السؤال:
ما حكم رضاع الكبير؟
الجواب:
قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري ومسلم ـ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» رواه البخاري (2645)، ومسلم (1447) عن ابن عباس رضي الله عنهما، واللفظ للبخاري.، فتأثير الرضاعة في التحريم أمر متفق عليه، لكن اختلف أهل العلم في وقت التحريم متى يثبت؟ منهم قال: إنه خلال العامين الأولين، ومنهم من قال: إنه يمتد إلى الفطام، ومنهم من قال: إن إرضاع الكبير يؤثر، وهذا قال به جماعة قليلة من أهل العلم، وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها، وهو قول الظاهرية، وعمدتهم في ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن سالمًا مولى أبي حذيفة، كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت سهلة بنت سهيل بن عمرو ـ زوجة أبي حذيفة ـ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة»، فرجعت فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة. أخرجه مسلم (1453). .
واختلف العلماء في توجيه هذا الحديث، وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى كونه حكمًا يختص بأهل التبني، وهذا التوجيه له حظ من النظر القوي، والذي عليه جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، والفقهاء والمحدثين، وسائر علماء الإسلام على مر العصور، أن رضاع الكبير غير مؤثر، وعليه العمل في المحاكم الشرعية، وهي الذي تنبغي إشاعته، وما عدا ذلك فهي أقوال لا يمكن إلغاؤها؛ لأنها أقوال لعلماء، وقد قال بها بعض الصحابة، ولكن إشاعتها في مثل هذه الأوقات قد يجعلها سببًا لإثارة الفتنة، وتشكيك المشككين، وتلاعب المتلاعبين، وهذا من الأمور التي ينبغي أن يفطن لها المفتي، فالمفتي ينبغي أن ينظر إلى مآلات الفتوى، وأن لا يغيب عنه ما تؤدي إليه الفتوى التي يتكلم بها، حتى يكون على بصيرة فيما يفتي به، والله أعلم.