الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد...
فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم [فادعوه بها]، وفي هذه الحلقة سنتكلم عن اسم الله تعالى [العالم] ذكر الله تعالى هذا الاسم في محكم كتابه في مواضع عديدة، وقد قرنه الله تعالى بأسماء متنوعة، هذا الاسم يثبت لله تعالى صفة العلم التي هي من أوسع الصفات تعلقًا بالأشياء كما قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾[غافر:7]، فعلمه وسع كل شيء لا يخرج عنه شيء من الوجود من الأشياء في القديم والحاضر والمستقبل، في كل شيء فهو -جل وعلا- عالم السر والعلن، عالم الغيب والشهادة، عالم الظاهر والباطن، عالم الحاضر والماضي والمستقبل، عالم ما كان وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
فعلمه أحاط بكل شيء سبحانه وبحمده، وقد تقدم شيء من الحديث عن صفة العلم، وقد جاء بأنواع ثلاثة من الأسماء أو جاء بثلاثة أسماء من أسماء الله عز وجل [العالم، أو العليم، وعلام الغيوب]، هذه أسماء الله تعالى التي تتصف بهذه الصفات.
نحن في هذا اللقاء نتحدث عن دلالة هذا الاسم إذا جاء مقترنًا، قد تحدثنا في ماضي ما تقدم عن دلالة اسم العالم، والعليم، وعلام الغيوب لكن في هذه الحلقة سنتكلم عن دلالة الاقتران، والأسماء أسماء الله تعالى تأتي بمعنى إذا كانت منفردة وهي دالة على كمال ذلك المعنى، كما أنها إذا جاءت مقترنة كانت مضيفة معنى آخر زائدًا على المعنى الذي أفادته في حال الانفراد.
فلننظر إلى اسم العالم على سبيل المثال، ذكره الله تعالى في كتابه مقترنًا بجملة من الأسماء من ذلك أنه ذكره -جل وعلا- في ذكر الحكيم الخبير، فقال -سبحانه وبحمده-: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾[الأنعام:73]، فذكر الله -جل وعلا- في هذه الآية علمه للغيب والشهادة، ذكر العالم، وذكر معه هذين الاسمين وهو الحكيم الخبير.
واقتران العلم بالحكمة في مواضع كثيرة لاسيما في اسم "العليم" فإنه اقترن به كثيرًا وسيأتي الحديث عن هذا -إن شاء الله تعالى- فيما نستقبل.
حديثنا اليوم عن العليم إذا اقترن ببعض أسماء الله عز وجل، ومن ذلك اقترانه بالحكيم الخبير، ما الفرق أولًا بين العليم والخبير؟
كلاهما يدل على العلم، كلاهما يدل على الإحاطة والمعرفة، لكن هناك فرق بينهما أن العليم يتعلق بالعلم بالظواهر، ظواهر الأشياء وما يبدو منها، وأما الخبير فهو العلم ببواطنها ودقائقها، وما سُتر منها.
لذلك يأتي العليم مقترنًا بالخبير في بعض المواضع، هنا ذكر عالم الغيب والشهادة ذكر هذا الاسم اسم العالم مع ذكر الحكمة والخبرة، فيكون العلم هنا شاملًا لكل الظواهر ما كان حاضرًا وما كان غائبًا، وأما الخبير فهو العالم بالأسرار والخفايا مما حضر ومما غاب، أما ذكر الحكيم فإنه يدل على أن هذا العلم مقترنًا بحكمته جل وعلا، والحكمة أمر زائد عن العلم؛ لأن الحكمة هي وضع الأشياء في مواضعها، فكم من إنسان عنده من العلوم والمعرفة لكنه لا يحسن وضعها مواضعها ولذلك لا يوصف بأنه حكيم.
أما ربنا جل في علاه الذي له المثل الأعلى الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير سبحانه وبحمده فعلمه مقترن بحكمته جل في علاه.
من الأسماء التي جاءت مقترنة مع اسم العالم عالم الغيب والشهادة أسماء [الكبير، المتعال] وهما اسمان جليلان من أسماء الله عز وجل، وسيأتي الحديث عنهما إن شاء الله تعالى.
لكن نحن نتكلم الآن عن ما هي الإضافة التي تضيفها هذه الاقترانات، هذا الاقتران بين اسم الله تعالى [العالم]، وبين [الكبير، المتعال] بالتأكيد أنه يضيف معنى زائدًا على معنى عالم الغيب والشهادة.
يقول الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [8] عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾[الرعد:8-9] عالم الغيب والشهادة ذاك وصف عظيم جليل، لا يكون هذا إلا للكبير فلذلك قال: [الكبير] في صفاته جل وعلا، الكبير فيما سمى به نفسه سبحانه وبحمده، ثم لما ذكر أنه كبير قطع عنه المشاركة في ذلك الوصف فقال: (المتعال) أي العالي -جل في علاه- عن كل نوع من المشاركة فهو متعالٍ عن أن يماثله أحد من خلقه، أن يكون له ند، أن يكون له نظير، أن يكون له شبيه، أن يكون له كفؤ، أن يكون له سمي، أن يكون له ند، فهو جل في علاه كبير متعال.
وذاك سر من أسرار اقتران هذه الأسماء الثلاثة بعضها ببعض، فلما ذكر صفة العلم الواسع الذي شمل كل شيء ذكر كبره جل في علاه، صفة الكبر له سبحانه وبحمده، ثم بعد ذلك ذكر أنه في كل تلك الصفات لا يماثله أحد، ولا يضارعه في ذلك شيء من خلقه فهو الكبير في ذاته، وهو الكبير في أسمائه، وهو الكبير في صفاته، وهو الكبير في علمه جل في علاه، وهو المتعال عن جميع خلقه بذاته، وقدرته، وقهره، وعلمه أن يكون له نظير أو أن يكون له مثيل سبحانه جل في علاه، هذا ثاني ما جاء فيه الاسم مقترنًا بغيره من الأسماء.
اسم [العالم] جاء مقترنًا أيضًا باسمي العزيز الرحيم، قال الله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [5] ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾[السجدة:5-6]، ذلك الذي يدبر اسم الإشارة يعود إلى الذي يدبر الأمر جل في علاه، لما ذكر التدبير الذي هو تصريف الكون، الذي هو إمضاء ما قدره الله وقضاه جل في علاه ذكر علمه الذي يشمل كل شيء، فلا يمكن أن يدبر جاهل إنما لا يدبر إلا العالم سبحانه وبحمده، ولما كان هذا التدبير قد انفرد به فليس له فيه شريك، ولا له فيه معين، ولا له فيه شافع بل يدبر كما اقتضت حكمه وأراده جل في علاه دون مشارك، ودون ظهير معين، ودون شفيع إلا بإذنه، قال جل في علاه: العزيز، فمن عز انفرد.
ولذلك كان مفردًا في تدبيره جل وعلا، وعندما ينفرد المدبر قد يظلم لأنه لا منازع له لكن الله جل وعلا رحيم، ولذلك قال -سبحانه وبحمده- في سياق بيان أن تدبيره الذي لا يتم إلا بعلمه قد انفراد به وهو فيه رحيم جل وعلا، لا يظلم الناس شيئًا بل يوصل إلى العباد الإحسان غاية الإحسان في كل أحوالهم وشئونهم، لا ينفكون عن رحمته جل في علاه.
من الأسماء التي جاءت مقترنة باسم العالم [العزيز الحكيم]، وقد تقدم ذكر هذين فيما مضى لكن هنا جاء العزيز والحكيم مع العليم، وفي السابق جاء مع اسم آخر.
الآية التي جاء فيها ذكر هذين الاسمين مع عالم الغيب والشهادة هي قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾[السجدة:6]، وهذا فيما تقدم من أن علمه جل في علاه قد انفرد به لا يشاركه فيه شيء، فكل من ادعى علم الغيب معه أو نازعه علم الغيب فإنه كاذب في دعواه ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾[النمل:65]، ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [26]إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾[الجن:26-27]، هكذا انفرد الله تعالى وعنده مفاتح الغيب فلا يشاركه شيء من خلقه في العلم إلا بما أظهره وبينه وجلاه سبحانه وبحمده.
وأما ذكر الحكمة فهو بيان أن هذا العلم الذي كمل وانفرد فيه مقرون بحكمته التي تقتضي وضع الأمور في مواضعها، وتقتضي التصرف في العلم على الوجه الذي يرضى الله تعالى به، ويكون فيه تحقيق المصالح للعباد ودفع المفاسد عنهم. من المواضع التي جاء فيها العلم مقترنًا ببعض الأسماء اقترانه باسمي [الرحمن الرحيم]،يقول الله تعالى:﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾[الحشر:22]، وتعقيب صفة علمه بصفة الرحمة باسميها؛ لأن الرحمن الرحيم كلاهما يدل على معنى واحد وهو الرحمة، دال على أن علمه غير خال من رحمته بل علمه جل وعلا الذي شمل أحوال العباد في كل أحوالهم مقرون بالرحمة، وهذا فيه الترغيب لهم، ومن كان ذا حاجة فليرفع يديه إلى ربه فهو عالم الغيب والشهادة، وليوقن بأنه الرحيم الذي سيدفع عنه ما يكره، ويعطيه ما يحب إذا كان ذلك في مصلحته وعائدًا إليه بالخير.
هذه جملة من الأسماء التي جاء اسم العالم مقترنًا بها، وفي تلك الاقترانات من الدلالات ما لا نجده في حال الانفراد، وهذا كما ذكرت إشارة وإلا فالعلم بهذا باب واسع بتأمل فسيح بكل من أراد أن يعرف الأسرار، والغايات التي جاءت من أجلها هذه الأسماء مقترنة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومن أقبل للقرآن بصدق وفتح عين قلبه تدبرًا فإن الله تعالى سيفتح له من أبواب العلم والمعرفة ما يزكو بها قلبه، ويصلح بها عمله، ويستبصر بها معاني كلام الله، والله أعلم بأسرار كلامه وغايات كتابه، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم [فادعوه بها] أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.