة- يحفزون فيها المستهلكين على الشراء دون أن يوقعوهم فيما حرم الله تعالى، فإنَّ كثيرًا من الوسائل التي يستعملها أصحاب التجارات في الترغيب في الشراء، لا تخلو من محظور شرعي، ولاشكَّ أن هذا يدخل في جملة ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حكيم بن حزام: «فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». صحيح البخاري (2079)، وصحيح مسلم (1532).
فجزء من الترويج الحاصل هو من باب التدليس والكتمان لأنواع من العيوب، وتنفيق شيءٍ ليس له حقيقة ولا للناس فيه رغبة، فلو أنهم صدقوا في عرض منتجاتهم وسلكوا في الترغيب السبل الشرعية أو السبل المباحة التي ليس فيها مؤاخذات شرعية، فإن ذلك أجدى لهم وأبرك في أرزاقهم.