كلمة حول فضل رمضان
الحمد لله رب العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على البشير النَّذير والسِّراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فلا ريبَ أنَّ المؤمن تتوق نفسه إلى مواطن البرِّ ومواقع الخير وأزمنة المغفرة والرَّحمة، الله تعالى يقول: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [آل عمران: 133]، ويقول جلَّ وعلا: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الحديد: 21]، ورمضان هو من الأشهر التي تتنوَّع فيها أسباب المغفرة، وتتلوَّن فيها أسباب العطايا والهبات والمنن، من ربٍّ عظيم كريم يجزي بالعطاء على القليل الكثير.
حقُّ هذا الشهر لاشك أنَّ النفوس تتوق إليه؛ لأنه شهر فيه حط الخطايا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» صحيح البخاري (38)، وصحيح مسلم (760) ، هذا عمل النهار، «مَنْ قامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » صحيح البخاري (37)، وصحيح مسلم (759)، وهذا عمل الليل، ثم يكمل الفضل ويزداد الجود فيقول صلى الله عليه وسلم: «مَن قَام ليْلَة القدر»، ليلة واحدة من هذا الشَّهر، «إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » صحيح البخاري (1802)، وصحيح مسلم (760) ، فلاشكَّ أنَّ النفوس تتوق لمثل هذا الموسم المبارك، الذي يُجزل الله تعالى فيه العطاء، ولو لم يكن في الصيام إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما يخبر عن الرب جل وعلا: يقول اللهُ سبحانه وبحمده: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»صحيح البخاري (7492)، لكان ذلك كافيًا، فإنه ما من عمل ذكر الله تعالى فيه أجرًا كهذا الأجر، وهو أنه أضافه إليه سبحانه وبحمده.
وإذا قيل لك: هذا للملك، كان هذا مدعاةً لرفعة شأنه وعلوِّ مكانته، فكيف والذي أضافه إليه هو ملك الملوك جلَّ وعلا سبحانه وبحمده، فما في شك أنه موسم كبير مبارك، ولو لم يكن فيه إلا هذه الفضائل لكان كافيًا في أن تتلهف النفوس إلى لقياه وإلى الاجتماع به، والله يعطي على القليل الكثير، وبه نفهم السر الذي جاء في قول المعلى بن الفضل: كان سلف الأمة يدعون الله ستة أشهر حتى يبلغهم رمضان، ويدعون الله ستة أشهر حتى يتقبل منهم.
إذًا: هم في ارتباط عام ودائم بهذا الشهر، في استقباله وفي تخليفه والذهاب عنه.