فضل الصيام في شعبان
في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان»صحيح البخاري (1969)، إذًا: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام شهرًا كاملاً غير رمضان.
«وما رأيتُه أكثرَ صيامًا منه في شعبان»صحيح البخاري (1969)بمعنى: أنه أكثر ما يكون من صيام النبي صلى الله عليه وسلم هو في شعبان، وهذا على وجه التطوع والاستعداد والتَّهيؤ لرمضان، وهذه حكمة الصيام في هذا الشهر، وقيل غير ذلك، ولكن المقصود أنه كان يكثر من الصيام في شعبان، وهذا يدل على أن الصيام في شعبان مستوٍ في أوله وآخره.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه»صحيح البخاري (1914)، صحيح مسلم (1082). فهذا يدل على أن النهي هنا إنما هو عن الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين، لمن أراد أن يحتاط لرمضان؛ لأنَّ هذا سيُفضي إلى زيادة الشهر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه» فدلَّ هذا على أنَّه إذا كان هذا الصوم معتادًا كالاثنين والخميس، ووافق الاثنين قبل رمضان بيوم أو يومين، أو مثلاً يصوم ثلاثة أيام ولا ينتهي منها هذا الشهر إلا قبل رمضان بيوم أو يومين، فهنا لا بأس أن يصومَ لكونه اعتاد الصِّيام في هذا الشَّهر ولم يصُم احتياطًا لرمضان.
بقيت عندنا مسألةٌ أخيرة: في حديث أبي هريرة وغيره في السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتَصَف شعبان، فلا تَصُوموا حتى يكونَ رمضان» سنن أبي داود (2337)، سنن الترمذي (738)، سنن ماجه (1651)، ... قال ابن رجب في لطائف المعارف: "اختلف العلماء في صحَّة هذا الحديث ثم في العمل به، فأمَّا تصحيحه، فصحَّحه غيرُ واحدٍ، منهم: الترمذي، وابن حبَّان، والحاكم، والطحاوي، وابن عبدالبر، وتكلَّم فيه مَن هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديثٌ مُنكَر، منهم: عبدالرحمن بن مَهدِي، والإمام أحمد، وأبو زُرْعَة الرازي، والأَثْرَم"..
فهذا الحديث لا يصح من حيث الإسناد، وبالتَّالي لا يصح النَّهيُ عن صيام ما بعد النِّصف من شعبان، كما أنه يخالف ما دلَّ عليه حديث أبي هريرة، رضي الله عنه: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين»، وعلى هذا فصم ما شئت من هذا الشهر، من أوله ومن آخره، إلا ما قبل رمضان بيوم أو يومين فلا تصمهما، لأجل الاحتياط لرمضان، وإن صمتهما لعادة فلا حرج.