السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، له الحمد كله ملئ السماوات، وملئ الأرض، وملئ ما شاء من شيئًا بعد، له الحمد أوله، وآخره، ظاهره، وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركنا على محجةٍ بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد...
فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقه الجديدة من برنامجكم [فادعوه بها].
إنها أسماء الله التي هي أطيب ما علِمه القلب، فإن أطيب ما في القلوب؛ معرفة الله تعالى ومحبته، ولا حياة للقلوب، ولا نعيم لها، ولا بهجة، ولا لذة، ولا سكون، ولا فرح، لا في الدنيا ولا في الآخرة، إلا بمعرفة الله تعالى، والتنعم بالعلم به؛ لهذا كان أعظم نعيم الجنةِ أن يرى المؤمنون ربهم، وكان أعظم عذاب النار أن يحُجب عن رؤية الله -عز وجل-: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾[المطففين:15]، وكأن عدم العلم به حجب، والمعرفة به جل وعلا علم، وبصيرة، ومقدمة الفوز برؤيته في الآخرة -جل فى علاه- فالقلوب لا تسكن، ولا تطمئن بمثل معرفتها بالله عز وجل، وحبها له،
فالقلب مضطر إلى محبوبه الـ ... أعلى فلا يغنيه حب ثانِ
وصلاحه وفلاحه ونعيمه ... تجريد هذا الحب للرحمن
فإذا تخلى منه أصبح حائرا؛ أي ترك القلب هذا الحب
فإذا تخلى منه أصبح حائرًا... ويعود في ذا الكون ذا هيمان
إنه تائه إن لم يدله الله تعالى، تائه إن لم يعرف الله جل وعلا، وإن أعظم الطرق لمعرفة الله تعالى: هي معرفة أسمائِه، وصفاتِه، وما أخبر عن نفسه في كتابه.
فالعلم بالله تعالى؛ العلم بأسمائه، العلم بصفاته، إحصاء أسمائه أصل لسائر العلوم، ولا تعجب أنه إذا كمُل علم الإنسان بأسماء الله عز وجل؛كمُل له كل علم، وكل معرفة، فإن الله تعالى قال:﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾[فاطر:28]،قال ابن عباس: العلماء؛ هم الذين يعلمون أن الله على كل شيءٍ قدير، الله أكبر، إن العلم بالله تعالى طريق معرفته، والعلم به أعظم ما يكون؛ هو في معرفة ما له من الصفات، والأسماء، من عرف الله صفا له العيش، من عرف الله طابت حياته، من عرف الله ألقى الله عليه مهابةً، فهابه كل شيء، من عرف الله ذهب عن قلبه خوف المخلوقين؛ لأنه متصل بملك الملوك جل في علاه، العلم بالله -عز وجل- يقرب القلوب إليه، وكلما اقترب القلب من الله التَزَّ، وأمن، واطمأن، وابتهج، وسعد، وفرح، وكلما بعد القلب عن الله انتكست حاله، شقي، وتعس، ووجد من المضايق ما لقي باله به، الدنيا مجبولة على أقدار، وأقذار، ومنغصات لا سبيل للخلاص منها، ولا الفكاك منها، إلا بأن يلجأ العبد إلى الله: ﴿كَلَّا لا وَزَرَ [11]إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾[القيامة12:11]،﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾[الذاريات:50].
لا يمكن أن يجد الإنسان طمأنينةً، وسكنًا، إلا بالعلم بالله، والمعرفة له، وبالذكر له جل في علاه، ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28]، إن الإنسان على قدر معرفته بالله عز وجل، على قدر معرفتهِ بالله يحقق العبادة؛ لأنه به- أي بالعلم به- يعظمه جل في علاه، وبالعلم به يحبه سبحانه وتعالى، فأعرف الناس بالله تعالى؛ هم أشدهم تعظيمًا له وأشدهم محبةً له جل وعلا، لذلك يكون المؤمن منشرح الصدر، مطمئن الفؤاد، ساكن القلب بمعرفتهِ بالله تعالى؛ لأنه أمتلأ معرفةً بالله سبحانه وبحمده، فيعيش ويحيا حياةً طيبة، كما قال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾[النحل:97]، هذا في الدنيا،﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[النحل:97].
إن المؤمن إذا أدرك هذه المعاني لم يكن له انفكاك عن أن يٌقبِل على الله تعالى تعلمًا ليعرفه، ويعرف ما له من الكمالات، ولا سبيل لذلك إلا بالإقبال على كتابه الحكيم، القرآن العظيم، تلاوة القرآن؛ هي طريق العلم بالله عز وجل؛ لأنها تُعرف بالله عز وجل، فالقرآن المجيد هو عمدة العارفين بالله عز وجل، لأنه يخبر عن الله، عن صفاته، عن أسمائه، عن أفعاله، عن ما يجب له، يخبر على أنواع الحمد الذي يستحقه جل وعلا، ولهذا القرآن فيه من ذكر أسماء الله عز وجل، وصفاته، وأفعاله، أكثر مما فيه من بقية المذكورات في القرآن من القصص، والأخبار، وسائر ما يكون من أحكام تضمنها القرآن الكريم.
ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «أنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُرَدِّدُها، فَلَمَّا أصْبَحَ جاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1]، أربع آيات، هذا رجل يصلي، ويقول: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [1]اللَّهُ الصَّمَدُ [2]لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ[3]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص]، ثم يعيد: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [1]اللَّهُ الصَّمَدُ [2]لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ[3]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص]، ثم يعيد: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[1] اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الإخلاص2:1]، حتى أسفر الصبح،يردد هذه السورة، «فَلَمَّا أصْبَحَ جاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَذَكَرَ ذلكَ له، وكَأنَّ الرَّجُلَ يَتَقالُّها»،يعني قال هذه القراءة قليلة، وهذا تكرار لسورة مرات تلو مرات، فلم ير أنه قد قرأ شيئًا يفرح به، أو شيئًا يشاد به، «قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّها لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ»[صحيح البخاري(5013)]، ولو سأل سائل نفسه، لماذا خصت هذه السورة بهذه المزيَّة؟
إنها صفة الرحمن فكان العلم بالله أشرف العلوم، ولهذا قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:19]، فجعل العلم به -جل في علاه- قبل العمل، ثم كلما علم العبد ما لله من كمالات عرف ما له، وما هو فيه من قصور، وضعف، وتقصير في حق رب العالمين، لهذا تبينت الغاية، والسر، والحكمة في أن الله بعد أن أمر بالعلم به ماذا قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:19]، لأنه مهما بلغ الإنسان في الطاعة، والإحسان، ومهما بلغ في المعرفة انكشف له ما عنده من القصور؛ فإنه لا يوفي الله -عز وجل- حقه، ولا يبلغ قدره جل وعلا، ولا يكافئه سبحانه وبحمده على ما يجب له من الحقوق والواجبات؛ لهذا مهما كلما ازدت علمًا بالله عرفت مدى عظيم حقه، وأنك لم تقم بما يجب عليك لله -عز وجل- من الحقوق والواجبات.
إن المؤمن يفرح عندما يقرأ القرآن، ويقرأ أسماء الله عز وجل؛ لأن أسماءه -سبحانه وبحمده- تدل على المعاني العظيمة التي يتصف بها الرب، وهنا أقول لإخواني وأخواتي ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة: «للهِ تبارَك وتعالى تِسعةٌ وتسعونَ اسمًا مَن أحصاها دخَل الجنَّةَ»[صحيح البخاري(2736)، ومسلم(2677/6)]،ليس الشاهد أن تأتي إلى الأسماء وقد كتب: [الله، الرحمن، الرحيم الملك، القدوس، السلام، المؤمن] تقرؤها، وتقول حفظتها، وضبطتها، وقد أحصيت أسماء الله عز وجل، لا، هذا يحسنه كل أحد ويستطيعه حتى الصغار من الناس، بل حتى من لا يؤمن يستطيع أن يسرد لك الأسماء، ويحفظها في وقت وجيز، الشأن ليس في حفظها لفظًا فقط.
إن حفظها واستخراجها هو من تحقيق العبودية لله عز وجل بها، وهو من إحصائها لكن الأمر أبعد من هذا، فإحصاؤها يكون بحفظها، بمعرفتها، وبحفظها، وبحفظ معانيها ومعرفة ما دلت عليها، فإنها تدل على معانٍ عظيمة يتصف بها الرب جل وعلا، أيضًا إضافة إلى هذا يتعبد لله بها سؤالًا، وطلبًا بالمسألة، ولذلك قال: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180]،ورِقًّا، وذلًّا، وخضوعًا، وعباده قلبيه لله عز وجل، وهذا يكون بآثار تلك الأسماء من إثباتها، والتعظيم لله عز وجل بها، وأيضًا الانفعال لآثرها إذا كانت تقتضى أثارًا عملية.
إن أسماء الله عز وجل، وصفاته سبحانه وبحمده قد بلغت في الحسن غايته، وفي العلو منتهاه، ولذلك كل من أقبل على أسمائه، وصفاته؛ أدرك عظيم لله عز وجل من الخير، فأشرف ما اشتغل به المؤمن؛ هو معرفة ما لله -عز وجل- من الأسماء، والصفات، هذا هو رأس العلم، هذا أساسه، هذا غايته، هذا هو الذي اشتغل به الأنبياء والصالحون، وعرفه السلف الصالح فكانوا في غاية الإيمان؛ لأنهم عرفوا لله عز وجل ما له من الواجبات، وما له من الكمالات، وما له سبحانه وبحمده من بديع الصفات، وماله من شريف المعاني، فكان ذلك محققًا لإيمانهم، مقررًا لما هم عليه من خير، حاملًا لهم على كل برٍّ؛ فلهذا ينبغي للمؤمن أن يحرص على تعلم أسماء الله عز وجل، على معرفتها، على دعائه بها؛ ليحقق بذلك ما يؤمنهم من صدق الإيمان، ورسوخه، وثبات اليقين، وصلاحه، وإذا صلح العلم انتقل هذا إلى صالح العمل، فالعمل فرع عن صلاح العلم، ولذلك قال مخبرًا: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾[الأعراف:180]، ثم ذكر بعد ذلك العمل؛ لأنه ثمرته، قال: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180].
إن الوقوف عند اسم من أسماء الله -عز وجل- يجعل القلب يمتلئ محبة لله، فلو وقف الإنسان عند اسم الله الرحمن، عند اسم الله الرحيم، عند اسم الله العزيز، الملك، العظيم، الجميل، وقف على شيء لا منتهى له من بديع المعاني المتصلة بالله -عز وجل- المثبتة للإيمان بالقلوب إنها لذة، وبهجة أن تدرك أن الله تعالى متصف بهذه الصفات،
وهو الجميل على الحقيقة كيف لا * وجمال سائر هذه الأكوانِ
مـن بـعض آثارِ الجميـلِ فربـهـا * أولى وأجدر عند ذي العرفان
فـجـمـالـه بالـذات والأوصـاف * والأفعال والأسماء بالبرهـان.
إن المؤمن إذا سمع الآيات التي يذكر الله تعالى فيها صفاته وجد في قلبه إجلالًا، وتعظيمًا، ومحبة، ورغبة، اقرأ آية الكرسي التي هي أعظم آية من آيات القرآن الكريم، هي آية واحدة أعظم آية في القرآن بلغت هذا المبلغ وهذه المنزلة؛ لأنها أخلصت لصفة الله عز وجل، فليس فيها سوى صفاته على وجه الكمال:﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾[البقرة:255].
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم، أن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين، وحزبه المفلحين، وأوليائه الصالحين، وأن يمن علينا بالعلم به، والعلم بأسمائه، وصفاته، وأن يسعد قلوبنا، ويصلح أعمالنا، وأن يغفر لنا الخطأ والزلل.
وفي الختام أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.