تخصيص ليلة القدر ببعض العبادات
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ففيما يتعلق بتخصيص ليلة القدر: المشروع في ليلة القدر الذي جاءت به السنة هو القيام؛ ففي الصَّحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »صحيح البخاري (1802)، وصحيح مسلم (760)، والقيام يتضمن جملةً من الأعمال، من أهمها وأبرزها وأعظمها بعد حمد الله والثناء عليه وتعظيمه وإجلاله وقراءة القرآن: الدُّعاء، وهو من أهمها، ولذلك جاء في الترمذي من حديث عائشة أنها قالت: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي» أخرجه الترمذي (3513)، وابن ماجة (3850)، وأحمد في المسند (25423)، وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال إلا أنه لا بأس به ويصلح للاحتجاج. وهو دالٌّ على إقبال الصحابة رضي الله عنهم في تلك الليلة على الدعاء؛ لأنها فهمت من كونها ليلةً شريفةً أنها محلٌّ للدعاء، فلذلك قالت: «مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي».
فالمشروع في هذه الليلة هو القيام والاجتهاد في تحرِّيها، بالصلاة وتعظيم الله تعالى وإجلاله والإكثار من الدعاء، لا سيَّما هذا الدعاء الذي يجمع خيري الدنيا والآخرة؛ فإنَّ العبد إذا نال العفو فقد فاز بفضل عظيم وثواب كبير وسعادة عظمى في الدنيا وفي الآخرة، فإنَّ الشَّرَّ الذي يُصيب الناس في الدنيا، إنما هو بسبب معاصيهم، فإذا عفا الله تعالى عنها سلموا من مصائب كثيرة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى: 30].
وأما الآخرة فإنه من عفا الله عنه، فذاك الفائز الذي يُزحزح عن النار ويدخل الجنة، وقد قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: 185].
نسأل الله أن يبلِغنا وإيَّاكم هذه الليلة الكريمة، وأن يرزقنا فيها ما تطيب به نفوسنا من الطَّاعة والإحسان والفضل والإنعام، من ربِّ كريم يعطي على القليل الكثير.
وهل هناك عمرةٌ في هذا الليلة؟ الجواب: لا تُخص هذه الليلة بعمرة، كما أنه لا تخص هذه الليلة بذبح، ولا تخص هذه الليلة بشيء خاص من الأعمال كالذبح أو النذر بالذبح أو ما أشبه ذلك؛ لأنه لم يرد عن السلف، لكن هي محلٌّ لكل قربة ولكل طاعة، فمن اجتهد فيها بألوان الطاعات وصنوف المبرَّات، فهو على خير ويُرجى له القبول دون أن يعتقد أن لهذا العمل في هذه الليلة على وجه الخصوص ميزة معينة، أما إذا قال: أنا نشطت في تلك الليلة للصدقة فنقول: خير، أو يقول: نشطت في تلك الليلة لقراءة القرآن فنقول: خير، أو يقول: نشطت في تلك الليلة لنوع من أنواع البر فذلك خير، والمحظور هو في التخصيص، ولذلك جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ،»صحيح مسلم (1144)فنهى عن التخصيص، وهو أن يعتقد الإنسان فضيلة عمل محدد في ليلة محددة، وهذا لابد فيه من توقيف، وقد ذكرنا المشروع في ليلة القدر.