التنبيه على أن ولاية النكاح مسؤولية وأمانة
السؤال:
نود من الشيخ أن يبين أهمية الولاية في النكاح، والمقصود منها؟ وما حكم من يمنع موليته من الزواج ممن ترغب فيه؟
الجواب:
هذه المسألة مهمة، ومن أولياء الأمور من لا يُقدِّر هذه المسؤولية حق قدرها، فولاية النكاح ليست جبروتًا ولا تسلطًا ولا ظلمًا، إنما هي نظر في الأصلح والأنفع للمرأة؛ فمن قام بغير هذا من الأولياء فقد خان الله ورسوله صلى الله وعليه وسلم، وخان الأمانة التي قال الله تعالى فيها: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾النساء: 58.، فالأمانات هنا تشمل كل الحقوق الواجبة؛ سواء كان الحق لله تعالى، أو الحق للخلق، وولاية النكاح فيها حق لله تعالى، وحق للمرأة.
فيجب على الولي أن ينظر إلى مصلحة المرأة، دون النظر إلى أمور واعتبارات قد تكون خارجة عن مصلحتها، فإذا تقدم لابنتك من يُرجى فيه النفع والخير، وينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»رواه الترمذي (1084)، وابن ماجه (1967)، وصححه الحاكم (2695)، وحسنه في الإرواء (1868).، فذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن المعتبر في الزوج أمران:
الأول: أن يكون مرضيًّا في دينه، وهو ما يتعلق بصلة العبد بربه جل وعلا.
الثاني: الأخلاق التي يتعامل بها الإنسان مع الخلق.
فلا يكفي أن يكون مستقيمًا في دينه، مع سوء خلقه، ولا يكفي أن يكون حسن الأخلاق، طيب المعشر، لكنه مفرِّط في حقوق الله تعالى، بل الواجب أن يجمع هذين الوصفين؛ لأن بهما تكمل السعادة.
فإذا تقدم إليك من يطلب من وُليت أمرها من أخت أو ابنة؛ فالواجب عليك أن تنظر في هذين الأمرين، فإذا كان متصفًا بهذين الوصفين يجب عليك أن تعرض الأمر على المرأة، ثم هي التي تختار، ولا فرق في هذا بين البكر والثيّب، وإن كانت الثيّب أحق بنفسها من البكر، لكن كلتاهما يُعرض عليها الأمر، حتى البكر، فلا بد أن تستأذن، كما جاء ذلك في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال:«أن تسكت»رواه البخاري (5136)، ومسلم (1419) عن أبي هريرة رضى الله عنه.؛ لأن البكر قد تستحي أن تنطق، بخلاف الثيّب، فلابد أن تأتي بالقبول الصريح؛ لأنها جربت وعرفت.
ثم لا مانع أن يُعطي الولي رأيه، بل ينبغي عليه أن ينصح لها، ويذكر للمرأة من أوصاف الرجل ما يرغبها فيه، أو يزهدها فيه، كأن يكون المتقدم مثلا صاحب خلق ودين لكنه فقير، فيقول لها: هو صاحب خلق ودين لكنه فقير، والخيار لك فإن شئتِ أن تقبلي، وإن شئتِ أن تتركي، ولكن أُشير عليكِ بكذا وكذا، وأما أن تكون المرأة هي آخر من يعلم، ولا يؤخذ رأيها بعين الاعتبار؛ فهذا فيه ظلم واعتداء وعدم قيام بحق الولاية على وجهها. فيجب على الأولياء أن يتقوا الله تعالى في هذا، وأن لا يكون همهم المال، أو المنصب، أو الجاه، على حساب ما هو أصلي وأساسي في استقامة الحياة الزوجية، وهو استقامة الدين وصلاح الخلق.
وإذا عضل الولي بلا سبب، بل منع لأجل أسباب تخصُّه أو أسباب ليست مؤثرةً، والمرأة مُحتاجة للزواج، فإن الولاية تنتقل إلى الولي الذي يليه؛ لأن الولاية لها ترتيب؛ فيبدأ بالأب، فإذا عضل الأب انتقلت إلى الأخ، وإذا لم يكن إخوان أو عضلوا المرأة أيضًا، تنتقل الولاية إلى الأعمام، ثم أبنائهم، فإذا لم يكن هناك من يمكن أن يتولى الأمر انتقل الأمر إلى السلطان الذي هو ولي من لا ولي له.
هذا هو الحكم الشرعي، لكن من حيث الواقع والتطبيق، فإن نقل الولاية فيه صعوبة وعسر، فيمكنها أن تذهب للمحكمة، وتشكو حالها للقاضي، وتطلب نقل الولاية، ولكن هذا صعب على النساء؛ لما فيه من الحرج الاجتماعي بالنسبة للمرأة، وقد يترتب عليه نوع قطيعة مع أهلها، وإن كان إثم ذلك يلحق الولي المتسبب في هذه المشكلة، لكن الواقع أن طلب انتقال الولاية فيه صعوبة شديدة.
والذي أوصي به أخواتي أن يسلكن طرقًا أخرى لرفع هذا الظلم، من الحديث المباشر مع الولي إذا كان يقبل المحادثة، أو الاستعانة بالأعمام أو الإخوة، أو غيرهم ممن يكون لكلامه أثر، فينصحون الولي، ويُخَوِّفونه من مغبة الظلم، وسوء عاقبته، وأن العضل تضييع للأمانة، وسبب لإفساد المرأة، يتحمل هو مسؤوليته عند الله يوم القيامة، والله أعلم.