السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة، بشيرًا ونذيرًا،داعيًا إليه بإذنهِ وسراجًا منيرًا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأُمة، وجاهد في الله حق الجهاد بالعلم، والبيان، والسيف، والسنان؛ حتى أتاه الموت وهو على ذلك، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد...
فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم [فادعوه بها].
في هذه الحلقة -إن شاء الله تعالى- سنذكر اسمين من أسماء الله -عز وجل- الحسنى؛ وهما اسم [الحفيظ والحافظ]، ذكر الله -جل في علاه- اسم [الحفيظ] في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع فقال -جل في علاه-: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾[هود:57]، هذا موضع، والموضع الثاني قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾[سبأ:21]، وأما الموضع الثالث فهو قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾[الشورى:6]، هذه ثلاثة مواضع ذكر الله تعالى فيها هذا الاسم، وأما ذكر هذا الاسم من حيث الوصف، أو الفعل؛ فقد ذكره الله -جل في علاه- في مواضع عديدة، سيأتي بعض ذلك في أثناءِ حديثنا عن هذا الاسم المبارك من أسماء الله عز وجل.
أما اسم [الحافظ] فقد جاء أيضًا في ثلاثة مواضع من القرآن الحكيم ، لكنها جاءت على نحوين: جاء اسم الحافظ مفردًا في قوله تعالى: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾[يوسف:64]، وجاء مجموعًا في قوله -جل وعلا-: ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾[الأنبياء:82]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9]، هذه المواطن الثلاثة التي جاء فيها هذا الاسم بهذه الصيغة [حافظ] في القرآن الحكيم.
وهذا المعني في السنة ظاهر في أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وأما من حيث التسمية؛ فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي عند الترمذي وغيره، وفيه ذكر أسماء الله -جل وعلا- تفصيلًا، جاء ذكر اسم [الحفيظ]، وفي بعض النسخ جاء اسم [الحافظ]، المقصود أنه اسم ثابت لله -عز وجل- في كتابه، وفي سنة رسوله، ودلَّت عليه الأدلة المتضافرة في الوحيين، واتفقا على إثباتهما لله -عز وجل- علماء الأُمة. فما معنى الحفيظ والحافظ؟
هذان الاسمان يثبتان صفة الحفظ، والحفظ في اللغة؛ هو مراعاة الشيء، وصيانته، والقيام عليه، ووقايته؛ كل هذه المعاني التي ذكرت؛ هي من معنى [الحفظ] فالحفظ يأتي بمعنى الرعاية، والحفظ يأتي بمعنى الصيانة، والحفظ يأتي بمعنى الوقاية، والحفظ يأتي بمعنى القيام بالشيء، وكذلك يأتي بمعنى الضبط، ويأتي بمعنى الإحصاء، ويأتي بمعنى العلم، ويأتي بمعنى التقييد كل هذا مما يدل عليه هذا الاسم في اللغة، فإن الحفظ صفة تدل على معنيين: معنى صيانة الشيء، والقيام عليه، ووقايته، وحفظه، وأيضًا معني آخر وهو: تقييد الشيء، وإحصائه، والإحاطة به، وعدم غياب شيء منه،كما أن الحفظ يذكر بمعنى عدم النسيان.
وذلك أن الحفظ من معانيه في اللغة: ضبط الشيء وعدم نسيانه، وهذه المعاني متقاربة، وأما المعنى الشرعي لهذا الوصف، ولهذين الاسمين، فقد دل الكتاب والسنة على إثبات معنى الحفظ لله -عز وجل- على وجه الكمال كسائر الصفات، فالحفيظ والحافظ وصفان من أوصاف الذات التي اتصف الله تعالى بها، ومن أوصاف الفعل التي تظهر في أفعاله جل في علاه.
فكل ما يتعلق بأوصاف الذات من هذه الصفة، وهي صفة الحفظ فهو دائر على معنى العلم، دائر على معنى الإحصاء للأعمال، الإحاطة بإعمال العباد، عدم غياب شيءٍ من أحوالهم وشئونهم، كل هذا يندرج تحت وصف الذات، [فالحفيظ والحافظ] يدلان على صفة ذاتية لله عز وجل؛ وهي العلم، والإحاطة، والشهادة، والإحصاء لكل ما في هذا الكون، من صغير، أو كبير، أو دقيق، أو جليل، أو غائبٍ، أو حاضر.
وأما ما يتعلق بالمعنى الثاني؛ وهو معنى صفات الفعل، فذاك يرجع إلى حفظه لهذا الكون، حفظه لهذا الوجود، حفظه الذي هو صيانة، ووقاية، وعدم تضييع لما خلقه جل في علاه، وقد ذكر الله تعالى حفظه لهذا الكون في مواطن عديدة: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾[يوسف:64]، جل في علاه سبحانه وبحمده، فهو يحفظ الخلق من المعاطب، ويحفظهم من المهالك، ويقيهم مصارع الشر: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾[الرعد:11]، هو جل وعلا يحفظ ما خلقه، وما أوجده، ويحفظ أولياءه.
كل هذه المعاني مما فسر بها معنى [الحفظ]، ويمكن أن نُجمل الكلام في معنى[الحفظ] في كلام الله عز وجل، وكلام رسوله؛ أن الحفظ في كلام الله، وكلام رسوله وهو الصفة التي اتصف بها جل وعلا ترجع إلى حفظ شيئين: الحفظ الأول، حفظ ما عمله العباد، وما قاموا به من أعمال، وما يكون في هذا الكون من حوادث ووقائع، فهذا الحفظ ثابتٌ، فالله تعالى محيط بجميع أعمال العباد ظاهرها، وباطنها، وقد كتب -جل وعلا- في اللوح كل شيء كما قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾[الأنعام:38]، فكل العباد وما يكون منهم محفُوظون: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾[مريم:93]، هذا حفظ ثابت، وهو إحصاء، والعلم، والإحاطة بخلقه، فهو بكل شيء محيط سبحانه وبحمده، وهو بكل شيء عليم، وهو على كل شيء قدير كل هذا مما يندرج في المعنى الأول من معاني الحفظ، وهو وصف الذات الذي يحيط بأعمال العباد، وحوادث الكون، وما يكون من الخلق فهو محفوظ عند الله عز وجل لا يغيب، ولا يزيد، ولا ينقص: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾[المجادلة:6]، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾[مريم:64].
أما النوع الثاني فهو حفظ عباده من ما يكرهون، وذاك أن الله تعالى يحفظ عباده مما يكرهونه، والحفظ في هذا نوعان: حفظ عام لجميع المخلوقات، وذلك بتيسير ما ينفعُها، ووقايتها، ما يضرها، كما قال -جل وعلا-: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾[طه:50]، وهذا النوع من الحفظ لا يختص فئة، ولا صنفًا، ولا جنسًا بل هو شامل لكل خلقه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [1]الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [2]وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [3]وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى[4]فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾[الأعلى1:5]، جل في علاه: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾[طه:50]، فالله تعالى يسَّر لكل مخلوق من خلقه جل في علاه ما تقوم به أحواله، وما تصح به شئونه، لا يستثنى من ذلك شي، فالجميع إليه فقراء جل في علاه، وهذا الحفظ عام، لا يستثنى شيء.
ومن الحفظ الذي يكون لأوليائه جل في علاه؛ ما هو خاص، وهو حفظ فوق حفظ، ذاك أن الله تعالى يحفظ أولياءه بحفظ إيمانهم، وحفظ يقينهم، وحفظ أحوالهم من سوءٍ أو شرٍّ يخافونه أو يتوقونه، والله تعالى قد جعل ذلك جزاء عباده المتقين، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وذلك أن من حفظ الله جزاه الله تعالى بالحفظ: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾[يوسف:64].
هذا المعنى الاصطلاحي، والشرعي لهذين الاسمين اسم [الحافظ والحفيظ] من أسماء الله عز وجل، وإن الناظر في حفظ الله -عز وجل- يعلم عظيم هذا الحفظ الذي يمُن الله تعالى بها على عباده، وعلى أوليائه، وعلى خلقه، فهو جل في علاه الحافظ لهذا الخلق من كل مكروه، فهل هناك فرق بين هذين الاسمين في الدلال على هذه الصفة؟ الجواب لا، الحافظ؛ هو الحفيظ، ولذلك قال بعض أهل العلم إن الحفيظ هو الحافظ، فعيِل بمعنى فاعل، مثلا العليم بمعنى عالم، والقدير بمعنى قادر، ولكن هناك فرق من حيث ثبوت المعنى، يعني هما اسمان يدلان على معنى الحفظ، يدلان على صفة الحفظ، لكن بينهما فرق من حيث "قدر الدلالة" على هذه الصفة.
فالحفيظ أبلغ في الدلالة من الحافظ على صفة الحفظ، ولذلك جاء ذكرها في القرآن، وجاء عدها في الأسماء الحسنى، ولا شك أن ما كان أبلغ كان أعظم في دلالة الكمال الذي يثبت للرب جل في علاه .
إن الله -عز وجل- سمى نفسه بالأسماء الحسنى جل في علاه، والواجب على المؤمن أن يتفهَّم هذه الأسماء، وأن يحرص على تعلمها، وأن يحرص على إدراكها، ففي إدراك هذه الأسماء ومعرفتها تنفتح له الأسرار، ويدرك به العبد عظمة ربه جل في علاه بالقدر الذي يستطيعه، وإلا فلا يقدر الخلق قدره جل في علاه، فقدره فوق أن يحيط به عباده، كما قال -جل وعلا-: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾[الأنعام:91]، ذكر ذلك سبحانه وبحمده في مواضع عديدة، في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم، ذكر أن العباد لا يقدرون حق قدرهِ جل في علاه، لكن من أسباب إدراك شيء من قدر الله عز وجل الذي يجب له سبحانه وبحمده من التعظيم والإجلال؛ هو أن نتفهم، وأن ندرك معاني أسمائه، معاني صفاته، فبها ندرك قدر ما للرب -جل في علاه- من الكمالات.
هذا سبيل من السبل؛ فلذلك نحن نقرأ في هذه الأسماء، ونحاول أن نتلمس المعاني، ونبذل الجهد في معرفة واستخراج ما تضمنته من دلالات الكمال على قدر ما تطيق عقولنا، ومن صدق الله تعالى صدقه الله، وفتح له من أبواب العلم والمعرفة ما يستنير به قلبه، ويستضيء به فؤاده، ويصلح به إيمانه، ويذكو به عمله، فإن العلم بالله أصل كل تقوى، والعمل بالله أصل كل فلاح في الدنيا، وفي الآخرة: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:28].
إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم [فادعوه بها]، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.