حكم من جامع زوجته في نهار رمضان
الجماعُ في نهار رمضان هو من أعظم المفسدات للصوم، قال الله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187] وهو يشير إلى بذلك إلى الجماع، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، فمعنى هذا: أن الصائم ممنوع من هذه الأمور الثلاثة، ومنها الجماع وقت النهار، وهذا متَّفق عليه بين أهل العلم، «يترك طعامَهُ وشرابَه وشهوتَه من أجلي» صحيح البخاري (1894)، والذي يجامع لم يدع شهوته.
لكنَّ الجماع مع كونه مفطِّرًا من المفطِّرات فهو أعظمُها؛ لما ورد فيه من التَّغليظ، ففي الصَّحيحين من حديث حُميد بن عبد الرَّحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت. قَالَ: «مَا لَكَ؟» يعني: أيُّ شيء أصابك بالهلاك؟ «قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ»، وهذا القول أقره النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: لا لا ما هلكتَ، ما أتاك إلا العافية، ما فيك شيء، هذا المفطِّر كسائر المفطِّرات، بل أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم وتجاوز التَّوصيف للفعل بأنه هلاك، إلى البحث في المخرج، «فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟»: قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَ: لاَ، فَقَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا». قَالَ: لاَ»صحيح البخاري (1936)، وصحيح مسلم (1111)، وبهذا تكون قد كملت مراتب الكفارة، ابتداءً بعتق رقبة، وعتق الرقبة هو فك الرقاب بإعتاق الرقيق، سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، وهذا يتحقق بالقدرة عليه ماليًّا، بأن يكون عنده مال، أو عنده عبدٌ يُعتقه أو بالوجود، فإذا كان عنده مال لكن لا يجد رقيقًا فهنا ينتقل إلى المرتبة الثانية، وهي صيام شهرين متتابعين، ومعنى متتابعين أي: لا يفصل بينهما بما لا يبيح له الفطر في رمضان، لكن لو مرض في أثنائها أو وافق عيد الفطر أو عيد الأضحى أو أيام التشريق، فلا بأس أن يقطع للعذر، أو المرأة جاءها الحيض فلا بأس؛ لأنَّ كل ما يبيح الفطر في رمضان، يبيح قطع التتابع فيما اشترط فيه التتابع من الصيام، ومنه السفر أيضًا.
الأمر الثَّالث بعد هذه المرتبة: فإن لم يستطع فيصير إلى إطعام ستين مسكينًا، والإطعام يحصل بكفاية المسكين في وجبة من الوجبات، إما غداء أو عشاء، سواء كان ذلك بطبخه وتقديمه إليه، أو كان ذلك بتمليكه الطعام. هذا ما يتعلق بالكفارة.
وبهذا نُعلم المجامع في نهار رمضان، عليه أولاً: التوبة إلى الله تعالى مما فعل، ثم عليه السعي في الكفارة وهي التي بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم مراتبها على حسب الترتيب، ثم بعد ذلك - في قول جمهور العلماء - عليه أن يصوم يومًا مكان اليوم الذي أفطره وأفسده، ويستدلُّون لذلك بما في سنن ابن ماجة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» أخرجه ابن ماجة (1671)، وابن أبي شيبة في المصنف (9774)، وقال الألباني في الإرواء (939): هذا حديث مرسل جيد الإسناد ا.هـ ، إلا أن هذه الرواية غير محفوظة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض الحفَّاظ عن ذكرها، وهذا مما يدلُّ على أنها شاذَّة وغير محفوظة، وهذا ما حكم به النُّقَّاد المحققون، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وهذا هو القول الثاني في المسألة: أنه لا ينفعُه القضاء، وهذا حال كل من أفطر متعمدًا؛ فإن من أفطر متعمدًا فإنه لا ينفعه بأن يأتي بقضاء، وإنما عليه صدقُ التوبة إلى الله تعالى من هذا الإفساد، والإكثار من العمل الصَّالح، ومنه الصيام ليجبر ما حصل من النَّقص بإفساد هذا اليوم.
إذًا: هذه الأمور التي تجب مراعاتُها لمن وقع منه الجماع في نهار رمضان.
وأنا أقول: من المهمِّ أن نتوقَّى أسباب الخطر، وأن لا نتمادى مع المقدِّمات، حتى يقع ما لا تُحمد عقباه، ويكون سببًا للهلاك، فكثيرٌ من الناس بحكم أنه لا يأوي إلى فراشه إلا بعد الفجر، قد يتوسَّع في مسألة الضم أو التقبيل أو ما أشبه ذلك مما يكون بين الزَّوجين، فيتفارط بهم الأمر حتى يقعا فيما نهي عنه من الجماع، فلذلك نقول: من الضروري إذا كان الإنسان لا يملك نفسه أن يتخذ التدابير المانعة للوقوع في الفساد، ويشير إلى هذا ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ»،ثم بيَّنتُ فرقًا مؤثرًا وأمرًا لابد من مراعاته حتى لا يقال: لنا في النبي أسوة حيث إنه قبَّل فنقبِّل فقالت: «وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ» صحيح البخاري (1927)، وصحيح مسلم (1106)، وفي بعض الروايات: «لأربه». وهذا يدل على أنَّ من كان على غير هذه الصفة، لا يملك نفسه، وينساق سواء كان من رجل أو امرأة، فإنه ينبغي أن يقف عند المقدمات، فالوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد، فإذا كانت الوسائل تؤدِّي إلى محرَّم، فيجب منعها وهي محرَّمة؛ لأنها تُفضي إلى ما حرَّمه الله ورسوله.