تطهير الأسهم المشتبهة
السؤال:
ما حكم الاكتتاب في بنك البلاد؟
الجواب:
هذا سؤال متكرر، بنك البلاد من البنوك الناشئة التي يُرجى أن يراعى فيها الضوابط الشرعية، من حيث تعاملاته ومن حيث استثماراته لأموال الناس، والذي تبين لي بعد البحث والسؤال أنه بنك سليم من المؤاخذات، وأن المساهمة فيه مساهمة جائزة، بل إنَّنا نندب الإخوان إلى المساهمة فيه لكونه دعم للاقتصاد الإسلامي؛ حيث إنه بنك يقصد الطريق الشرعي في معاملاته، ويبعد جهدَه وطاقته عن الأمور المشتبهة.
وأعرف القائمين عليه، وأعلم اللجنة الشرعية، وأنهم حريصون غاية الحرص على البعد عن كل ما فيه شائبة، أو عن كلِّ ما فيه مؤاخذة.
المقدم: في ذكر هذا الأمر يا دكتور في قضية الأسهم، بما أننا تكلمنا عن أسهم بنك البلاد أو غيرها، يعني بعض الإخوة الفضلاء يكون قد ساهم في شركات معينة، واتضح له الآن أنها شركات محرمة قد دفع فيها أموالاً بمعنى: أنه كان دخل المساهمة مثلاً بمائة ألف، والآن في رصيده قرابة نصف مليون ريال، وعلم أن هذه الشركات محرمة: إما لوجود قروض ربويَّة نسبة خمسين في المائة، أو لوجود سندات، كيف يتعامل مع هذا الأمر؟ هل يبيعها الآن مباشرة لأنه علم بحرمتها، أو يخرج شيئًا منها؟
الجواب: هذه المسألة مسألة مشتبهة في الحقيقة، ووصفُ المساهمة بأنها محرمة لوجود بعض التعاملات المحرمة، فيه مجازفة؛ لأن الأسهم لا توصف بأنها أسهم محرمة إلا إذا كان النشاط الأصلي الذي بُني عليه العمل ودارت عليه المساهمة عملاً محرمًا.
أما إذا كان العمل الأصليُّ من أنواع الأعمال المباحة: كالخدمات، والكهرباء، والهاتف، وسائر أنواع المعاملة، الخدمات، والاشتراكات، والمساهمات الموجودة سواءٌ كانت خدمية أو سلعية، أو استثمارية عقارية، أو ما إلى ذلك الأمر فيها إذا كان النشاط الأصيل مباحًا فذلك يوصف به العمل أي: أن العمل مباح قد ينضاف إليه ما ذكرت من قروض ربوية أو سندات، فعند ذلك قد تُعكر هذه الدواخل على العمل إذا كانت نسبتها مرتفعة، أما إذا كانت النسبة قليلةً تابعةً ضئيلةً، فنحن ندعو الجميع إلى تطهير المعاملات من كل شائبة، لا سيما وأن الإنسان يساهم بأموال الناس وقد ائتمنوه، ويجب عليه أن يسعى في فكاك نفسه وفكاك أموال الآخرين من الشَّوائب والشُّبهات.
لكن إذا وقع هذا وكان فيه شائبة، فينبغي أن يُطهِّر ماله، بقدر ما يحصل من اشتباه في هذا المال.
أما من دخل مساهمةً على أنها سليمة ونظيفة، ثم تبين له أنَّ فيها محرمًا، أو أنها هي محرَّمة تبين له تحريمها بعد ذلك، فإذا كان قد تبين له ذلك بعد جهل، فما حصله من المكاسب السابقة فهو له؛ لأن القاعدة في هذا: أن كل من دخل عقدًا يظنُّ أنه مباح ولا يعلم تحريمه؛ فإنه يستبيحُ كلَّ ما كسبه قبل ذلك، ودليلُ هذا قول الله تعالى: ﴿عَفَا الْلَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾[المائدة: 95] في الربا، فإن الله تعالى لم يؤاخذ الناس فيما تقدم من الربا السابق وعفا عنهم، ولكن لما جاء العلم وجب الانتهاءُ عن المحرمات، ومن ذلك أكلُ ما تبيَّن تحريمه.
هذا إذا تبين أن المعاملة محرمة كليًّا، أما إذا تبين أن المعاملة فيها شائبة، فعند ذلك أرى أن الذي يريد أن يتقي الشبهات فليبعد عنها لحديث الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ» صحيح البخاري (52)، وصحيح مسلم (1599). يعني فيما بينه وبين الله تعالى، «وعرضه» يعني فيما بينه وبين الخلق، فإذا شاء أن يتجنبها بالتَّخلص منها بيعًا، أو تبرعًا، أو ما إلى ذلك من أنواع التَّخلُّص فذلك له، وإن شاء أن يستمرَّ فلا أجزم بل لا أقول بأن ذلك محرَّم له الاستمرار، لكن إن كانت النسبة قليلة فليطهِّر ما يقابل هذه النسبة.