المقدم: صاحب الفضيلة لعلنا نقف في مستهل هذه الحلقة مع موضوعٍ حي يا شيخ وهو قضية التصويت.
يا شيخ! الآن نريد أن نقف مع وجهة النظر الشرعية مع الرؤية الشرعية يا شيخ لما ينادي به البعض أحيانًا، قضية التصويت يا شيخ التي نراها على بعض القنوات الفضائية في شتى أمور متعددة، لكن لعلنا نقف يا شيخ مع ما هو الآن جمال بعض الحيوانات يا شيخ هل هذا أجمل أو ذاك وتصويت والناس يتفاوتون في هذا والكل يحث الآخر، ما وجهة نظر الشرع في ذلك حفظكم الله؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فابتزاز أموال الناس وإخراجها من محافظهم له طرق عديدة، ومن أسوأ تلك الطرق هو ما كان فيه تغيير وغش، كما هو الشاهد في مثل هذه المسابقات التي ذكرت شيئًا من نماذجها وهي متنوعة ليست مقصورة على جمال الحيوانات كجمال الإبل مثلًا، أو جمال المراكب، بعض أنواع المراكب أو جمال ما يتسابق في تصويت الناس عليه، أصل هذا العمل وهو بذل المال لسبق فلان أو جعل فلان يفوز سواءً استفاد الإنسان منه، أو لم يستفد هو من إضاعة المال.
وفي حديث المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن إضاعته، إضاعته ووضعه في غير محله، من أمثلة هذا أن يدفع ولو هللة في غير محلها، هذا من إضاعة المال؛ لأنه كما في حديث أبي برزة: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ»[سنن الترمذي(2417)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(2531) ]، فإخراج المال قليلًا أو كثيرًا، الإنسان مسؤول عنه.
وبالتالي من المهم أن ينظر الإنسان في مثل هذه المسابقات التي ينتصر فيها لأناس؛ لأن هنا المشارك قد لا تعود إليه فائدة كما هو في بعض البرامج التي تتعلق مثلًا بالشعراء أي الشعراء أفضل؟ أو فيما يتعلق بجمال الإبل ومزايين الإبل وما أشبه ذلك، يشارك الناس ولكن الباعث لهم على المشاركة هو الحمية والانتصار للقبيلة في كثير من الأحيان، وهذا جانب آخر منفك من الجوانب التي تجعل هذه الأنواع من المسابقات أشبه ما يكون بظلمات بعضها فوق بعض، هي فوق كونها موضوع لا قيمة له، ولا يجوز بذل المال فيه، وبذل المال فيه من إضاعة المال والتنافس في ذلك من اللهو المحرم.
هناك جانب آخر وهو: أن مثل هذه الأنواع من المسابقات تُحيي وتُزكي روح العصبية المقيتة والنعرات الجاهلية التي تفرق الناس وتمزق نسيج المجتمع وتعيد الناس إلى الجاهلية الأولى، فينتصر هذا لقبيلته، وهذا لقبيلته على لا شيء، يعني ليس هناك موضوع، ليس هناك سبق في بر وخير، هو جمل زين ولا شين؟ طيب وكان ماذا؟ ما الذي سيأتي إذا دفعت القبيلة مليون ريال حتى تقول إن هذا الجمل جميل، هم يدفعون مليون ترى أو أكثر في بعض الأحيان يدفعون مليونين؛ لأن الرسالة بخمسة ريالات والجائزة كم تتوقع؟ الجائزة مائة ألف أو مائتي ألف، يعني سفه لا بعده سفه.
هذا من قبيلة واحدة فكيف وإذا كانت القبائل كلها تشارك وتستنهض هممها، ويجي من يقول: قبيلتكم لا تخلونه، وتثور النعارات بين الناس في أمرٍ من أمور التفاهات والانشغال عما فيه مصالح الدنيا ومصالح الدين، هذا ليس فيه بناء ولا رشد، لا لقبيلة، ولا لمجتمع، ولا لأمة ولا لدولة، إنما هذا من السفه الذي يشغل به أصحاب هذه القنوات، أو من ينظِّم مثل هذه المسابقات بقصد أو بغير قصد يشغلون به الناس عن مصالح دينهم ودنياهم.
لذلك أنا أحذِّر وأقول: مشاركة ولو كان واحد يقول أنا ما أنا بفائز، أنا لا أدخل في غرم، أنت غارم على كل حال، هذه الخمس ريالات التي دفعتها أو النصف ريال، أو الريال الذي تحملته لنصرة فلان أنت غارم مالًا، وغارم اهتمامًا، وغارم أيضًا من حيث أنك تنصر قبيلتك بباطل، أو تنصر الذي ينتمي إلى قبيلتك بغير حق.
المقدم: أحسن الله إليك، يا شيخ أنا ناقشت أحدهم أحد المصوِّتين الذين ينادون بالتصويت بأن هذا من إضاعة المال كما ذكرت أنت حفظك الله، فرد يا شيخ كان رده كالآتي هو قال: يا أخي أنت أفلا تقرأ قول الله ـ تعالى ـ: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية:17]، أنا أحتسب هذه الخمسة ريالات عند الله ـ سبحانه وتعالى ـ لما أتأمل هذه الناقة أو هذا الجمل إلى آخره، ثم هذا هو من التفكر في مخلوقات الله، هذا يا شيخ رده ما تعليقك.
الشيخ: أقول هذا يصدق عليه قول الله ـ تعالى ـ: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف:58]، ﴿خَصِمُونَ﴾ أي: يجادلون بالباطل، يعني أنت ما تستطيع تحقق قول الله ـ تعالى ـ: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ إلا من خلال البعير هذا الذي تعرضه القناة الفلانية، ثم مين قال إن هذا، الإبل ما قال أزين الإبل، يا أخي الحكمة في أردى أنواع الإبل وأشكالها يدخل في قوله ـ تعالى ـ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾، فالألف واللام هنا للاستغراق والاستيعاب تستغرق كل الجنس جنس الإبل، يعني هذا.
هنا ننتقل من مرحلة الوقوع في الخطأ إلى تبريره وتسويغه وإلباسه ثوب الشريعة.
المقدم: لينطلي على العامة يا شيخ.
الشيخ: هنا إلباسه، يعني تجاوزنا الحقيقة هذا من تحريف الكلم عن مواضعه، وهذا من العبث بالشريعة، وكثير من الناس يتورط في مثل هذا، يعني حتى يسوغ خطأه ويقول للناس إن أنا ما مثلي وإن أنا ما أتيت أنا في طاعة وعبادة، يأتي بنصوص شريعة أو نبوية أو أقوال علمية ليبرر الخطأ وهذه مشكلة كبرى؛ لأن تبرير الخطأ أعظم إثمًا وخطرًا من مواقعته، كوني أنا أقع في خطأ وأقول: والله غلبتني نفسي، غلبني ربعي، غلبتني قبيلتي وانسقت وراء مثل هذه الانتصارات، هنا نقول: الله يعفو عنك وتب إلى الله يتوب عليك.
لكن لما تنتقل إلى مرحلة إني أنا أسوغ الخطأ وأبحث عن مبرر له، هنا أنا تجاوزت مرحلة الخطأ إلى مرحلة إقناع نفسي بأن هذا مو خطأ، هذا صواب وهذا عمل صالح، وهنا كيف سأنتهي، لذلك كان العلماء يقولون: البدعة أخطر من المعصية ولو كانت بدعة صغيرة ليش؟ لأن المبتدع يرى أنه على حق، ويرى أنه في خير، وأنه في صراط مستقيم، وبذلك لا يجد من نفسه دعوة إلى أن يرجع وينكس وينتهي عن هذا المسلك الخطأ، أما في الصورة الأخرى فلا تجده إذا أخطأ ما تمادى ويشعر أنه خطأ ويطلب من الله العفو والغفران.
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ وجزاكم خيرًا.