السؤال: توفي والدي قبل مدة قصيرة، وقد أفطر من رمضان أسابيع بسبب مرضه، ولم يقضِ لاستمرار المرض؛ فماذا علينا؟
الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد:
فبحث أختنا هذا من برِّ والدها بعد موتها؛ فإنَّ من برِّ الوالد هو أن ينظر ما عليه من حقوق لله أو للخلق، والسَّعي في إبراء ذمَّته منها، كما جاء رجل - في الصحيح - إلى النبي صلى الله عليه وسلم - أو امرأة في بعض الروايات - فقالت: «إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ» صحيح البخاري (6885).، وهذا يدلُّ على أنَّ من برِّ الوالد البحثُ عن الحقوق التي عليه.
وفيما يتعلق بخصوص هذه المسألة، وهي من استمرَّ به المرض إلى أن توفي، فإن كان هذا المرض مما يُرجى برؤه فإنه لا قضاء عليه ولا على ولده من بعده؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال - فيما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة -: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»صحيح البخاري (1952)، وصحيح مسلم (1147).. فهذا فيما إذا كان الصوم قد وجب عليه وثبت في ذمَّته ثبوتًا يجب إما قضاءً أو أداءً، وهنا الصوم لم يثبت عليه إلا قضاءً، ولم يدرك وقتًا يقضي فيه، فبالتالي برئت ذمته، وقد حكى الاتفاقَ على هذا جماعةٌ من أهل العلم: أنه في مثل هذه الحالة - وهي أن يمتدَّ المرضُ، والمرض مما يُرجى برؤه ولا يتمكَّن من القضاء - فلا قضاء على ولده، ولا يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ».
وأما إذا كان مَرِضَ مرضًا لا يرجى برؤه، واستمرَّ حتى مات، ولم يُطعم ولم يَقضِ؛ ففي هذه الحال يجبُ على وليِّه إذا كان قادرًا أن يُخرج من تركته - من تركة الميت - ابتداءً فداء الأيام التي عليه، قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾[البقرة:184].
أما قضاء الوليِّ بعد موت مَن عليه صومٌ، فهو فيما إذا كان الصَّوم منذورًا وأخَّره، أو كان الصوم قضاءً وتركه، حتى تمادى به الوقتُ فمات، ففي هذه الحال يصوم عنه وليُّه، وأما في الحالين السَّابقين، فهو إما أنه لا شيء عليه، وإما أنَّ الواجبَ هو ما كان واجبًا في حياته، من الإطعام الذي قال فيه جلَّ وعلا: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾[البقرة:184].
السؤال: يُطعم فقط؟
الجواب: في الحالة الثانية لا يجبُ إلا الإطعام، أما القضاء فلا يشرع القضاء؛ لأنه لم يثبت عليه صوم، وإنما ثبت في ذمَّته بدل الصَّوم، وهو الإطعامُ فوجب أن يخرج من تركته، فإن لم يكن له مال فهنا يكون عاجزًا ولا يستطيع، والواجبات إنما تثبت بالاستطاعة، فإذا لم يكن مستطيعًا فلا شيء عليه.
السؤال: إذا ثبت عليه الصَّومُ، فهل يصوم عنه وليُّه، أو يتقاسم أقاربه الصيام؟
الجواب: وليُّه قريبه، الوليُّ هو القريب، وهنا يشمل الولد والأخ والأخت والوالد، ويمكن أن يتقاسموا الأيام إلا أن يكون صيامًا يُشترط فيه التَّتابعُ، كصيام شهرين متتابعين؛ ففي هذه الحال لا يمكن أن يقتسموا الأيَّام؛ لأنه سيفوت التَّتابعُ، أما مثل رمضان أو ما أشبه ذلك، فهنا لا حرج أن يقتسموا الأيام.
ومن أهل العلم من يقول: أنه إذا كان متتابعًا بأن صام واحدٌ منهم شهرًا، ثم أتمَّ الآخر شهرًا آخر، فإنه يُجزئ؛ لأنه حصل صومُ شهرين متتابعين من شخصين.