السؤال:
فيما يتعلق بزيارة النساء للقبور جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزروها))، بعضهم يقول: هذا الأمر يشمل الرجال والنساء؛ فما توجيهكم؟
الجواب:
في صحيح مسلم برقم (1977) من حديث بريدة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال إني كنتُ نهَيْتُكم عن زيارةِ القبورِ فزورُوها فإنها تُذَكِّرُ الآخرةَ»، وهذا التعليل النبوي ليس خاصًّا برجل أو امرأة.
ولذلك ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن حكم زيارة القبور للرجال والنساء فيها سواء؛ استنادًا إلى هذا الحديث.
وذهب طائفة من أهل العلم إلى أن زيارة النساء للقبور مكروهة وهذا قول الجمهور؛ استنادًا إلى ما جاء من النهي في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس «لعنَ اللَّهِ زائراتِ القبورِ» أخرجه الإمام أحمد في المسند (2030)، وأبو داود في السنن (3236)، والترمذي في السنن (320)، وحسنه. وأخرجه النسائي في الصغرى (2043)، وصححه ابن حبان (3178)، والحاكم في المستدرك (1384). وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعن زوارت القبور» أخرجه الإمام أحمد في المسند (8449 )، والترمذي في السنن (1056)، وقال: حسن صحيح. وابن ماجة في السنن (1576) . وهذا اللعن يدل على أن الأمر ليس مجرد مكروه إنما الأمر كبير؛ لأن اللعن لا يكون إلا على كبائر الذنوب لا على المكروهات.
ولهذا ذهب طائفة وهذا القول الثالث إلى تحريم زيارة القبور استنادًا إلى هذا الأحاديث.
لكن الجمهور قالوا: إن هذه الأحاديث فيها مقال، والحديث إذا كان ضعيفًا في إسناده فإنه يُفيد الكراهة ولا يُفيد التحريم، وعلى هذا جرى جماعة من الفقهاء، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس في الصحيحين رأى امرأة واقفة عند قبر تبكي، فقال لها: ((اتقي الله واصبري)) فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: ((اتقي الله واصبري)) فدل هذا على أنها قد ارتكبت إثمًا؛ لأنه أمرها بالتقوى وما تفعله خلاف التقوى. لكن الجمهور قالوا: إن هذا لا يدل على النهي، إنما اتقي الله فلا تجزعي، لذلك لما جاءت إليه وقالت: يا رسول الله إني لم أعرفك. فقال: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926).. ولم يعقب على زيارة القبر.
المقصود أن العلماء كل فريق من هؤلاء الثلاثة له دليل يستند إليه فيما ذهب إليه، وأقرب هذه الأقوال إلى الصواب أن زيارة القبور بالنسبة للنساء مكروهة، وأن الزيادة فيها قد تُلحقها بالتحريم إذا كانت تُفضي إلى جزع، كما فعلت المرأة، وجزعت على موت ولدها. فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اتقي الله واصبري)).
ومن أهل العلم من قال: المرأة لا تزور القبور، لكن إذا مرت على المقابر تسلم، وحملوا حديث عائشة الذي في الصحيحين: ما أقول إذا جئت المقابر؟ قال: ((قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ)) أخرجه مسلم (974).. هذا الحديث روته عائشة -رضي الله عنه-.
فهذا هو مختصر ما في هذه المسألة من الأقوال، وأقربها أن زيارة القبور للنساء مكروهة، وهو قول الجمهور.