المقدم:القضية التالية يا شيخ أيضًا ونحن نوشك على أن نودع عامًا دراسيًا والاختبارات ستبدأ يوم السبت، وكثير من الإخوة والأخوات من المعلمين والمعلمات يسألون هذا السؤال ويتحرجون الحقيقة يا شيخ من تقديم الهدايا لهم من طلابهم وطالباتهم، هل يقبلون أم يرفضون، ما توجيهكم يرحمكم الله.
الشيخ:فيما يتعلق بالهدايا المقدمة للمعلمين والمعلمات وعموم الموظفين لأنه هذه تحصل في مجلات كثيرة، والتعليم هو أحد هذه المجلات، هؤلاء الموظفون يتقاضون راتبًا وهم على عمل اؤتمنوا عليه، ويؤجرون عليه من حيث الراتب ومن حيث النية والأجر عند الله ـ عز وجل ـ هو على حسب ما قام في قلوبهم من القصد والنية.
أخذ مقابل زائد على الأجرة التي تدفعها جهات التوظيف سواء أن كانت حكومية أو كانت خاصة، الأصل أن لا يقبل شيئًا خارج عن ما تعطيه إياه جهة العمل، هذا هو الأصل. ولذلك جاء في الصحيح من حديث أبي حميد: «اسْتَعْمَلَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ رَجُلًا مِنَ الأزْدِ، يُقَالُ له ابنُ الأُتْبِيَّةِ علَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ وهذا أُهْدِيَ لِي، قالَ: فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى له أَمْ لَا؟»صحيح البخاري (2597)،هذا الكلام النبوي هو تأصيل لقاعدة وهو أن كل ما يكتسبه الإنسان بسبب عمله فإنه لا يحل له إنما هو مضاف إلى عمله في غير الراتب، غير الأجرة كل ما يكتسب الإنسان بسبب عمله غير ما اتفق عليه من الأجرة الأصل أنه للعمل وليس له.
ولذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ من الرجل ما قال: هذا لكم وهذا أهدي إليه، قال: هلا جلس في بيت أبيه أو أمه فينظر أيهدى إليه أو لا؟، إذًا هو أهدى إليه بسبب عمله، بسبب وظيفته، فإذا كان كذلك فإنها تُرجع إلى جهة العمل هذه الهدية ترجع إلى جهة العمل. فإذا قبل معلم من المعلمين أو موظف من الموظفين هدية فهنا هذه الهدية الحقيقة لا تحل له إنما هي للعمل الذي يشتغل فيه إلا أن هناك استثناءات هذه الاستثناءات ينبغي أن تُعلم وتُعرف لبيان ما يحل من هدايا الموظفين وما لا يحل.
فيما يتعلق بالأصل وهو ما ذكرنا أن كل هدية تقدم للموظف في جهة عامة أو جهة خاصة زيادة على راتبة من غير جهة عمله –حتى نكون واضحين من غير جهة عمله- هي عائدة إلى جهة العمل، إذا قبلها فهي عائدة إلى جهة العمل. ولذلك جاء في حديث عدي بن عميرة الكندي في صحيح الإمام مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «مَنِ اسْتَعْمَلْناهُ مِنكُم علَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنا مِخْيَطًا فَما فَوْقَهُ؛ كانَ غُلُولًا يَأْتي به يَومَ القِيامَةِ» المخيط هي الإبرة، ولذلك لما سمع هذا أحد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وهو رجل من الأنصار يقول الراوي: «فَقامَ إلَيْهِ رَجُلٌ أسْوَدُ مِنَ الأنْصارِ -كَأَنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ- فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قالَ: وما لَكَ؟ قالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذا وكَذا، قالَ: وأنا أقُولُهُ الآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْناهُ مِنكُم علَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بقَلِيلِهِ وكَثِيرِهِ، فَما أُوتِيَ منه أخَذَ، وما نُهي عنْه انْتَهَى»صحيح مسلم (1833)، معناه أنه لا يبقي منه شيء بل القليل والكثير حتى المخيط يرده، هذا هو الأصل.
وهنا يقطع دابر الفساد المالي، الفساد الإداري الذي تعاني منه الدنيا، الدنيا كلها وليس في هذه البلد فقط، لكن هناك تفاوت في البلدان في شدة الرقابة وتفعيل الأنظمة التي يحاسب من خلالها من يتولى الوظائف العامة والخاصة حول ما يتعلق بالفساد الإداري. الناس كلهم سواء، كل الناس يحبون المال ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾[الفجر:20]، ليس خاصًا ببلد دون بلد فامتناع بعض البلدان مثلًا يقال: في الغرب لو جاءته هدية كما هو في بعض أنظمة الدول تزيد على 30 دولار لرئيس الدولة وجب أن يضعها في خزانة الدولة العامة يعني لا يتملكها، ما زاد على هذا الحد، هذا ليس لأنهم لا يحبون المال، لكن عندهم من النظام وعندهم من الترتيب والاحتياط والرقابة التي تمنع وتحتاط لموضوع الفساد ما تجعلهم يخافون وبالتالي لا يقدم على شيء يعرف أنه سيحاسب عليه، وسيخسر أكثر مما يكسب.
فإذا غابت هذه الأنظمة أو وجدت ورقيًا وكتابيًا ولم تفعل على واقع العمل فسد الحال. فيما يتعلق بالجوائز الخاصة بالمعلمين والمعلمات إذا كانت هذه الجائزة أو الهدية الأصل ما هو الأصل؟
الأصل أن لا يقبل، وإذا قبل فهو للمدرسة أو للجهة التعليمية، هذا هو الأصل طيب هل هناك حالات تستثنى فيجوز له أن يقبل لنفسه؟
نعم هناك حالات، منها:
- أولًا أن يكون هذا بعلم الجهة التي يعمل عندها، فلا يأخذ قليل ولا كثير إلا بعلم الجهة، ولا تكون الجهة متواطئة يعني هناك جهة تتواطأ على ما قاله يعني شد لي وأقطع لك يعني يسير نوع من التواطؤ، لا الجهة المحايدة، نظام العمل، الجهة التي تملك الإذن وصلاحية السماح عنده صاحبة القرار، أو أن يكون هناك عرف سليم وليس عرفًا فاسدًا، فيه أشياء زهيدة ليست محل مناقشة في قبولها مثل يعني الهدايا العامة التي لا يخص بها أحد دون أحد، كأن تكون مثلًا كتاب يوزع توزيع خيري، هو المدرس ليس مقصودًا لذاته، المعلم ليس مقصودًا لذاته. إذًا الشرط الأول أن يكون بعلم جهة العمل التي تملك الصلاحية لذلك.
- الثاني أن لا يفضي هذا إلى محاباة بأي نوع من أنواع المحاباة، فإذا كان يفضي إلى محاباة يعني أنا نفسي ضعيفة وأعرف أنه الطالب إذا أهداني شيئًا اثر على في تقييمه، وفي تقويم عمله، وفي تقويم درجاته عند ذلك لا يجوز لي أن أقبل حتى لو أذنت جهة العمل، لماذا لا يجوز لي أن أقبل؟
لأني أعرف أن هذا سيؤثر علي في عدم تحقيق العدالة في توزيع الدرجات أو التصحيح أو ما إلى ذلك.
- الأمر الثالث الذي يجوز فيه الشرط في ثنايا الكلام أن تكون هدية غير مقصودة للشخص هو وغيره سواء، كأن يأتي الطالب مثلًا بمثل ما ذكرت تقاويم أعلانية توزع على كل المدرسة طلبة ومدرسين، هذه ليست خاصة بالمدرس مظنة التهمة فيها، مظنة التهمة يعني احتمالية أن تكون هذه سببًا للحديث والظلم والفساد ضعيفة، وبالتالي لا حرج فيها.
إن احتاط الإنسان وقال: أنا ما ودي أقبل، هنا نقول: هذا شأنك وسلكت مسلك الورع واسأل الله لك القبول.
- الحالة الرابعة التي يجوز فيها قبول الهدايا أن تكون هذه الهدية... نحن ذكرنا وش الأحوال؟
المقدم:نحن ذكرنا ثلاثة.
الشيخ:الحالة الأولى أو الشرط الأول أن يكون بعلم جهة العمل، الثاني أن لا يؤدي إلى محاباة، الأمر الثالث أن لا تكون خاصة بالمعلم وشخصه، هناك حالة رابعة تضاف إلى هذه الحالات التي يجوز فيها للموظف أن يقبل الهدية وهو ما إذا كان الموظف يأخذ هذه الهدية لجهة العمل لا له، يمثل هو جهة العمل بمعنى هو الآن لا يقبل لنفسه إنما يقبل لجهة العمل مثل مدير المدرسة إذا جاء مثلًا والد طالب وقال: أنتم أيش ناقص عليكم؟ قالوا: ناقص علينا مثلًا والله أحنا عندنا قصور في مثلًا آلات كذا، في أوراق كذا، هذه ليست هدية لشخص إنما هي هدية أو إعانة أو تبرع للمنشأة، ففي هذه الحال كون المدير أو الوكيل أو أن تأتي من طريق مدرس هذه ليست من الأمور التي لا تجوز بل هي جائزة شريطة أن لا يؤدي هذا إلى الفساد الإداري أو المحاباة أو إلى أن...
يعني يحدثني بعض الناس انه بعض التجار يأتي إلى بعض محال الدوائر الحكومية ويقول لصاحب الإدارة: هذه هدايا للموظفين، طيب هو هدايا للموظفين بعض الأحيان أموال، وبعض الأحيان هدايا قيمة وتأتي باسمه وتوزع على الموظفين باسمه، فمثل هذه بالتأكيد أنها ستؤثر لأنه هذا له مصلحة في هذه الدائرة، فكون له مصلحة في هذه الدائرة وأنا والله أخذت منه يعني مبلغًا أو هدية قيمة أو أي نوع من الهدية الخاصة التي خص بها أفراد معينين هذا موضع تهمة، ومحل ريبة، ولذلك يرجع إلى الأصل.
وأنا أقول القاعدة في كل الأحوال أنه إذا اشتبه عندنا: هل يقبل الموظف الهدية أو لا يقبلها؟
يعني أنا جاءتني هدية وأنا ما أدري هل تنطبق شروط الإباحة؟ أو لا تنطبق؟
هنا أن لا أقبل، لماذا؟ لأن الأصل عدم القبول، هذا الشرط الرابع.
- الشرط الخامس أو الوصف الخامس الذي يحل فيه قبول الهدية من الموظف هو أن يكافئ عليها، يكافئ على الهدية. جاءني طالب وأعطاني لابتوب مثلًا أو أعطاني أيباد، أو أعطاني نظارة على سبيل المثال ما هو بحقيقة فقبلته منه بشرط يجوز أن أقبل إذا كنت سأكافئه بمثله أو أحسن منه؛ لأنه هنا تذهب إشكالية المنة، وموضع الاتهام الذي يمكن أن يكون وارد بسبب قبول الهدية.
فإذا كان سيكافئ عليها بمثلها أو أحسن منها فله القبول، طبعًا هذا إذا كانت الجهة لا تمنع لأنه إذا كانت الجهة تمنع تقول: أي هدية تأتي من طريق العمل لا تُقبل فهنا لا يجوز القبول، لكن إذا أذنت في الجملة يعني ما تمانع وكافئ عليها ففي هذه الحال لا حرج ـ إن شاء الله تعالى ـ في قبول الهدية.
هذه بعض الأحوال وهناك أحوال أخرى ذكرها العلماء يعني قد نطيل على المشاهدين بذكرها لكن هذه أبرز ما يفيد في معرفة حكم الهدايا التي تقدم للمعلمين، يكثر السؤال عنه: والله أنه بعد الاختبار يقوم الطالب مثلًا بإعداد مائدة ويأتي بها للمدرسة ويأكلون؟
هذه مثل هذه الأمور التي ليس فيها كلفة خارجة عن المعتاد، إنما هي شيء معتاد يعني يأتي بالطعام ويعزم زملاءه ويكون فيه المدرسين ويأكلون الأمر في هذا سهل وقريب، وليت يعني الناس يتورعون، بعض الإخوان يتورعون يعني مثلًا في المناقشات العلمية أشاهد بعض الزملاء في المشاركات العلمية والمناقشات الطالب اللي يقدم رسالة مثلًا يأتي بشاي، وبسكوت، وقهوة، وبعض الحلوى لزملائه الحاضرين، ويأتي شيء للمناقشين، فآراء بعضهم جزاهم الله خير يتورع لا يشرب من شاي أو لا يشرب من... رأيته من أكثر من عروض.
أنا أقول: هذا المستوى من الورع جميل وجيد لكن ينبغي أن يمارس على نطاق يعني أوسع في القضايا واضحة أنها فيها إشكالية، مثل هذا لا أرى فيه حرج لماذا؟
لأنه هذا من المألوف المعتاد الذي لا يدعو إلى التمادي، قدم لك الطالب مع زملاءك ومع الحضور شيئًا ما خصك به، ما قال: والله هذا الحفل على شرف المناقش الفولاني، أو على شرف المدرس الفولاني، هنا فيه تخصيص لك، لما يكون فيه اشتراك واستواء للحضور في هذا فهنا الأمر في هذا قريب.
وأعود أذكر بقاعدة أنه إذا اشتبه الأمر هل يحل أو لا يحل؟ عند ذلك الأصل في هدايا العمال أنها غلول لما جاء في الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «هدايا العمَّالِ غُلُولٌ»مسند الإمام أحمد (23601)،العمال هم الموظفون ليس المقصود عمال البلدية وعمال المقاولات، لا العمال عمومًا أصحاب الوظائف والولايات، صغير الولايات وكبيرها.
المقدم:أحسن الله إليكم.