ما حكم صيام شهر شعبان كلِّه
الجواب: السُّنَّة جاءت بالنَّدب إلى صيام شعبان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان أو أكثره، وقد جاءت الأحاديث في هذا على نحوين، كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: «وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» صحيح البخاري (1868)، وصحيح مسلم (1156)، وقد قالت قبل ذلك: «وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ» صحيح البخاري (1868)، وصحيح مسلم (1156) وفي بعض الروايات: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» صحيح البخاري (1970)، وصحيح مسلم (1156)، فرواية (كله) تحمل على بقية الروايات التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم غالب الشهر، لكنه لا يستكمله، فقد جاء هذا من حديث عائشة أنها قالت في بعض روايات الحديث: «إلا قليلاً» وفي بعض الروايات: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منه صيامًا في شعبان»، وهذا يدل على أنه كان يُكثر لكنه لم يكن يستكمل.
وجاء في الصحيح من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شهر قط غير رمضان.
فهذه الأحاديث كلها تدلُّ على أنه يُسنُّ أن يُصام شهرُ شعبان، وأن يكثَر من الصيام فيه، فالَّذي له عادة أن يصوم يومًا فيصوم أكثر من يوم، والذي له عادة أن يصوم ثلاثة أيام فيكثر أيضًا ولو بيوم واحد، المهم أن يكون هذا الشهر تتحقَّق هذه السنية بأن يصوم أكثر مما جرت به عادته، وإذا مكَّنه الله وأعانه أن يصوم أكثر هذا الشهر إلا أيامًا قلائل، فهذا مما جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والعلَّة في صيام هذا الشهر: قال بعض أهل العلم: إنَّ العلة في صيام هذا الشهر أنه بين رجب وشعبان، ورجب شهر معظم حيث إنه شهر محرم، ورمضان فيه الصيام والعبادة والطاعة فيغفل الناس عن الإحسان في هذا الشهر فيصام. هذا ما ذكره بعض أهل العلم، وقد جاءت فيه بعض الأحاديث الضعيفة.
ومن العلل التي ذكروها وهي علة معنوية قالوا: إن الصيام في هذا الشهر مما يهيِّئ النفس ويمرن النفس على صيام رمضان، فيأتي الشهرُ وقد استعدت النفس وتهيأ البدن على استقبال الفريضة، كما أن الراتبة في الصلاة تسبق الفريضة، ويكون الإنسان متهيئًا في دخول الفريضة بنوع خشوع وحضور قبل ذلك؛ فكذلك صيام شعبان هو كالتهيئة، وهذه التهيئة في كلام السلف فيما يظهر أنها لا تختص فقط بالصيام، ولذلك جاء عن بعض السلف أنهم يُسمُّون هذا شهر شعبان: شهر القرَّاء؛ وذلك أنهم كانوا يُكثرون فيه من قراءة القرآن تهيؤًا لرمضان، فيبدو أن هذا المعنى هو الملاحظ، وهو الذي أراده جماعة من أهل العلم في استكثارهم من العمل الصالح، تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم لأجل هذا، فإنه يحتاج إلى شيء من الوضوح في الأدلة، والأدلة غاية ما فيها أنها ذكرت الصيام.
وأيضًا علَّة أخيرة وهي أن بعض العلماء قال: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يفوته الصوم في بعض الأشهر كالثلاثة أيام، لا يتمكن من صيامها كاملة فيقضيها في شعبان، فيستكمل في شعبان صيام ما فاته من النَّفل في الأشهر التي قبله.