إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيُّه وخليله، خيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد...
فحياكم الله أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم [فادعوه بها]. هذه الحلقة نتناول فيها بعض ما يدل عليه اسم الله تعالى الواحد الأحد، اسمه جل وعلا الذي كرره في كتابه (الواحد)، و(الأحد) الذي ذكره في السورة، التي تعدل ثلث القرآن، هذه السورة هي صفة الرحمن جل في علاه كما جاء ذلك في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الرجل الذي كان يختم قراءته بــ"قل هو الله أحد"، فقال: «سلوه»، فقال: "إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخبِروه أنَّ اللهَ يُحِبُّه« .[صحيح البخاري(7375)، ومسلم(813/263]
إذا امتلأ القلب بأن الله واحد، وعمر القلب بأن الله أحد لم يلتفت إلى سوى الله جل في علاه، كان لله مخلصًا، وكان له خالصًا، ولم يلتفت إلى سواه﴿ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ ٣٩﴾[يوسف:39]
فإذا امتلأ القلب يقينًا بأن الله واحد قهار لم يطلب من سوى الله شيئًا، ولم يلتفت إلى غير الله تعالى في قضاء حوائجه، وإدراك مطلوباته، وكشف الكروبات، وإغاثة اللهفات، وفوز الدنيا أو نجاة الآخرة؛ لأنه يعلم أن الله أحد، وأنه واحد جل في علاه، فلا يلتفت إلى سواه.
إن هذا المعنى أنكره المشركون فهددهم الله تعالى، وقال -جل وعلا- في محكم كتابه: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾[النحل:51]، أي كُفُّوا وتوقفوا عن أن تعبدوا غير الله عز وجل، أن تعطِّلوا معنى الواحد الأحد، كفوا عن أن تصرفوا العبادة إلى غيره، والنبي صلى الله عليه وسلم اختصر رسالته في هذا المعنى فقال في محكم الكتاب كما قص رب العالمين:﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾[فصلت:6]، فإذا تقرر هذا في القلب سيتبع ذلك العمل، فاستقيموا إليه واستغفروه.
ثم جاء التهديد لأولئك الذين عطلوا هذا المعنى فجعلوا مع الله غيره، وسووا به سواه، ولم يقروا بأن الله واحد أحد فقال: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾[فصلت:6] لأنهم لم يقروا بأن الله واحد أحد سبحانه وبحمده، بل كانوا ينكرون ويستغربون ويقولون:﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5]، والله تعالى يبين عظيم الضلال، وعظيم النكير على أصحاب هذا القول الذين جعلوا مع الله إلهًا آخر، يقول –جل وعلا- في محكم كتابه:﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾[فصلت:6].
فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة، أي تنكر أن يكون الإله واحدًا وهم مستكبرون )لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين([النحل:23].
ولذلك كانوا في غاية الضيق إذا ذكر الله وحده، كما قال -جل وعلا-:﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾[الزمر:45]، إنهم يستبشرون عندما يعطلون معنى "الواحد الأحد"، ويلتفتون إلى ما سواه، ويجعلون غيره في مرتبته جل في علاه.
إن المؤمن الحق لا يمكن أن يسوي بالله غيره فهو يعتقد أن ربه لا نظير له، ليس له مثيل، ليس له كفؤ، ليس له مساوي، ليس له ند؛ لأن هذا هو معنى "لا إله إلا الله"، فلذلك لا يمكن أن يلتفت إلى غير الله جل وعلا، حتى في أضيق الظروف، وأشد الأحوال، لا يجد في قلبه التفاتًا إلى غير الله جل وعلا، بل التفاته إلى الله وحده لا شريك له.
ولهذا كان هذا الاسم في منزلة أن جعله بعض أهل العلم الاسم الأعظم؛ ذاك أنه دال على انفراد الله تعالى في إلهيته، وعلى تفرده -سبحانه وتعالى- في ربوبيته، وعلى تفرده -جل وعلا- في أسمائه، وعلى انفراده -سبحانه وتعالى- في كمالات صفاته، وعلى انفراده بالفعل فهو جل وعلا الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد كما قال -جل في علاه-: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾[البروج:16]، فلا يقف أحد أمام إرادته، ولا يشاركه أحد في قضاء ما يشاء -جل في علاه- من الأقضية، وما يُمضيه -سبحانه وبحمده- من الأحكام في قضائه وقدره، وفي شرعه ودينه.
إن الإيمان بأن الله واحد أحد يقطع الطريق على أهل الشرك، ويقطع الطريق على كل ممثل يمثل الله بغيره، ويسوي الله تعالى بخلقه، ولهذا كان هذا الدين موصوفًا بالتوحيد، فإنه التوحيد أي إفراد الله تعالى بما له من الكمالات.
ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن قال: «أنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا الله»[صحيح البخاري(1458)، ومسلم(19/31)]
ولما نقول: إن الدين قائم على هذين الاسمين على توحيد الله تعالى على معنى الواحد الأحد فإننا لا نبالغ؛ ذلك أن جميع الرسل جاءوا بدعوة أقوامهم إلى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، لا يسوون به غيره في شيء من العبادة، ولهذا إذا ألقينا نظرة على حال كثير من الخلق اليوم وجدنا أنهم يعطلون معنى الواحد الأحد، لا يقرُّون لله تعالى بأنه واحد ولو قالوها، ولو رددوها، ولو أعادوا في تلك الأسماء لكنهم في الواقع لا يقرون بمعنى الواحد الأحد، ولا يقرون بمعنى "لا إله إلا الله"، وإن قالتها ألسنتهم.
القضية بين النبي صلى الله عليه وسلم وقومه لم تكن في كلمات يقولونها لا يعقلون معناها، ولا في ألفاظ يرددونها دون إدراك ما تضمنته من المحتوى والمعنى، بل كان الخلاف في معنى "لا إله إلا الله"، ولهذا يقص الله تعالى عظيم وقع هذه الكلمة عليهم، فيقول -جل في علاه- في سورة ص: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5]، يعني فيه مخطط، فيه مكر، فيه قضية وراءها ما وراءها من الكيد، والإعداد، والتآمر، كيف يمكن أن يختصر الآلهة وقد كان حول الكعبة 300 صنم تُعبد من دون الله!
اختصر كل هذا في إله واحد يُعبد، تعالى الله عما يقول المشركون علوًّا كبيرًا، ولذلك صدق الله ومن أصدق من الله قيلًا في وصف حالهم حيث قال: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ﴾[الزمر:45]،يعني لم يُذكر غيره، ولم يُذكر سواه﴿اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾[الزمر:45]نفرت وكرهت أن لا يُذكر إلا الله، لكن إذا ذُكر معه غيره ممن تصرف له العبادات، ويُطلب منه تفريج الكربات انشرحت صدورهم،﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾[الزمر:45]، يُسرُّون، ويبتهجون، ويشعرون أنه قد أدركوا مطلوبهم وهم في ذلك غافلون.
فالقلب الذي ليس فيه إلا الله هو أسعد القلوب، أما القلب الذي وزَّع تعلقه بالخلق والتفت إلى غير الله فإنه في شقاء، القلب مفطور على محبة الله والانجذاب إليه، لا سكن له إلا في أن يوجه وجهه وقصده لله، ففلاح القلب، وسعادته، طمأنينته، وانشراحه، بهجته، سروره إنما يكون في أن يحقق تلك الكلمة، إنها مفتاح الجنة [لا إله إلا الله] هذه الكلمة العظيمة التي تطرق أسماعنا في اليوم مرات، ونتكلم بها في اليوم مرات، لكن عندما نأتي إلى رصيد العمل ما نجد أنها مؤثرة في القلب، يُحكى عن الأولين أنه إذا قال أحدهم هذه الكلمة وجدتها منبعثة من داخل قلبه، وكأن الذي يتكلم قلبه لا لسانه.
الله أكبر! إنهم أيقنوا بمعنى هذه الكلمة، وأنها إفراد الله وحده لا شريك له، وأنه لا إله غيره جل في علاه، فأيقنوا بأنه الواحد الأحد، فانقطع عنهم كل تعلق بغير الله، لم يلتفتوا إلى سواه، فحققوا معنى هذه الكلمة.
هذه الكلمة التي معناها هو الواحد الأحد يجب أن يستحضر المؤمن أنه لا نجاة له إلا بإدراك معناها، وأنه متى ما غفل عن معناها والتفت في نازلة إلى غير الله فقال: يا فلان من الخلق أغثني، حيًّا كان أو ميتًا، ودعا غير الله، وسأل سوى الله جل في علاه، فإنه لا يجني خيرًا.
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾[الأحقاف:5]، إن النجاة في أن يوحد العبد ربه، وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدًا كائنًا من كان، ولا يغرنك أنه قد جُرب القبر الفلاني، أو الولي الفلاني، أو الجني الفلاني، أو الملك الفلاني فدُعي من دون الله فأجاب، فذاك تزيين الشيطان وإنما الجواب من رب الأرض والسماء، فمن قصده ما خاب، ومن وحده نجا وأفلح، ومن أفرد قلبه به فلم يعمر قلبه بسواه كان من الفائزين.
دعوتي لكم أيها الإخوة والأخوات أن نتدبر معنى هذين الاسمين الكريمين لله عز وجل [الواحد، الأحد]، فإن في تدبرهما والتعبد لله تعالى بهما، ودعاء الله بهما دعاء عبادة أو دعاء مسألة ما يخرجنا من مضايق الشرك، والتشتت، والضيق، ويجعل وجهنا لله، وقصدنا الله، ولا نريد سواه، وعند ذلك تطمئن القلوب، عند ذلك تسكن، فالقلب مضطر إلى محبوبه الأعلى الذي هو الله فلا يغنيه عنه حب ثاني، فمهما توجه القلب لغير الله فهو في شقاء، وفي حيرة، وفي ضيق، وفي كدر، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾[طه:124].
اللهم أسعد قلوبنا بطاعتك، وارزقنا بصدق الإيمان بك، واجعلنا من أوليائك وحزبك، وارزقنا الإخلاص لك، نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم، ونعوذ بك أن نشرك بك ونحن لا نعلم، نسألك أن تجعلنا من عبادك المخلصين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم [فادعوه بها] أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.