السؤال:
هل هناك زكاة على الصناديق الاستثمارية؟
الجواب:
الصناديق الاستثمارية الذي يملكه الإنسان فيها هو وحدات، وبالتالي عليه أن يزكي قيمة هذه الوحدات، سواءً كانت هذه الوحدات مرتفعة أو منخفضة، ولا فرق في ذلك؛ لأنها في الحقيقة عروض تجارة تباع وتُشترى، وبالتالي فإنه لا يؤثر عليه أنها نزلت أو انخفضت قيمتها بعد أن كانت مرتفعة، بل إذا جاء يوم الزكاة فينظر كم له في الصندوق من مال سواء عن طريق معرفة عدد الوحدات، ثم يعرف كم قيمتها أو يسألهم بالاتصال على الصندوق فيقول: كم لي من المال؟ فيزكي وفق ما يملكه من مال.
وهنا مسألة وهي: هذه الصناديق في الحقيقة عليها مسئولية، فمن يتحمل مسئولية خسارة هذه الصناديق؟ لاشك أن البنوك تتحمل مسئولية كبرى في الخسارة التي أصابت هذه الصناديق؛ لأن الداخل إلى سوق الأسهم صنفان من الناس: صنف دخل السوق بنفسه فيبيع ويشتري من خلال سوق المال ويباشر ذلك بنفسه، فهذا يتحمل المسئولية عما يصيبه من خسارة، كما أنه يجني ما يصيبه من الأرباح بحكم أنه هو المباشر للعمل.
أما أولئك الذين دخلوا من طريق هذه الصناديق، وقد أشيع ونُشر وأفهم الناس أن هذه الصناديق تُشكل نوعًا من الأمان، وتشكل نوعًا من الطمأنينة للمساهم، أنه سيتوقَّى ما يمكن أن يكون من مخاطر انخفاض في قيمة الأسهم؛ فالواقع أن هذه الصناديق تخلت عن مسئولياتها، وأصبحت لا تختلف عن ذاك المساهم الذي يساهم في السوق بنفسه، في تعرُّضه للخسارة والربح، فهذه الصناديق تربح في كل عملية بيع لأنها تأخذ عمولة، وتأخذ على المساهمين أنواعًا من العمولات، ثم هي لا تقوم بمسئولياتها فيما يتعلق بحفظ حقوق الناس، بل على هذه الصناديق مسئولية، ويجب على الجهات المسئولة في وزارة المالية وصندوق النقد، أن يلزموا هذه الصناديق بتعويض الناس، بقدر ما حصل من تفريط في عملهم، وعدم القيام بتأمين استثمارات الناس؛ لأنَّ أموال الناس ليست أمرًا يسيرًا وكلأً مباحًا لهذه البنوك ولهذه الصناديق، أن تعمل فيها ما تشاء دون أن تحفظ ما توكلت به وتعهدت به، وأفهمت الناس أنها نوع من الاستثمار الآمن.
فلما نزلت الأسهم الآن، وأصبحت هذه الصناديق تقول: أنا مثلي مثل الناس؛ فهذا ليس بصحيح، فأين أنتم لما دعوتم الناس للإقبال على هذه الصناديق، وبينتم أنَّكم خلال سنة ضاعفتم الأرباح، وأن هذا استثمارٌ آمن، وأن هناك لجانًا وجهاتٍ ومسئولين ينتظرون ويتابعون السوق، ويتوقعون النزول ويقون المخاطر؟
ولكن هذه المخاطر جاءت مفاجئة ولها أحكام، لكن أنا أتكلم عن النزول الذي يتتابع وله نُذر وله مقدمات، فأين هم؟ ولماذا لم يبادروا بتأمين حقوق الناس؟ وعلى أقلّ الأحوال أن يُشعروا الناس بأنهم مقبلون على خسارة، فمن شاء أن ينسحب فلينسحب مبكرًا، لا أن يبقى حتى يتورَّط ثم لا يستطيع أن يخرج، ولا يستطيع أن يبقى، وهو يرى هذا الانحدار، وهذا التدهور في قيمة أسهمه وقيمة وحداته.
وهذا نموذج من النماذج التي ينبغي للبنوك أن تتقي الله تعالى، وأن تعوض الناس على ما غررتهم.
فالسائل يقول: أنا خسرت وتعبان، وهو لم يتمكن من إبانة كل ما عنده، لكن هؤلاء ما ذنبهم؟ فالبنوك رابحة على كل حال، يعني: مع النزول الحاصل في هذه الصناديق فالبنوك لا تتسامح ولا بجزء بسيط من العمولات التي تتقاضاها على بيع هذه الوحدات، وما إلى ذلك مما يجري من أوجه أخذ عمولات، ولكن أليس لهؤلاء حق؟ فالواجب على الجهات ذات الاختصاص من وزارة المالية وصندوق النقد في البلد، أن يضرب بحزم على هذه الصناديق، وأن يطالبها بتعويض الناس عما جرى من تغرير.
وينبغي للناس أن يفكروا في الدخول قبل الأسهم، خاصة وأن الانهيارات متتابعة، فبعض الناس قد يبيع بيته وقد يقترض من أحد البنوك، فينبغي أن يفكروا مليًّا قبل أن يدفعوا ريالاً واحدًا في هذه السوق، وهذا لاشك فيه، لكن الآن قد وقعت المشكلة، ونحن الآن نقول: تداعيات هذه المشكلة طالت أفرادًا كُثرًا في المجتمع، والواجب تعويضهم أو نوع من التطمين لهم، أو أيُّ نوع من أنواع تحميل المسئولية للذي غرر بهم.
الجانب الثاني: ما يتعلق بالناس، فالناس في الحقيقة ينسَون، فلما حصل الانهيار الأول انكمش الناس وذهبوا وانجفلوا عن سوق الأسهم، فلما حصل نوع من الانتعاش في السوق، ولو جزئيٌّ، أقبل كثير من الناس ليستربحوا من هذه السوق.
وترى كثيرًا من الناس لا يزال إلى الآن مغررًا به، فإن هناك من يستفيد من التغرير بالناس ليدخلهم في السوق ويقول لهم: الأنسب أن تشتروا، ويوهمهم بنوع من الارتفاع، ثم يبيع ويحصل ما يحصل من النقص، ولاشك أن هذه مسئولية السوق ومسئولية الجهات المشرفة، أن تمنع هذا النوع من التغرير، وهذه الحماية واجبة، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
فلا شك أنَّ هيئة سوق المال تتحمل مسئولية، ووزارة المالية تتحمل مسئولية، وكل هذه الجهات ذات الاختصاص لابد أن تطَّلع على ما يجري، وقد يكون هناك نوع من التبصير من قبل هذه الجهات، ولكن المسألة لا تقتصر على التنبيه والتبصير، وأنا عندي أن هناك آلية أخرى غير مسألة الكلام؛ لأنهم يملكون أدوات إجرائية وعملاً تنفيذيًّا يحمون به المساهمين، وهذا العمل هو الذي لم نلمسه ولم يلمسه الناس في واقع سوق الأسهم، لكن فيما يتعلق بالتحذير، قد يكون هناك تحذير هنا أو هناك، وكلمات قد تنبئ بنوع من الحذر، لكن أيضًا الحسُّ العامُّ، والفهم العام الذي يصل الناس هو التغرير لا التحذير، ولذلك ينبغي أن تمارس هذه الجهات دورها، وينبغي للناس أن يعوا وأن يستبصروا وأن يكتفوا، فنقول للذي يغامر ويبيع بيته ويستأجر، ثم يأتي ويبكي: يداك أوكتا وفوك نفَخ، أنت تتحمل المسئولية ولا تلقِ بالمسئولية على الآخرين، وهم يتحملون مسئولية، لكن لا يعني هذا أن تخلي نفسك من مسئولية.
وهناك أحد ضحايا هذه الأسهم، وهو رجل كبير في السن، وكان لديه تقريبًا مبلغ اثنين مليون ريال، والآن ليس لديه شيء ويسكن مع ابنه، ونسأل الله أن يخلف عليه خيرًا.