المقدم:دكتور خالد لعل من المناسب ونحن نعيش في هذه اللحظات محنة فقد هذا العالم العابد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبريل وأني أحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا، أن نتكلم عن حال الأمة عند فقد العلماء، نتكلم عن حال الأمة عند فقد ورثة الأنبياء، تفضل يا شيخ.
الشيخ:الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
هذا الموضوع له جانبان:
- الجانب الأول ما يتعلق بالشيخ الجليل والعالم الكبير الإمام الدكتور الشيخ عبد الله بن جبريل ـ رحمه الله ـ وهو من أعلام العلم في هذا العصر، وهو من الفقهاء العاملين، والمشايخ الباذلين الذي لم يترك فيما أعلم بلدة ولا قرية في هذه البلاد إلا وقد غشاها وجاءها داعيًا مذكرًا آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر مبلغًا لرسالة الله ـ تعالى ـ ذاك الجبل الأشم، والعلم الشهير الذي أسأل الله ـ تعالى ـ أن يتقبله في عباده الصالحين.
لا شك أن فقد مثل هذا العالم هو من الأمور المؤلمة للنفوس لاسيما مع قلة العلم وكثرة الجهل وشدة الحاجة إلى من يحمل هذه الشريعة، والعلم يحمله ورثته وهم العلماء، ففقدهم هو فقد للعلم، فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغفر له وأن يرحمه، وأن يعلي درجته في المهديين، وأن يجعل ما أصابه حطًا لسيئاته، ورفعة لدرجاته، وكذلك أسأل الله ـ تعالى ـ أن يأجرنا فيما أصابنا، وأن يغفر لشيخنا، وأن يلهم الصبر كل من أصيب به، ولا يزال في الأمة خير كثير نسأل الله ـ تعالى ـ أن يبارك في الأمة، وأن يغفر للشيخ وأن يخلفه في عقبه بخير، وأن يخلف الأمة خيرًا منه، هذا ما يتصل بالجانب الشخصي فيما يتصل بهذه النازلة.
- الجانب الآخر وهو ليس منفكًا عن الأول مصيبة فقد العلماء لا ريب أنها مصيبة كبرى، ويلخص هذا ما جاء في الطبراني بل في مسند الإمام أحمد والطبراني من حديث أبي أمامه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في خطبة الوداع، في حجة الوداع في خطبته قال: «يا أيُّها النَّاسُ، خُذوا مِن العِلمِ قبلَ أنْ يُقبَضَ العِلمُ، وقبلَ أنْ يُرفَعَ العِلمُ، وقد كان أنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101]، قال: فكنَّا قد كَرِهْنا كَثيرًا مِن مَسألتِه واتَّقَيْنا ذاك، حتى أنزَلَ اللهُ على نَبيِّه ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ قال: فأتَيْنا أعرابيًّا فرَشَوْناه برِداءٍ، قال: فاعتَمَّ به حتى رَأَيتُ حاشيةَ البُرْدِ خارجةً مِن حاجِبِه الأيْمنِ، قال: ثُمَّ قُلْنا له: سَلِ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ قال: فقال له: يا نَبيَّ اللهِ، كيف يُرفَعُ العِلمُ منَّا وبيْنَ أظهُرِنا المَصاحفُ، وقد تَعلَّمْنا ما فيها، وعَلَّمْنا نِساءَنا وذَراريَّنا وخَدَمَنا؟ قال: فرَفَعَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ رَأسَه، وقد عَلَتْ وَجهَه حُمرةٌ مِنالغَضَبِ، قال: فقال: أيْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! وهذه اليهودُ والنَّصارى بيْنَ أظهُرِهم المَصاحفُ، لم يُصبِحوا يَتعلَّقونَ بحَرفٍ ممَّا جاءتْهم به أنبياؤهم، ألَا وإنَّ مِن ذَهابِ العِلمِ أنْ يَذهَبَ حَمَلَتُه، ثلاثَ مِرارٍ«.مسند الإمام أحمد (22290)
ذهاب العلم بذهاب حملته، فإذا ذهب حملة العلم ذهب العلم، فهم الذين يحملونه علمًا وعملًا ودعوة وترجمة وبيانًا، فذهابهم لا شك أنه مصيبة كبرى، وقد فسر جماعة من العلماء قول الله ـ تعالى ـ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[الرعد:41] فسرها بعض أهل العلم بفقد العلماء، فإن نقص الأرض هو بنقص علماؤها وذهاب أنوارها ونجومها، فالعلماء هم أوتاد الأرض الذين تثبت بهم الأرض وتثبت بهم القروب عند الفتن والزلازل، ولهذا بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حجم المصاب بفقد العلماء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَماءِ، حتَّى إذا لَمْ يَتْرُكْ عالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا».صحيح البخاري (100)، وصحيح مسلم (2673)
إذًا قبض العلماء هو رفع للعلم، ولهذا يجب أن تتضاعف الجهود وأن يكون حزنًا إيجابيًا لا سلبيًا، بمعنى أنه إذا فقدنا عالمًا، فقدنا داعية، فقدنا مبصرًا، يجب أن نسعى إلى تعويض هذا الفضل بأن نكثف الجهود لأن الساحة فرغت، الشيخ رحمه الله وأمثاله من العلماء الذين مضوا وأفضوا إلى ربهم سدوا ثغرات عظيمة، وقاموا بواجبات كبيرة، هذه الثغرات التي خلت الآن تحتاج الأمة إلى من يسدها فينبغي أن يكون همنا لا في فقد عالم ذهب فكلنا إلى الله صائرون، كل نفس ذائقة الموت هذا مصاب ونحزن له، ونتألم لأجله ونحزن لكن ينبغي أن يكون عندنا ما هو وراء هذا الحزن عمل إيجابي وهو أن نحاول أن نسدها بثغرات بتكوين العلماء، والعناية بطلبة العلم، وبذل الأموال فيما يتصل بالعلم ومراكزه.
للأسف يا أخي عبد العزيز كثير من التجار، وكثير من أصحاب الأموال، وأصحاب الآراء والأفكار يبذلون أموالهم في مجالات كثيرة من أبواب الخير وهذا يحمدون عليه وهو شيء حسن وطيب، لكن هناك مجالات صريرية الأمة محتاجتها أشد من حاجتها إلى الطعام والشراء والكساء، لكن الناس عنها في غفلة ألا وهو ما يتعلق بنشر العلم، نشر العلم يعاني ضائقة شديدة، لا من جهة الموارد المالية، ولا من جهة الأوقاف، ولا من جهة كفالة طلبة العلم، ولا من جهة المراكز التي تعلم الناس في شرق الأرض وغربها، ولا من جهة القنوات التي تقوم على نشر العلم والدعوة إليه وتبصير الناس، كل هذه مجالات تحتاج إلى إنفاق، في الأوقاف، إنفاق في الوصايا، أنفاق في الصدقات، إنفاق في الزكوات كلها من المجالات التي تنفق فيها الأموال.
فينبغي أن نكثف الجهود وأن نشعر بأنه إذا فقدنا عالمًا فقد فقدنا نورًا، ومعلوم أنه الناس لو ارتفعت عليهم الكهرباء لهرعوا إلى إيجاد بديل، وقد يكون في بعض الأحيان يشترون مواتير حتى يسدوا النقص الحاصل في الإضاءة في بيوتهم، فكيف نفقد الأنوار التي تنير القلوب فالعلم نور ينير القلوب وينير البصائر ويدل على الله تعالى ثم لا يتغير إلا أن نحزن وأن نثني على من ذهب، نحن نثني على من ذهب، ونحزن لفقده لكن ينبغي أن يكون حزننا بناء يوجد أرضًا علمية جديدة تنفع الناس وتعوض النقص الحاصل بفقد العلماء، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغفر لشيحنا الشيخ عبد الله الجبريل رحمه الله، وأن يخلفه في عقبه في الغابرين، وأن يفسح له في قبره، وأن ينور له فيه، وأن يخلف الأمة خيرًا.
المقدم:اللهم آمين، جزيتم خيرًا يا شيخ.