هل صيام يوم عرفة يُكفِّر الذُّنوب المجاهر بها
على كلِّ حال! المجاهرة بالمعصية من كبائر الذنوب وعظائم الإثم؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ أمَّتي معافىً» أي: جميع الأمة يرجى له العافية من الذنوب وآثارها وشؤمها وأخطارها في الدنيا والآخرة «إلا» استثناء، «المجاهرِينَ»صحيح البخاري (5721)، وصحيح مسلم (2990)، والمجاهرون من هم؟ بيَّنهم النبي صلى الله عليه وسلم: هم الَّذين يأتي الرجلُ الذنبَ، ثم يبيت يستره الله تعالى، ثم يصبح يكشف ستر الله عنه، فيقول: فعلتُ وفعلتُ وفعلتُ، يقول: أنَّه زنا أو سرق، والله تعالى قد ستره وغطَّى سوأته وعيبه على الناس، وهذا من الفعل الذي يدل على ضعف الإيمان في قلبه، وأنه ليس بقلبه تعظيمٌ لله جلا وعلا، وليس في قلبه حياءٌ من الخلق، ولو كان في قلبه حياءٌ وإيمان؛ لما جهر بسيئ الأعمال.
لكن هل إذا حجَّ أو صام عرفة يُكفَّر عنه؟ من العلماء من يقول: إن هذه الأعمال الصالحة لا تكفِّر كبائر الذنوب التي يُصِرُّ عليها الإنسان، ولذلك إذا كان مصرًّا فإنه في ذنب مستمرٍّ، حتى لو كُفِّر ما مضى فهو مهدَّد بالعقوبة ما دام مصرًّا على هذه المجاهرة، لكنه لو جاهر مرة ثم وُعِظ وندم ورجع، فهذا من جملة الذنوب التي تندرج في قول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر: 53].
فسبحان الذي تتلاشى في جنب مغفرته الذُّنوب، وتضمحلُّ أمام رحمته وعفوه السيئات والخطايا مهما عظمت، ولهذا لا ييأس أحد من رحمة الله، حتى لو مرَّ عليه فترة مجاهرة، فإنه يرجع ويتوب ويئوب، والله تعالى يحبُّ التوابين ويحب المتطهِّرين.